منذ أربعين يوماً فقط، ثار رئيس مجلس النواب في وجوهنا لأنّنا انتقدناه عن قراره برفع رواتب أعضاء البرلمان التقاعدية ومخصصاتهم وامتيازاتهم، وهو منهم، بما يخالف أحكام قانون التقاعد الموحّد. هو رأى في انتقادنا، مجرد الانتقاد، ” استهدافاً مرفوضاً للسلطة التشريعية”..!!.. ويومها كتبتُ هنا أن رئيس المجلس ما كان يعوزه غير أن يُشهر مسدسه ويصوّبه نحونا ليُسكتنا عن انتقاد قراراته غير الصحيحة!
موقفنا، نحن الناقدين للقرارات والناقمين عليها، استند إلى عدم شرعيتها وإلى عدم أخلاقيتها في هذا الظرف بالذات حيث يكابد شعب بلاد الرافدين شحّ الماء الصالح للشرب والكهرباء وانهيار نظام الخدمات العامة، فضلاً عن الفاقة والفقر والضنك والإرهاب والموت المجاني… كلّه بسبب فساد الطبقة السياسية المتنفّذة التي لا تكترث بغير مصالحها الأنانية.
المهمّ أن المحكمة الاتحادية أزهقت الباطل، أمس، وأعادت الحقّ الى نصابه بإبطالها القرارات “غير الدستورية” لرئيس البرلمان في هذا الخصوص، فذهبتْ قراراته تلك وسوْرة غضبه علينا أدراج الرياح.. هذا أمر عظيم، يتعيّن التعلّم منه والتفكّر فيه مليّاً، فلا يتوجّب أن تبقى هذي البلاد الى الأبد “حارة كلّ من إيده إله”، ولا ناس هذي البلاد مجرد “عباد” لمن يرغب في أن ينصّب من نفسه، بالقوّة الغاشمة أو بالمال الحرام أو بسواهما، سلطاناً و”قائد ضرورة”.
يا رئيس مجلس النواب ويا نائبيه الاثنين ويا سائر أعضاء المجلس، ويا رؤساء وأعضاء مجالس المحافظات جميعاً أيضاً… أنتم نوّاب الشعب ووممثّلوه .. هو انتخبكم، نعم على العين والرأس، لكنه إنما فعل ذلك ليس في سبيل أن يجعل الواحد منكم سلطاناً عليه، بل من أجل أن تكونوا موظفين عنده في دولته وخُدّاما لقضاياه، قاضين حاجاته وملبّين حقوقه .. هذا هو الأصل والأساس في الوظيفة العامة، سواءً تحصّلتْ بالانتخاب أو بالتعيين .. إذا كان أيٌّ منكم قد ظنّ من قبل أو يظنّنَ الآن بأنه قد اُنتخِبَ لتكون “على رأسه ريشة”، فهو في وهم كبير وضلال مبين .. الذين يرغبون في وضع الريش على رؤوسهم ويسعون إليه يترتّب عليهم أن يبحثوا عنها في مكان آخر .. قسم الطيور في سوق الغزل ببغداد أو أية مدينة أخرى، مثلاً.