أنْ الإنسان العربي مولع كثيراً بالماركات العالمية للألبسة والأمتعة والدنيويات والشيئيات والاحتياجات الثانوية التي تعد كماليات لا أساسيات, .. كما إنه انسان ظاهر أكثر مما هو جوهري, دوما يبحث عن مظاهر الأبهة ومفاخر الشكليات, .. فهو يشتري القميص ذو الأكمام المعلقة أو التخريجات أو الماركات التركية بـ (40) دولار تقريباً, والبنطلون الجينز بُـ (30) دولار, والحذاء الاسباني (50) دولار, والجاكيت الإيطالي بـ (90) دولار, العطر الفرنسي (100) دولار, والمعاطف, والقلائد والساعات, صار الانسان العربي عبارة عن ماركة اجنبية مسجلة, يُشرى ويباع بالعملة الصعبة!
في العالم العربي نجد الناس تبذخ الدولارات والأموال الطائلة على تجميل صورة مظاهرهم الخارجية وترميم وجوههم بعمليات تجميل مزيفة, وملابس تغطي وراءها عراءة الخبايا, في حين يضيقون ذرعاً ويقشفون انفسهم من بذخ دولار واحد على طرائق ومواد ترمم ضمائرهم (!), .. تُجمْل ثقافتهم, تنتشلها من حالة الفقر والبؤس التي يعيشها العقل العربي, والعمل على القيام بعمليات تجميل للأفكار والمعتقدات السلبية التي قد تعود للقرن الرابع الهجري.
يتسابق الشباب العربي في ماراثون شاق على مولات الملابس والمحلات العالمية للألبسة الفاخرة والفراء والحرير, وهم يبذخون الأموال من أجل ماركة مسجلة لحذاء (زارا) أو قميص (همرلاند) أو بنطلون (لوكاست), أو عطر (دنهل) وهم يمارسون ثقافة أموية للأبهة والمظاهر البراقة, والتزيين والصبغ والتلميع لإخفاء عيوب الجسد وعاهات الوجوه, تجميلاً للمظهر دون الشكل, وهو ما يندرج ضمن تسميات ثقافة “التسطيح الفكري” التي هي بالأساس امتداد وتالية لمرحلة “الغزو الفكري”, الذي يعمل الغرب الاستعماري على جعله سيناريو السياسة الخارجية الغربية الجديدة إزاء العرب والمسلمين تحديداً!
أنْ قميص واحد أو بنطلون أو حذاء يكلف المواطن العربي بين ثلاثين أو أربعين دولاراً فيغتنيه بشأفة رأس, وهو يتفاخر باقتنائه, وكأنه جاء بشهادة اختراع جديدة أو حرر مدينة عربية مغتصبة, في حين يخذل عقله ويُهين فكره, ويذل ثقافته بالبخس والبخل حينما يأبى شراء كتيب بسعر رباط الحذاء من أجل ترميم عقله, أو صبغ جدران ثقافته التي تعاني من تجعيدات فارقة ومن فقرٍ مُزمن, ليُظهرها بالشكل اللائق والمناسب, ما أصاب الأمة اليوم من هزيمة وانتكاسة تاريخية ناجم عن سوء ترتيب سُلم الاولويات للعقل العربي, حيث جاءت الملابس والأكلات والمشارب والحلي في سُلم أولويات المواطن العربي, بينما جاءت القراءة والثقافة في ذيل السُلم (!!), .. الأمر الذي ثبط اهتماماتنا وجفف منابع احساسنا وشعورنا بمسؤولياتنا الاخلاقية والإنسانية واحساسنا الوجداني والاخلاقي بإشكاليات الأمة العربية الإسلامية وقضاياها وتحدياتها.
إنْ ترتيب سُلم الأولويات وتقديم المظاهر على الجواهر, والشكل على المضمون, والجسد على الروح أفضى ما أفضى إليه من واقع سلبي جعلنا نتنزه في شوارع العقل العربي, كمن يتنزه في مقبرة سكانها رُفات ونعوش, يتلو سورة الفاتحة على موتاها!!
أيُها العرب .. إذا كانت عراءة الجسد يُغطيها قميص أو بنطلون جينز, .. فما الذي يُغطي عراءة الروح وعورة الضمير, إذا الثقافة سُلعةٍ بائرة لا أحد يُقلب بضاعتها !!
أنْ الواقع العملي للعرب هو السير عكس التيار, .. أنا قرأت على العرب السلام منذ إن وجدتهم يضعون الأحذية في محلات مزججة وجام مضلل يحرصون على عنايته والاعتناء بسلامته ورونقة, .. في حين كانوا يضعون اللحوم والاجبان والمعلبات مفتوحة على العراء, .. ما أغرب أمة العرب!!