رُحمالك يا ربيّ .. العالم يحترق و لم يعد هُناك من يُرتَجى الخير منه لقساوة القلوب و موتها, فآلناس كَكُلّ زمان و مكان باتوا عبيد الدّنيا و الدّين لعقٌ على ألسنتهم ينعقون مع كل ناعق و يلهثون على مائدة مَنْ يُشبع كروشهم و ما تحتها بقليل!
جيوش من المنافقين تحوم كالذباب على الموائد و المزابل و تزداد يوماً بعد آخر لأجل منصب أو راتب أو بدلة أو حتى لقمة بآلحرال والحرام بعناوين شتى يحسبوها نصراً وتوفيقاً و ذخراً و لا معنى للحياء و للكرمة والرّجولة عندهم .. يأتون مهلهلين كلّ ما لاقيتهم وهم يُمجّدون مقامك ويُعظّمونك؛ و حين أدير ظهري أراهم كمناجل تحصد روحي بلا رحمة و حياء!
ألكل طلّق الدِّين الحقيقي وتمسّك بآلقشور و آلظواهر ألمُريبة .. بحيث لم تعد تأمنهم على مال أو شرف أو حتى على نقل كلام – مجرد كلام أو جملة سرعان ما يُغيّرون أصلها و أصولها و مرامها – ألأمانة آلألهية صارت مهزلة و نكتة لطغيان نفوسهم الخبيثة وشرورهم وخراب قلوبهم وخبثهم ونفاقهم وعمالتهم وضعفهم أمام الدولار.
يا إلهي : أنت الشاهد حين كنتُ و للآن أجاهد مَعكَ ضدّ من عادى نهجك .. حتى بقيت وحيداً معكَ لا يهمني إلا الحق .. يوم وقفَ جميع أهل العراق ضدّنا و لم يبق من المناصرين من ينصرنا بعد شهادة الثلة المؤمنة .. و كنا سعداء لكن المحنة الكبرى اليوم أننا نواجه المنافقين المُدّعين للدِّين والدَّعوة وهم أبعد ما يكونوا عن ذلك .. إنما يفعلون للتغطية على فسادهم و فساد نفوسهم و عوائلهم الغير الشريفة!
ولم نستكين .. و لم نتنازل أمام أعتى الطغاة رغم حشودهم تحت راية البعث و الجيش و الشرطة و الأمن وآلمخابرات والجيش الشعبي وكنتُ وحدي في الميدان معك ياربي أقاتلهم جنباً إلى جنبك .. و لم أترككَ لحظة حتى تعجّبت الملائكة و الجّن و الأنس من صمودنا الكونيّ .. لانك أنت العزيز الوحيد لقلبي مع حبيبتي التي تركتني هي الأخرى لهول الموقف في جهنم العراق في المواجهة الغير المتكافئة ..
وكيف لا أنصرك يا أملي و ربي و قد كنت معي دائما في كل محنة و موقف؟ لذلك نصرتكَ وبوفاء و بلا منّة رغم إنّ نُصرتكَ كانت إنتحاراً في وضح النهار بسبب جيوش البعث المليونية .. حيث جنّد الشعب العراقي نفسه لنصرة الحاكم الباطل و لم يكن هناك ناصر أو معين أو حتى من يُسلّم علينا .. رغم إني كنت أعطي حتى راتبي الشهري للفقراء وعوائل الشهداء لأستدين لنفسي من صديقي الشهيد (موسى) لآخر الشهر وما زال الشاهد الوحيد باق على هذا الأمر الذي لم يفعله في التأريخ سوى شهيد واحد مضى هو الآخر لسبيل الحقّ مظلوماً!
كنتُ شاباً .. جميلاً وسيماً لدي أحلام وأمنيات أتطلع كما أي شاب لحياة هادئة بعد زواجي ممن أحببتها .. لكني حذفتها جميعأً من برنامج حياتي قاذفاً نفسي وسط الأقدار الهوجاء وفي ساحات الوغى والمواجهة وكنت ولا أزال أحبّ و أستأنس مع الفنّ والموسيقى والجمال والحياة رغم مراراتها بسبب قبح الوجوه التي تأقلمت مع الخسة و الدناءة و الخبث و الرذيلةّ و آلخيانة تحت راية البعث الصداميين و المؤمنين التقليديين ..
كل الآفاق كانت أمامي مظلمة بحيث لم أكن أبصر طريقي إلا بنورك بعد ما صرت معلميّ و مرشدي .. تحت ظلّ سماء العراق المغبّرة ألكئيبة التي ما زالت تئن من الظلم وآلكفر و الرياح الحمراء و السوداء!
أحياناً كنت أتمنى الشهادة مع أصدقائي الطيبيين الذي سبقوني نحو السموات العلى حين كانت المنافذ والمعابر حتى الصغيرة منها تُغلق أمامي كلّ مرة .. سوى غرفتي الصغيرة المتهرئة كمنفذ وحيد في مدرسة(الجعفرية) وسط الدهانة مقابل مسجد الحيدري ببغداد .. بسقف كان يؤذيني كثيراً في موسم الأمطار بسبب كثرة الثقوب فيه و لم يكن فيها سوى بساط و دفاتر وكتب ولوحات جميلة رسمتها من وحي الذات وهي تحكي قصّة الألم الأنسانيّ و أصل الشر في هذا الوجود المرعب بسبب المنافقين.
لكني رغم كل هذا يا إلهي .. ما تركتك و للآن .. أنتظر لقياك بشوق .. ولا يمكن أن أتركك كما تركك أهل العراق و العالم السائر نحو الشهوة و الجهل و الظلام حتى المُدعين للدّين و آلدّعوة والقيم و هم يركنون كأجَراء في أحضان المستكبرين آلفاسدين .. بحيث إختلطت الأمور على الجميع و بات الحق باطلا و الباطل حقاً و الأنتهازي مجاهداً و الجهادي منبذواً, و هم يعلمون الحق ولكن يبطلونه بسبب نفوسهم المريضة!
كل هذا و للآن .. ليس فقط لم أتنازل و عائلتي الشهيدة الحيّة عن حُبّك و نهجك رغم مخاطر الموت التي كانت و ما زالت تداهمنا كلّ يوم و ساعة ولحظة عند كلّ دقة باب أو هاتف أو همسة أو حركة غير طبيعية وسط شعوب إختارت طريق الخنوع و الذلة متواطئة مع المستكبرين بغباء مطلق بزعامة الأحزاب الفاسدة التي تحكم بأمر الأسياد.
قلت لأخي الشهيد (سعدي فرحان) و عزيزي (محمد فوزي) و رفيقا العمر (موسى محمود و بديع عبد الرزاق) و هم يسمعون آلآن همساتي الكونية ؛ مآ آلعمل .. لقد ألقوا القبض على الصدر الفيلسوف القائد .. ولا أظن أنه ناج منها هذه المرة(الأخيرة)؟ هل هناك خطة أو حركة لدرك الموقف لأنقاذه؟
قالوا؛ لقد أعطينا الكثير من الشهداء .. فليتقدم الآخرون! قلتُ و هل في العراق غيرنا ليتقدموا؟
قال الشهيد محمد فوزي؛ أملنا في نتيجة الحرب العراقية – الأيرانية لتقرير الموقف النهائي!
قلتُ وهل تعتقد بأن الأستكبار العالمي و الشعب العراقي المتخلف حضارياً و مدنياً سيتركون طدام و سيستسلمون لمنطق الحقّ؟
ثم من يتقدم و الساحة كما ترى أمامكّ مكشوفة حتى الشيوخ و السادة فيها تركونا و عادونا بعد ما باعوا الدّين و تمسكوا بشعارات دينٍ تقليديّ لأجل جيوبهم و نفوسهم أكل وشرب عليها الدهر بإسماء بيوتهم و احفادهم و كأن الدين محصورة بهم .. بل لجأ حتى كبارهم علناً لعواصم المستكبرين و مراتعهم يطلبون الحماية والعلاج و المال و الأستثمار بفضل أموال (الخمس و الزكاة) و قوت و الفقراء!
سكت آلجميع و طأطؤا رؤوسهم نحو الآرض .. حيرى لا يعلمون طريقا للنجاة .. ثم أعقبت؛ لكن نحن أحباب الله في الأرض و لا غيرنا من يُقرر طريق الحق و ليذهب للجحيم كل عميل و جبان و خبيث و منافق.
و ما هي إلا صبر ساعة .. حيث الشهادة بإنتظارنا .. و ختمت الموقف بالقول؛ [لا يهمّكم بعد .. سنتصدى لهم كآلحسين و الله المعين و هو الشاهد على ما أقول!]
كل العراق و حتى العالم .. قد خلى من الصادقين بعكس الظاهر تماماً بعد ما هيمن المستكبرون على منابع الطاقة والجّميع ومنهم دعاة اليوم ولأجل راتب حرام؛ يدعون بأنهم كانوا مؤمنين ومجاهدين كدعاة الأمس!
تباً و تعساً لكم أيها “الدعاة” المنافقين .. أين كنتم يوم كنا نبحث حتى عن مأوى أو صديق يحتضننا؟
أنتم إما كنتم مع الملحدين أو مع البعثيين أو الواقفين على التل كجواسيس ترقبون أو فارّين من الجيش بسبب الموت الذي كان أمامكم لدفاعكم عن صدام وكما شهدنا قوافلهم الأخيرة التي لجئت لدول الجوار بعد إعلان أمريكا هزيمة صدام المحتومة وها هو حالكم اليوم أيضا حيث تعملون في خط مزدوج مع المستكبرين من جانب و مع المتأسلمين من جانب آخر و كل سعيكم في هباء لأنّ فعلكم هذا قد بيّض وجوه كلّ منافقي التأريخ منذ قابيل و إلى اليوم .. فلعنة الله عليكم و على الدّين الذي تديّنتم به.
تعساً لدنيا و لوجود غبت عنها يا ربي و حبيبي .. لتصبح بيد المنافقين ..
لا معنى و لا قيمة لأي موجود بدونك أنت ..
أنت الوحيد الذي كنت معي يوم بقيتُ وحيداً بعد الشهداء العظام الذين ذبحهم أهل العراق بلا رحمة و ضمير و صدّامهم كان يتربع في قصره كما الخضراوييون الآن و كل المجرمين يشربون كؤوس الفساد حتى الثمالة و الشعب رغم إنه لم يعد لديه ما يبيع لعيشه لكنه ما زال مع الباطل كما كان في عهد صدام و ما قبله و بعده .. لقد آمن الجميع بآلشيطان في الباطن و بآلله في الظاهر و لا ذكر لعدالة عليّ(ع) في أوساطهم بعد .. رغم أن أكثرهم يدّعون إنتمائهم له و لأبنه الأمام الحسين(ع) الذي قال للعالم كلماته النورانية لأنه مصباح الهدى:
[ِّإنّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ]. و لكن هيهات أن يفهم الناس .. خصوصا أهل العراق معانيها, لأنهم لو كانوا فهموها؛ لما كانوا قتلوه كما هم الآن يقتلون كل مفكر و فيلسوف و لا يخضعون إلا للمستكبرين والفاسدين الأميين
إلهي رُحماك ..أنت وحدك الصادق الأمين الهادي و الرحمن الرحيم ..
و كل المُدّعين للدّعوة وآلدّين والوطن و نصرة الفقير؛ هم طلاب دُنيا يسعون للفوز بآلحكم من اجل المال والعلو و المقام لملأ بطونهم و جيوبهم ولا يعلمون بان كل شيئ زائل و يوم القيامة آت و هو آخر المطاف وسيقتصّ الحكم العدل حتى على الهمسة و اللفتة و الغمزة و اللمزة و الطنون وليس على الدولارات و الأتفاقيات و التصريحات الحرام التي سببت النهب و الفساد و الخراب في البلاد والعباد! و قد قال (سفينة النجاة) الأمام الحسين(ع): [الحمد لله الذي خلق الدنيا، فجعلها دار فناء وزوال، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرته، والشقي من فتنته، فلا تغرنّكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها، وتخيب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نقمته، وجنبكم رحمته، فنعم الرب ربّنا، وبئس العبيد أنتم].