22 نوفمبر، 2024 8:07 م
Search
Close this search box.

” نِسْتاهل وحَيلْ بينَه”!!

” نِسْتاهل وحَيلْ بينَه”!!

قبل بضعة سنوات كنت في مؤتمر لكوكبة من العلماء العراقيين المتميزين في ميادين المعارف والعلوم , وبين جلساته , إقترب مني عالم عراقي مشهور وذائع الصيت في الكيمياء الحياتية , وأخذني جانبا وبمزحة وهو يقول : ” أريدك تكتب أننا نستأهل الذي جرى علينا , لأننا علمنا الدنيا وفتحنا عيونها على كل شيء”!!

وتطور الحديث بيننا , ورأي عالمنا الجليل أن العراقيين قد علّموا الدنيا المنطلقات المعرفية الكفيلة بالإمساك بسكة التقدم والرقاء , فاللبنات الأساسية للحياة المعاصرة إنطلقت من بلاد الرافدين , شئنا أم أبينا , أنكرنا أم إعترفنا , فتلك حقيقة ما يجري في مسيرة البشرية منذ ما لا ندري من الملايين من السنين.

ومما حضرني في ذلك اللقاء الشعر الذي نصه:

” أعلمه الرماية كل يومٍ

فلما اشتد ساعده رماني

وكم علمته نظم القوافي

فلما قال قافيةً هجاني”!!

ويبدو أن الرؤية قد تكون صحيحة , فالذي جنى على العراق والعراقيين , حقل ” بابا كركر” الذي فتح عيون الدنيا على النفط العراقي السهل التدفق والمنال , وبسببه رسمت السياسات وتهندست الأوطان , لتحقيق هدف الإستحواذ على النفط , الذي أُبتلِينا به شر بلاء , لغياب الحكمة السياسية والمسؤولية الوطنية والقانونية , التي تضمن التصرف الآمن بثرواته والإستثمار فيه وبعائداته , فتم إقامة مؤسسات للنهب والسلب وسيادة الفساد , ليتحقق الأخذ المريح والبخس من قبل إمبراطوريات الشركات.

إن المعرفة لا تُحتكر والعقل يبتكر ويلد الجديد , والعيوب لا يمكن وضعها على أكتاف الآخرين الذين يعتقدون بمصالحهم ويسعون لتحقيق مديات ربحية عالية و وهي مقياس نجاحاتهم وتفوقهم وتقدمهم , فلديهم قدرات الإستثمار والتنامي.

لكن العلة المحكمة تكمن في الذين يتجاهلون مصالحهم ويعتقلون بصائرهم بالأضاليل والبهتان , وينغمسون في مستنقعات الخوالي والباليات , ويمعنون بنكران حاضرهم وحاجات مجتمعاتهم , وينكرون أوطانهم التي عليها أن تكون بهم لا أن تذبل وتموت.

نعم علمنا الدنيا الكتابة والقانون والإعتقاد والعلوم , فهل تساءلنا ماذا فعلنا بما نعرف , وماذا تعلمنا من الدنيا التي إنطلقت من مرتكوات ما تعلمته منا؟

قلت لعالمنا الجليل: أن الباليات تُبلينا , ولن نكون ما دام منطقنا يعجّ بمفردات الذي مضى وما انقضى , فما قيمة ماضينا بالقياس لحاضرنا , إن الإعتزاز بالماضي لا يعني التباكي عليه , وإنما بالإرتقاء به وإليه , فهل يمكننا أن نصنع مقاما لنا يتناسب ومقام ماضينا في مسيرة الحضارة الإنسانية؟

إن الحياة جوهرها التواصل , ونحن نتقاطع ولا نعرف مهارات التفاعل والإعتصام بحبل نكون؟!!

نستاهل : نستحق

حيل : أكثر أو أقوى

بينه : علينا أو مما جرى علينا

أي نستحق أكثر مما جرى علينا.

أحدث المقالات