18 ديسمبر، 2024 6:47 م

نَـشــــوة الصـمــت في الــيــوم العالمي للمسرح !

نَـشــــوة الصـمــت في الــيــوم العالمي للمسرح !

تـحيــة صـادقة لكـُـل قــارئ :
في سياق اليوم العالمي للمسرح ؛ هـل حـقـا يحلو أن يكـون الصمت ؛ سيدا مـن سـادة الموقـف؛ و سـلطان زمانه ؛ يسـود ويتـحكم في ضمائرنا وحـناجـرنا وأقلامنا ؟ ممـكن لأنـه قيل لقـوم الجنوب : أن الصمت حكمة عند العـُقـلاء واللامبالاة فـضيـلة عند الدهماء ! أما الكـلام جـريمة؛ بالتأكيد جـريمة نـكْـراء ؛ في عـهد الجاهلية الثالثة !
ولكـن بما يتميز الإنسان بالصمت أم الكلام؟ يَـا لَـه مِــن سؤال في قِــمة البـلادة ؛هكـذا سيعتقد البعـض أليس كـذلك ؟ لنترك اعتقادهم في محـراب الخمارات ؛ التي تعج بالضوضاء والغـوغاء والضجيج؛ المُـقلـق لديونيزوس ؟ أما أصحاب الهجـرة ؛ هنا وهناك فـأطروحتهم تعلن بأن الإنسان يتميز بالصمت حتى لا يصاب بمكروه الميكروبات المنتشرة في كل الأمكنة والفضاءات؛ لأن الصمت هُـنا أولى؛ وأبـلغ من الكلام في حـضرة الأيام العالمية ، تلك الأيام نستغـلها لأغـراضنا؛ ولكنها بـِدعٌ مـن بِـدَعِ سـفـهاء الـغـرب الـكافـر !
هـكـذا يتكَـلم بعض المبدعـين عـندنا؛ في السِّــر و في دهاليز الخمارات؛ ولكن الإبداع بكـل تجلياته يحاول إبادة تـلـك الميكروبات؛ قـَدر المستطاع . لأن الإبـداعِـية الـحـقة تـرفض الصمت وتـرنـو للكـلام/ التعبير؛ لآن الكـلام سلـطة و شهـوة:
سـلطة أمام جبروت الظلم والتضليل؛ وصمت الصامتين؛ كأن الطير على رؤوسهم ! وشـهـوة ليس من الجانب السلبي لشهـوة الكلام ( الثرثرة ) بل لمحاولة تبديد إجترار نفس الكلام واتخاذ مبادرات عملية تساهـم في إنهاء مـا أصبح زادا لكل ذي شهـوة للكلام، وهنا نـلغي ما يسمى ( الثرثرة ) لأنها سبب البلاء في مليء الفراغ الذي يعكـسه اللآمسرح واللآحـركية إبداعية تذكر؛ لـَست عـدميا ؛ فـواقع الحال هو الذي يدفعـنـا لـقـول هـذا؛ وإن كـانت هنالك بعـض المحاولات فهي محـتشمة ؛ ويزيد الصمت في نسفـها؛ واللامبالاة في اغتيالها ! فالأغلبية أمست تعـشق الصمت وتـهْـواه؛ لكي تستفيد من صمتها ؛ إيمانا أن لسانه سـبـب فى ضرب عُــنـُق ممارستـه الفنيـة ؛ بحـيث الشواهـد والوقـائع؛ مدرجـة في النسيج الفـني والمسرحي؛ بين التوطين واللاتوطين وحـول والـدعـم واللآدعـم وبين هـامش للترويج واللاترويج ؟
ولكـن لماذا لم يتم تأسيس منظمات للدفاع عن الصمت؛ كـحـق من الحقوق الفـردية ؛ على غـرار منظمات للدفاع عن حرية التعبير عن الرأي ؟
بكل بساطة ؛ فالإنسان كـائن اجتماعي مـما جُـبـِل على الكلام والحديث، كوسيـلة للتواصل والـتعارف، ويسمَـح لنا أن نكون أكـْـثر تفاعـلاً في / مع المجتمع ؛ الذي نعيش فيه وبالتالي فالغموض قد يٌنفر من حولنا الآخرين؛ مـادام الصمت جُـبن وضعـف في الشخـصية ؛ لآن المال والدعـم أخـرس جـل الألسنـة ؛ ولم يـعُـد أحـد يتجـرأ أن يعبر عـن رأيه ، لمـا آلـت إليه الأوضاع المسرحـية ببلادنـا ؛ لا نقابات في مستوى المسؤولية ؟ و لا احتراف في مستـواه الفني واللوجستيكي والتدبيري؟ ولا مسرح الهـواة أعاد ضالته ؟ ولا مسرح الشباب ابتهج بشبابه ؟ ولا مسـرح جـامعي حقـق أكاديميته ؟ ولا تظاهـرات مسرحية في مستواها الجمالي والمعرفي؟ أما مسـرح الطفـل لقـلته ؛ أمسى مظهرا للارتزاق ؟ أما المسرح المدرسي فلا قـرار لـه ؟ أمـا المسرح الأمازيغي؛ فـبوادر حصاره ومحاربته بـدأت تشق طريقها إليه؟
إذ نعـيش تصـحُّـرا وجفافا إبداعـيا بـكل مقاييس الأرصاد الأرضية والجوية و الـحيوية؛ ولا أحـد أمسى يطلب الغيث والـنداء لصلاة الجماعة في محـراب الركـح !
ألا يكـون التعـبير بالإشارات في المسرح ؛ ويتم توظيف لغة العيون ولغة تعبير الوجه ولغة الجـسـد ؟ حـيث لا وجـود للغة الـحـوار؛ فيصبح الصمت وعَـدم الكلام هو سيد الموقف؛ لكنه كالستارة الرمادية الـتي تخـفى ما يُـوجـد خلفها ؛ فـما خلفها إذن ؟
سـوى كـلام والذي يـفهمه و يعبر عـنه الجمهور أو المتلقي؛ أمام إبداع رائق وماتـع ؛ لكن حينما يكـون المبدع ذو شخصيته مهزوزة ؛ ولـقـد اهـتزت بفـعـل التهافـت على الريع والدعـم ؛ فـطبيعي أن المتلقي أو الجمهور ومن يحاوره يشعُـر أنه أمام إبداع / مبدع تافـه ! وبالتالي فكفاءة المبدع / المثقف؛ تظهر من خلال تعبيره عـن رأيه ومتأكـد من صحة آرائه واشتـغاله الفني والإبداعي؛ باعتباره قـوي الشخصية يبادر ويطرح رأيه بكـل جـرأة .لأن عَـقل الإنسان مدفـون تحت لسانه ؛ تلك في الأصل حكمـة قـديمة .
فـهـذا القول يدفعنا لإثـارة مسـألـة أساسية؛ يشفـع لنا بطرحـها اليوم العالمي للمسرح؛ وقبل طرحـها نشير مبدئيا؛ وتبديدا للتأويل الصبياني الذي يمارسه ( بـعْـض) مثقـفـي ومبدعي هَـذا البلد؛ فسطورنا هاته لا علاقة له بتمجيد الذات؛ وممارسة الدعاية لنص[ حبال الرحيل] لأنه أصلا منشور إلكـترونيا؛ ونعـرف ما أهـمية النـشر الإلكتروني الآن من عملية الانتشار عبر العالم ؛ واختراقه جغـرافية ومـحيط أي كاتب أو مبـدع ؛ أينما كان ؛ وكيفما كان.
إذ المفارقة التي يمكن أن يستنتجها أي مهتم أو قارئ؛ بأن النص المسرحي( حبال الرحيل) يستحـضر مبدعين مغاربة انتـحـروا في ظروف عـصيبة ومختلفة ؛ ولكن رابطهم الإبداع واصطدامه بواقع مهترئ وصمت مطلق من لدن أصدقائهم ومحيطهم الاجتماعي والثقافي؛ لكن أثنـاء انتحار كـل واحـد عـلى حـدة ؛ ارتفعت الحناجر وتـم شحْـذ الأقلام و وهَـللت الأقـوام تندب فـُقـدان ذاك الذي انتحـر(؟؟) إنها قمـة الاستخفاف فيما بيننا ؛ إذ (مثلا) من اعتبروا أنفـسهـم أصدقاء الشاعـر[ كريم حُـوماري] وأصدروا ديوانا له [ تقاسيم على آلة الجنون] وأسسوا موقعا باسمه ؛ والذي انقضى مفعوله بعـدما انتهى وطرهَـم مـنه ؛ نعلم أنهـم تلصصوا على ( النص) ولم يفـكرمـن ادعـوا أصدقاءه و من قالوا في حق الراحل شعـرا ما لم يقله أبا نواس في فحشائه ولا مـالك في خمرتـه ؛ إشارة ولـو عابـرة أو مراسلة حَـول النص؛ وإن كنا ندرك بأن إشكاليتنا لا نـقـرأ ولكن نتلصص عـلى القراءة ؛ ناهينا عن مسرح القناع الذي يحمل مشعَـل الراحل المسرحي( حوري حسين) ولا همسة تنويه أو إشادة ؛ من لدن أعضائه؛ ولاسيما أننا نتواصل يوميا عبر[ الفايس بوك] أما الشاعر الراحل ( عبد القادر الحاوفي) فلديه أخ شاعـر؛ ربما لا يقرأ النصوص المسرحية؛ ولاسيما أن الشعـر سليل المسرح؛ والمسرح ربيب الشـعـر؛ ولنا في الإلياذة / الأوديسة. ما يكـفي كلاما ؛ ولنترك الراحل سعيد الفاضلي؛ راقـدا في تربته؛ لأن استرسال الأحداث ؛ تفرض اتساعا وكلاما مضاعَـفا؛ ولكن نقتصر؛ بأن الدعـم المعنوي؛ والإشادة في العطاء؛ تأتي من خارج محيطـك ومعارفـك ؛ بحيث قـدمها ويقدمها لنا دائما رجالات ومبدعـون؛ في شتى بقاع المعمور؛ ومن صحف ثقافية أجنبية/ عربية الهوية. وإن كنا لا ننتظر الثناء أو المقابل؛ لأن طالبه مهما تعَـلل بالأعـذار والمبررات ؛ فـهو يمتلك بوارد الحِـس الانتهازي ؛ وهـذا ليس من شيمنـا؛ ونصرح بها بكًـل اعـْتـزاز.
وما أثرته له عـلاقة بالصمت كعملـة سـائدة في رحـاب المشهد الثقافي والجمالي؛ وبالتالي فكيف لنا أن نتزحـزح من منطقة التخلف ورداءة الممارسة المسرحية ؟ واللامبالاة تحْـبط المبادرات والصمت يغلب الصوت؛ وإن كانت هاته ثنائية وجودية مبهرةٌ في عموم الوجـود ومطلق الكون ؛ يبقى الإنسان كائنا صوتيا وليس بصامت. ولهـذا فالمرء البليغ ؛ الفصيحُ يكون في كل الأحوال صاحب صوت . أمـا العاجـزُ المقيّد عن التعبير أشبه بالأبكم ؛ وفي كل دورة يبقى ديونيزوس ينتظر صرخته الأبدية ؛ لتنتعش كـُؤوس الإبداع على موائد جمالية باهرة بالعطاء الرفيع والعاطفة الصادقة والإنسانية الشفافة ؛بعيدة عن المجاملة ومجالس القتاتين/ النمامين…….