قبل أن نستعرض تفاصيل ماحصل والذي يُعتبر خطأً فادحا لايُغتفر في مجال التخطيط العمراني والتطوير الحضري كانت قد إقترفته الحكومة المحلية في الناصرية.
علينا أن نتساءل عن مؤسسات الدولة الرقابية والتي تقف صامتة مكتوفة اليدين أزاء مايحصل.
إن شارع الحبوبي والذي يعتز أهالي الناصرية الأصلاء بإسمه التراثي القديم وهو (عگد الهوى) ومايحمله من ذكريات طيبة إختمرت في أذهانهم بعد أن كانت قد تفاعلت مع وجدانهم واختلطت مع مشاعرهم في جميع محطات حياتهم.
وبالنظر الى التوسع في الكثافة السكانية لمدينة الناصرية فضلاً عن الوافدين اليها يومياً من الأقضية والنواحي والقصبات الكثيرة والأرياف المحيطة بها ضمن محيط محافظة ذي قار بسبب إستقطاب مدينة الناصرية لهم مما جعلها تُشّكل ضغطاً خانقاً وفوق طاقتها لجميع الخدمات فيها سواءً على مستوى المؤسسات الرسمية أو المُجمعات التسويقية والمراكز الصحية والمستشفيات العامة والخاصة.
وبالرغم من إزدياد الأحياء السكنية المُستحدثة في مدينة الناصرية فان الحركة التجارية بقيت متمركزة في شارع الحبوبي والذي يُشكل القلب النابض للمدينة والنواة الرئيسية للمُجمعات الطبية والعيادات الشخصية والذي تضيق مساحته وممراته وأرصفته ويرتفع مستوى التلوث فيه بسبب الإزدحام غير الطبيعي للمواطنين والمركبات فيه فصار عبئاً على المدينة وعبئاً على أهلها وأصبح مشكلة حقيقية لم نرَ إهتماماً جاداً فيه خلال السنوات السابقة.
وبالرغم من إمكانية إيجاد الحلول والمعالجات وسهولة تنفيذها من خلال إستحداث مُجمعات تجارية وطبية وترفيهية في مناطق مفتوحة من مدينة الناصرية خارج مركزها وما أكثرها لتنتقل الحركة إليها وتتوسع بشكل مدروس وماينجم عنه من إيجابيات كثيرة تساهم في إحياء المناطق الجديدة وإنعاشها لتعود الحياة بطبيعتها الى سابق عهدها في شارع الحبوبي بما يتناسب مع حجم إستيعابه.
ولو أوكلت المهمة الى جهة فنية ذات خبرة بتنظيم المدن فانها وبالتأكيد ستقدم دراسة هادفة ذات جدوى فاعلة تخدم مدينة الناصرية على جميع المستويات الحضرية والخدمية وستكون إنطلاقة مُميزة لإحداث تغـيير جوهري يؤدي الى خلق مدينة عصرية ينتفع منها المواطن وتنتفع منها الدولة خصوصاً إذا علمنا أن التوسع الجديد يمكن أن تقوم به جهاتاً إستثمارية توفر للدولة إيرادات جيدة وتعود بالفائدة للصالح العام على أن تكون إحالة الفرص للاستثمار بشكل علني تفادياً للتلاعب بها ومنعاً لمحاولات الإبتزاز فيها بسبب إستشراء الفساد واستفحال الأمراض في النفوس الضعيفة.
ولكن وللأسف وبدلاً من ذلك لجأت الجهات الرسمية في محافظة ذي قار الى أعمال غريبة وهي قيامها بتسقيف شارع الحبوبي بهيكل حديدي ثقيل وهو إسلوب غريب لم نعهده من قبل وهو يتعارض مع واجهة الشارع ومايلحق به من تشويه ويتعارض مع أبسط المتطلبات اللازمة للدفاع المدني ومايترتب عليه من صعوبة في مواجهة المخاطر المحتملة وهو يتعارض أيضاً مع تأهيـل الأبنية التجارية الممتدة على جانبيه وسيكون عائقاً أمام تطويرها وإعادة بنائها علاوة على أنّ طريقة تثبيته لم تكن مُحكمة وهي محفوفة بالمخاطر لأن الأجزاء الحديدية الثقيلة في سقفه تفتقر الى عوامل السلامة وينقصها الأمان بسبب ضعف تماسكها واحتمالية إنهيارها وسقوطها على الناس وماسينجم عنه من ضحايا وماتُخلفه من خسائر.
نعم أنّ محافظة ذي قار هي ضحية للأحزاب التي تكالبت وتسلطت عليها بعد 2003 فأصبحت محافظة ذي قار كغيرها من مدن العراق بائسةً مُنهكةً تُقاد من العناصر غير الكفوءة والفاسدة والتي إنضوت تحت جُنح الأحزاب الظلامية المتخلفة والفاسدة وفي مقدمتها حزب الدعوة بجميع أجنحته ومنها حزب الدعوة تنظيم العراق والفضيلة والتضامن والتيار الصدري والمجلس الأعلى عندما تزعّمت عناصر منهم إدارة المحافظة واستولت على المناصب المهمة فيها فحالت دون تنفيذ المشاريع المهمة بطريقة صحيحة عندما أصبحت تتحكم في مناصب المسؤولين في المؤسسات الحكومية ومنهم المحافظ ونائبه ومعاونه وتسلّلت أيضاً الى غرفة التجارة وإدارة رجال الأعمال وجميع المؤسسات الحكومية من خلال الإتيان بعناصر متواطئة معهم وتخدم أغراضهم وذات تأريخ معروف بالسرقات بما فيها سرقة الطائرات التي كانت مخزونة في صناديق والمحطات الكهربائية الثانوية ذات المنشأ الياباني التي كانت متواجدة في القاعدة الجوية في الناصرية ونقلها الى دولة مجاورة وهي جريمة الجرائم وخيانة عظمى كانت قد إقترفتها أيادي آثمة وقد كافأتهم تلك الدولة على صنيعهم هذا عندما جعلتهم في مناصب قيادية وصار الشغل الشاغل للأحزاب هو الحصول على الصفقات وعقد المشاريع المشبوهة وإبرام العقود الوهمية والتجاوز على المال العام بكل الطرق الدنيئة والوسائل الخبيثة وكانت نتيجته الفشل في جميع المشاريع ومنها على سبيل المثال تنفيذ جسر الحضارات ومخالفته للتصاميم والمواصفات الفنية المتفق عليها علماً أنّ سمسار الصفقات في هذا المشروع وفي مشروع ملعب ذي قار الأولمبي معروف للجميع وكذلك الإخلال في أعمال تأهيل بهو بلدية الناصرية بعد حذف بنود مهمة من فقراته الفنية في التعاقد والاستحواذ على الفائض من مبالغ العقد بنسبٍ لحساب المقاول والأطراف المتفقة معه وكذلك الحيلولة دون تنفيذ فندق سياحي على إطلالة نهر الفرات بواسطة مستثمر معروف وشركات عالمية والذي كان على وشك المباشرة به في عام 2007 بسبب مُزاحمته لمشروع شخصي تابع لعائلة نائب المحافظ في وقتها وأما المشاريع المهمة ومنها المُجسرات في التقاطعات الداخلية ومواقعها غير المدروسة وتكاليفها الباهضة فقد أوكلت الى مقاول حزب الدعوة ذو العلاقة المباشرة مع رئيس الوزراء الأسبق والذي كان مساعداً الى حسين كامل في زمن النظام السابق وأما المشاريع الأخرى فقد أوكلت الى مقاول حزب الدعوة ذو العلاقة المباشرة مع حزب الدعوة جناح التضامن التابع لرجل دين معروف في الناصرية وقد توسّعت علاقة هذا المقاول مع المحافظ الأسبق حتى أصبح شريكاً له في جميع المقاولات الحكومية بعد تقديم المحافظ له كافة التسهيلات الرسمية والمالية.
نعود الى مشروع تسقيف شارع الحبوبي وبالرغم من الإعتراضات الفنية عليه إلاّ أن نفوذ التيار الصدري وبتأثير من ممثله في أمانة رئاسة الوزراء وبشكل مباشر منه والذي يرفض الإذعان الى الضوابط والقوانين والشروط والمواصفات الفنية.
وقد تمادّى التيار الصدري في محافظة ذي قار حتى بلغ التسلط له على المحافظة في الإستيلاء على جميع العقود والمشاريع وإحالتها الى عناصر تابعة له أو شركاء معه وفي حالة تنفيذ بعض المشاريع من قِبل مقاولين آخرين لايتبعون تياره فانه يتقاسم معهم الأعمال ويأخذ القومسيونات منهم وبخلافه فانه يُهدد مَن لايستجيب له حتى أصبحت مشاريع المولات والأبنية التجارية والإستثمارات في المحافظة كلها حكراً عليهم ونصيباً لهم.
وقد نجح التيار الصدري في إزاحة محافظ ذي قار السابق بعد الإتفاق معه على صفقة معينة مقابل الإتيان بمحافظ بديلٍ عنه تابع له ويأتمر بأوامره كما فعلها مع محافظ النجف عندما عقد معه صفقة للتنازل عن منصبه والإتيان بمحافظ جديد تابع لتياره وكان الثمن في هذه الصفقة هو الإفراج عن إبن المحافظ المُدان بالإتجار بالمخدرات والمحكوم عليه بالسجن المؤبّد والذي جرى تهريبه خارج العراق بعد هذه الصفقة بعد أن ضغط (صاحب مشروع الإصلاح !) على رئيس الجمهورية والذي بدوره إعتذر عن هذا الفعل الخطير لاحقاً وبعد أن تواطأ معه رئيس الوزراء الذي يتقرب الى التيار ويجامله ويحاول تحقيق جميع مطالبه لأنه لايزال يحلم في البقاء بمنصبه رئيساً للوزراء.
وبكلمة واحدة أنّ جميع شركاء الأحزاب في الصفقات والمشاريع التجارية والذين تجرؤوا على سرقة قوت الشعب وثروات العراق سيكون مصيرهم هو التصفية الجسدية من قِبل الأحزاب نفسها بوسائلهم الماكرة وأساليبهم العدوانية والتي ستفضحها الأيام كما حصل لشركائهم في مزاد نافذة العملة الصعبة في بغداد والتي كان ضحيتها بعض الشركاء الذين ذهبوا ضحية لتعاملهم وشراكتهم مع هذه الزمرة الفاسدة القاتلة.
وبعد هذه الخلاصة السريعة هل عرفتم مَن هو المسؤول عن تلك الفضائح والأعمال العبثية في شارع الحبوبي ومَن هو المسؤول عن الهدر في الأموال العامة لهذه الأعمال غير المُبرّرة والخطيرة.