18 ديسمبر، 2024 7:17 م

هجوم الرطبة وهبوط المعالجات الأمنية

هجوم الرطبة وهبوط المعالجات الأمنية

من أسباب بقاء الوضع الامني في الأنبار عموماً والمناطق الغربية منها متردياً إلى هذا الحد.. هو وادي حوران الذي يعتبر أكبر وديان العراق ويمتد 350 كلم من الحدود العراقية-السعودية الى نهر الفرات بالقرب من حديثة، تحيط به التلال والأودية الفرعية المتشعبة منه و الجروف العالية بحافات حادة.
الذي في الرطبة هو انسحاب قوات الأمن العراقية ومقاتلي الحشد العشائري من المدينة بعد أن تمكن مقاتلو داعش من السيطرة على آخر أحيائها بعد يومين من المواجهات المسلحة.
وبحسب المصادر فإن مقاتلي التنظيم تمكنوا من السيطرة على الحي العسكري شمالي المدينة القريبة من الحدود الأردنية، وهو ما دفع القوات العراقية إلى الانسحاب خارج المدينة،
كان هذا الوادي في المحافظة الشاسعة – الأنبار- مرتعاً لعناصر تنظيم القاعدة، ومعسكرات لهم، يُدربون فيه العناصر الجدد ويؤهلونهم للإنضمام إليهم، وعلى مدى تلك السنوات وتطور الفكر لتنظيم القاعدة لينجب تنظيم الدولة – داعش- كان الأبن على خطى أبيه، حيث يستخدم تنظيم داعش هذا الوادي اليوم لشن هجمات على القوات العراقية وعلى العشائر في الأقضية المحاذية له، بل كان يستدرج الجيش العراقي إلى تلك المناطق الشاسعة ويصطادهم هناك، كما حصل عام 2013 وقتل 16 عسكرياً من الفرقة السابعة اثناء مداهمتهم وكراً تابعا له في منطقة الحسينيات ضمن الوادي، بينهم قائد الفرقة السابعة في الجيش اللواء الركن محمد الكروي ومساعده العميد نومان محمد، فضلاً عن آمري لواءين وعدد من الضباط والمراتب وإصابة 35 عسكريا آخرين معظمهم جنود، الغريب أن قيادة العمليات لم يكن لها إجراءات حقيقية لتأمين هذا الوادي خلال السنوات الماضية رغم ما يشكله من مخاطر على المحافظة، فضلاً عن غياب الطيران العراقي عن تلك المناطق التي تعتبر رخوة وهشّة أمنياً، والقياس أن تكون هناك دوريات متواصل للطيران العراقي على تلك المناطق لمعالجة تلك الخروقات التي تحصل بين الحين والآخر، من جانب آخر ما زالت الحكومة العراقية تتخوف من العشائر السنية ولم تزل تلك الهوة
الكبيرة الواسعة بين القوات الحكومة والمواطنين في المناطق السنية التي استعيدت من تنظيم داعش، حيث يغيب التسليح الحكومي الفعلي والدعم المقدم لتلك المناطق على مستوى الإعمار أو الدعم اللوجستي في القضايا الأمنية ومحاولة إيجاد صيغ مشتركة تحفظ الأمن المجتمعي مع المواطنين، وهي السياسية ذاتها التي اتبعها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي حيث حاول تأمين تلك المناطق بعيداً عن أهلها وزج بآلاف العناصر من الجيش والشرطة العراقية الاتحادية القادمة من بغداد والمحافظات الجنوبية، وإبعاد أهالي تلك المناطق عن الملف الأمني وهو ما نتج عنه دخول داعش بسبب ضعف الجيش الذي بني على اساس طائفي ولم يكن هناك تعاون تام بينه وبين أهالي تلك المناطق .
معركة الموصل تكشف حقيقية وضع التنظيم
من الواضح أن معركة الموصل أصابت التنظيم بمقتل، وأثرت فيه كبيراً وهذا واضح من تحركات داعش على عدة محاور في محاولة لصرف الأنظار وتخفيف الضغط على جنوده في الموصل، وربما نجح إلى حد ما في محاولته تلك، فأحداث كركوك مثلاً تصدرت نشرات الأخبار المحلية والعربية وحتى العالمية، وتصدرت كذلك اهتمامات مستخدمي ورواد وسائل التواصل الاجتماعي، وتراجع ملف معركة الموصل في هذين اليومين إلى الوراء وهدأت طبول المعركة لتقرع أخرى في كركوك وسط ذهول عراقي وعربي وحتى عالمي من قوة هذا التنظيم، وهو ما أرداه داعش فعلاً؛ وللأسف حدث، وربما كانت كثير من وسائل الإعلام تقع في فخاخ التنظيم وتصدّر أخبار هجماته مع التهويل وبدء الخبر بالهجوم لا بمن صده. والحال نفسه في قضاء الرطبة الذي اقتحمه التنظيم رغم مرور ثلاثة أشهر فقط على استعادته منه، واستطاع أن يخطف الأضواء عن معركة الموصل المصيرية ويصوّر الهجمات وينشرها على شبكة النت وتتلقفها وسائل الإعلام العالمية كرويترز، التي بدورها بعثتها للمشتركين من القنوات العربية والمحلية لتكون مادتها الأولى.
على ما يبدو أن داعش ما زال قوياً في الساحة الإعلامية رغم مقتل المتحدث الإعلامي باسمه أبو محمد العدناني وقلة الإصدارات التي يصدرها بسبب الانتكاسات التي لحقت به في عدة محاور لكن يقتنص الفرص لتوجيه الرأي العام
ونقل صورة قوية وواضحة عن مجريات الأحداث بغية تناقلها بين وسائل الإعلام والحفاظ على إدامة الزخم وكنوع من التواصل مع الانصار والمؤيدين.
القيادات الأمنية لغاية الآن لم تدرك أهمية التعاون في الجانب الأمني مع الفعاليات المجتمعية، وما زالت هي في واد والمجتمع في وادٍ آخر، وعليها الآن أن تزرع الوازع الأمني في عقل وقبل كل مواطن وأن يتحمل مسؤولية أمنه الشخصية وعائلته ومنطقته، وهذا لا يعني عسكرة المجتمع أو تخلي الأجهزة الأمنية عن واجبها لكن مقتضيات الواقع العراقي تقضي بالخروج عن السياقات العسكرية البحته ومحاولة إيجاد بدائل واضحة لحفظ الأمن وربما التجارب السابقة أكبر دليل على ذلك.
[email protected]