23 ديسمبر، 2024 12:07 م

ألتقيت البارحة بالصدفة أحد معارفي وهو يهم بالخروج من ديوان المحافظة وقد بدا ضحية الأكتئاب والضجر˛ ولما سألته عن سبب حالته السيئة فقال: «ذهبت للسؤال عن منح مرضى الثلاسيما فقالوا: لي لقد توقف الصرف من بغداد». فأنتابني التعجب لدرجة الضحك على الرغم من حراجة الموقف وحساسيته˛ ولكني بعد ما تمكن الضحك مني أعتذرت من صديقي وبررت الموقف بأن الضحك لم يكن عليه أو أستهزائاً بحالته وحالة أبنه المصاب بذلك المرض ولكن من تفاهة العذر وغبائه.
فهي منحة تقدم لمرضى الأمراض المزمنة ومنها الثلاسيميا من بعض الأموال التي إلى المحافظة بعد أن يصوت على صرفها مجلس المحافظة˛ وليست راتباً وليس هناك علاقة للحكومة المركزية بصرفها أو عدم صرفها. وأن أستخدام العذر «توقف الصرف من بغداد» والذي يشبه تللك الأجابة التي تلاقي أي أعترض عن أجراء في زمن النظام البائد وهي: «هاي من فوك» وحالياً عندما يعدم بعض الموظفين عن تقديم خدمات تكون متعبة لزملائهم أو للمراجعين يلجأون إلى بدعة جديدة هي: «وقفه المدير العام».
الكل يسأل متى يبدأ التغيير؟ متى يتم أعمار العراق؟ من أصغر موظف في الدولة العراقية إلى أعلى المراتب فيها. ومن الباعة المتجولين إلى أكبر التجار في الشورجة˛ ولكن لم يسأل أحدهم ماهو دوره في التغيير. حيث الكثير يظنون أن التغيير مسؤولية المحافظ و الوزير أو رئيس الوزراء فقط. ولا أعرف مصدر هذه الفكرة هو عدم المبالاة ذلك القاتل الأول للروح الوطنية أو يكاد هو الخطأ الأزلي في الأدارة في العراق وهو الأبداع والتغيير والقرار مسؤولية المدير فقط والبقية ليسوا سوى منفذين لرأيه ورغباته.
أو بسبب الأستخفاف بمهن ومنصب الناس البسيطة˛ متناسين أن لكل مهنة ومسؤولية وأن كانت قليلة الصلاحيات والأمتيازات أهميتها في المجتمع. وكم من منصب كبير وذو أمتيازات كثيرة في العراق لا يؤثر على الفرد العراقي بشيء في ظل المحاصصات التي أوجدت الكثير من مناصب لأرضاء هذه الجهة أو تلك. فنتخيل عدم وجود عامل النظافة في شارع مزدحم كثير المحال التجارية وغيرها من الفعاليات كيف تكون حالته؟ إلا يصبح مليء بالنفايات وأن تلك المهنة البسيطة أن لم تنفذ بصورة صحيحة فتائجها تكون كارثية على منظر الشارع والصحة العامة.
وعليه لأبد أن يقدم الجميع بلا أستثناءعلى أعادة النظر بطريقة حياتهم وتفكيرهم بشكل عام وقد صدق المفكر وعالم الأجتماع العراقي الكبير علي الوردي عندما حلل تلك المشكلة قائلاً: «…إننا اليوم في أشد الحاجة إلى أصلاح الأذهان قبل البدء في أصلاح البلاد!».