23 ديسمبر، 2024 12:16 ص

هدفان اساسيان وراء المماطلة في صرف رواتب موظفي اقليم كوردستان

هدفان اساسيان وراء المماطلة في صرف رواتب موظفي اقليم كوردستان

لايختلف اثنان على ان للكورد دورا اساسا في بناء العملية السياسية في العراق بعد تحريره من النظام الدكتاتوري المباد في 2003 وشارك وبشكل فاعل في بناء مؤسساته وبالاخص الامنية منها ، بعد ان حُلت جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية من قبل الحاكم المدني الامريكي بول بريمر.
كما كان للكورد دور رئيس في كتابة الدستور الى جانب القوى السياسية والشخصيات الحقوقية العراقية الاخرى ، ليكون هذا الدستور عقدا وطنيا ومرجعا بين الطبقة السياسية الحاكمة من جهة والمكونات العراقية بمختلف توجهاتها وايديولوجياتها من جهة اخرى فضلا على ان يكون اساسا لحل اية خلافات مستقبلية بشأن كل مايخص الحياة السياسية والدستورية في العراق.
ان عدم الالتزام بالدستور من قبل الطبقة الحاكمة في بغداد وبالاخص رؤساء الوزراء بعد التغيير بدءاً بابراهيم الجعفري ومرورا بنوري المالكي وانتهاء بحيدر العبادي بشأن العلاقة بين اربيل وبغداد وبالاخص المماطلة والتسويف في تنفيذ المادة 140 من الدستور وتشريع قانون النفط والغاز اللذين يعدان جوهر الخلافات بين الطرفين ، كل ذلك تسبب في نشوب خلافات جديدة بين الجانبين وتصاعدت حدتها عندما قرر رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وبقرار فردي وغير دستوري و من دون الرجوع الى البرلمان بقطع رواتب موظفي حكومة اقليم كوردستان في نهاية 2013 والتي كانت تصعيدا خطيرا الى جانب بعض التهديدات العسكرية عبر تحريك قوات عسكرية نحو المناطق المتنازع عليها في حينها.
هذا القرار المجحف واقحام قوت نسبة كبيرة من سكان الاقليم من الموظفين في الخلافات السياسية ، تسبب في ازمة مالية وسياسية حادة في اقليم كوردستان ما دفع حكومة الاقليم الى استخراج البترول بالتعاون مع شركات اجنبية وتصدير كميات منها عبر ميناء جيهان التركي بغية دفع رواتب الموظفين وتوفير اقل مايمكن من الخدمات الضرورية للمواطنين من الكهرباء ومياه الشرب والخدمات الصحية والبلدية والخ.
بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة في عام 2014 و تسلم السيد حيدر العبادي منصب رئاسة الوزراء لم يغير نهج سلفه بل عمق الخلافات مع اربيل اكثر في الوقت الذي اجتاح تنظيم داعش الارهابي محافظات باكملها ومن ثم احتلالها ، حيث كانت قوات البيشمركة الى جانب القوات الامنية العراقية القوة الضاربة في الوقوف بوجه الارهابيين وفي مكافحة الارهاب فضلا على فتح اقليم كوردستان احضانه لأكثر من مليونين ونصف المليون نازح عراقي من مختلف المكونات القومية والدينية من مختلف انحاء العراق.
مع كل تلك الازمات الحادة التي واجهت شعب اقليم كوردستان الذي مايزال مواطنيه جزءا من الشعب العراقي ، لم تغير بغداد سياستها حيال اقليم كوردستان الى ان حدث ماحدث في 16 اكتوبر من العام الماضي واجتياح القوات الاتحادية للمناطق المتنازع عليها بذريعة فرض الدستور والقانون ، بعد ان اجرى شعب اقليم كوردستان استفتاء لتقرير مصيره المستقبلي عبر عملية ديمقراطية ، حيث تم فرض حصار بري وجوي وغلق جميع المنافذ الحدودية والمطارات في الاقليم ، في حين بقيت قضية رواتب ومستحقات موظفي الاقليم رهن الخلافات السياسية وهي حقوق قانونية ودستورية لمواطنين عراقيين ينبغي ان تصرف لهم اذا ما ارادت حكومة السيد العبادي حقا فرض الدستور والقانون في البلاد.
برغم كل ذلك الا ان حكومة اقليم كوردستان لم تغلق ابواب الحوار والتفاهم مع بغداد واعلن رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني ولمرات عديدة استعداد حكومته لبدء حوار جاد وحقيقي على اساس الدستور لحل وحسم جميع الخلافات ولكن بغداد ماطلت كثيرا في الرد على دعوة البارزاني والدخول في حوارات دستورية بغية انهاء معاناة اكثر من خمسة ملايين مواطن كوردي في العراق.
ونتيجة لضغوط اقليمية ودولية ارغم السيد العبادي على القبول بالحوار و تشكلت لجان فنية بين الجانبين لاعداد الملفات وطالب رئيس الحكومة الاتحادية باجراء تدقيق كامل لاعداد الموظفين في الاقليم واشراف بغداد على المنافذ الحدودية البرية والمطارات في الاقليم ، اعلنت اربيل عن استعدادها للتعاون مع بغداد في حسم الخلافات على اساس الدستور وقدمت جميع التسهيلات لعمل اللجان ، وفي المقابل اعلن السيد العبادي ولمرات عديدة عن استعداده لدفع رواتب الموظفين ولكن كل تلك الوعود كانت مجرد تصريحات اعلامية للاستهلاك المحلي وتضليل الرأي العام العراقي والدولي ولم تخط بغداد خطوة واحدة باتجاه صرف الرواتب لا اقل صرف راتب شهر واحد لاثبات حسن نيتها ومايزال العبادي يماطل بدفع رواتب الموظفين بدواع واهداف سياسية.
اعتقد وربما يشاطرني الاعتقاد العراقيون الوطنيون ان السيد العبادي يستخدم ورقة رواتب الموظفين وتجويع شعب كوردستان لأغراض سياسية وانتخابية وبالاخص نحن على اعتاب اجراء انتخابات مهمة ومصيرية في اقليم كوردستان والعراق الاتحادي ويهدف من وراء ذلك الى تحقيق هدفين اساسيين وهما:
كسب تعاطف الشارع العربي وتضليله والايحاء بأن حكومة الاقليم وبالاخص الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي يترأس الحكومة بانها حكومة متمردة ولاتذعن للقانون والدستور وان السيد العبادي يحاول ان يرجع الاقليم لهيمنة المركز بذريعة تطبيق الدستور وذلك لكسب اكثر عدد من الاصوات في الانتخابات المقبلة وبالاخص بعد خيبة امله بانسحاب معظم الكتل السياسية الكبيرة من تحالفه وبقائه لوحده مع بعض الاحزاب الصغيرة التي لاتشكل ثقلا في العملية الانتخابية المقبلة.
والهدف الثاني استمرار الضغط على حكومة الاقليم وتجويع شعب الاقليم عبر المماطلة بتاخير صرف الرواتب والقاء اللوم على الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي يقود الحكومة لكي يخسر قاعدته الجماهيرية الكبيرة واضعافه في منافسة بعض القوى الكوردستانية التي تعمل بالضد من مصلحة الشعب الكوردي وتسعى للحصول على مقاعد ومناصب في بغداد واربيل على حساب استمرار قطع قوت الموظفين والفقراء في الاقليم.