هجرة الرسول الكريم من أبرز وأهم الأحداث التاريخية المهمة للأمة الإسلامية جمعاء؛ حيث غيرت مجرياتها واحداثها وجه التاريخ والتاريخ الإسلامي بشكل خاص، بكل ابعادها الانسانية والاجتماعية والدينية ،والحضارية المشرقة ، ومنها كانت مرتكز نشأة الدولة الإسلامية في انطلاقتها ونجاحها وازدهارها واستقلالها عن قريش، في بقعة امنة ومستقرة بما اوحى به الله سبحانه وتعالى. لذلك فإن الهجرة النبوية تعتبر من الأحداث ذات التأثير الكبيرعلى مسار خارطة الأمة وامتدادها الجغرافي وانتشار الدعوة الاسلامية الى بقاع الأرض كافة،وإرساء قيم ومبادئ الرسالة الإسلامية السمحاء. بل كانت ايضا نقطة تحول في حياة المسلمين الاوائل وانطلاقتهم الاولى نحو التحررمن براثن الشرك والعبودية والاضطهاد والتضييق على الدعوة، الى فضاء الحرية والاستقلال والجهاد في سبيل الله بعد معاناتهم من ملاحقة واضطهاد المشركين لهم في مكة .وقد جاء في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ وبعد أن فشلت جميع الطرق التي اتبعها مشركوا قريش في صد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واصحابه عن أداء دعوته ورسالته الإلهية اتفقوا “على ان يرسل كل فخذ من قريش رجلاً مسلحاً بسيفه ثم يأتي الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو نائم على فراشه، فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، فاذا قتلوه تفرق دمه بين القبائل المتأمرة وبذلك يذهب دمه هدراً.
فأخبر جبرئيل (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بان الله عزّ وجل يأمره بالهجرة الى المدينة فدعا أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخبره ان ينام في فراشه “. فأنجاه الله سبحانه وتعالى من كيد المشركين .وشق طريقه باتجاه يثرب في مأمن من شرورهم ومؤامراتهم .
ومن أبرز وأهم نتائج الهجرة النبوية والتي لا زال أثرها ظاهراً حتى يومنا هذا هي إقامة اول دولة اسلامية على رقعة أرض مستقلة، وتخضع جميع مكوناتها بما فيها من مسلمين وغيرهم إلى الحكم الإسلامي، وتكوين مجتمعٍ إسلامي متكامل. ومتكافل من أبرز نتائج الهجرة التي تحققت للمسلمين بعد استقرار النبي -صلى الله عليه واله وسلم- في المدينة المؤاخاة بين المهاجرين والانصار؛ مما يدل على أهمية التآخي ودور تماسك لحمة المجتمع الواحد في تمكين المسلمين وتوحيدهم ، وقد ترسخ مبدأ الأخوة في نفوسهم الصحابة من المهاجرين والأنصار حتى بلغت بهم الأخوة أن يطلب أحدهم من أخيه في الله أن يقتسم معه ماله وداره . ومن نتائج الهجرة النبوية كذلك ما كان له أثر واضح على أهل المدينة الأصليين من الأنصار؛ حيث تخلص أهل المدينة من الضغائن والأحقاد والمناوشات التي كانت تحدث بينهم بشكل مستمر بالتآخي والتراحم بين المسلمين؛ حيث توحدت جميع القبائل تحت راية واحدةٍ في توحيد الله والإيمان به وبنبيه، وترك العصبية القبلية، ونزع الحقد والضغينة من النفوس. وتحقيق العبودية لله -سبحانه وتعالى- وحده، فقد أحدث الإسلام انقلاباً في حياة مجتمع المدينة أفراد وجماعات، فتغير سلوكهم وتغيّرت عاداتهم ومقاييسهم وأحكامهم، كما تغيرت بنية مجتمع المدينة تماماً
وبدات نقطة الانطلاق للدعوة الاسلامية الى بقاع الارض كافة .وعقد الاتفاقات والتحالفات مع القبائل العربية والمناطق المجاورة بغية انضمامهم الى الدين الاسلامي والدولة الاسلامية الجديدة. كما يعد نقلة تاريخية في استحداث التاريخ الاسلامي الجديد واعتماد الحساب الزمني بالتقويم الهجري وفصله عن التقويم الميلادي.