إذا كنت ذا رأي فكن ذا روية
فإن فساد الرأي أن تستعجلا
لا يختلف اثنان على أن التأني في العمل واتخاذ القرار بروية، يؤدي الى نتائج إيجابية تكاد تخلو من الزلل والأخطاء. ومن المؤكد ان التأني غير التباطؤ، والروية غير المماطلة، إذ الفرق شاسع بين المعنَيين.
كذلك هناك بيت آخر يتردد على مسامعنا يقول:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا
ولايختلف اثنان أيضا على أن العزيمة في العمل تفضي الى تحقيقه، بتجاوز العقبات والمعوقات التي تعترض طريق القائم به. ومن المؤكد أيضا أن العزيمة غير العناد، وبهذا يصير الهدف قاب قوسين أو أدنى من نيله، والأمل يصبح قيد التحقيق.
من هذا كله أستطيع القول ان الشروع في أمر يتطلب العجلة المدروسة والتأني المحسوب في آن واحد، وكذلك يستوجب من القائم به الإقدام والعزم، شريطة أخذ الثقة بالنفس والاعتماد على أرضية صلبة صحيحة سوية بنظر الاعتبار.
ما أحلاه وما أجمله أن يقترح رئيس الوزراء للأطراف السياسية خلال مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، لتشكيل مجلس وطني للسياسات العليا يضم الرئاسات الثلاث، وهو أمر لو حدث فعلا فإن العراقيين سيكونون في (گمره وربيع) حيث سيحقق هذا المجلس في حال تشكيله تقدما كبيرا في مؤسسات الدولة، ويدفع عجلة البلد الى السير الحثيث بالاتجاهات كافة، بما يصب في مصلحة البلد، إذ أن مهام هذا المجلس هي وضع السياسات العليا للدولة العراقية في حل المشاكل الداخلية، ووضع استراتيجية للسياسة الخارجية الاقتصادية والإدارية، وستكون قرارات وتوصيات المجلس ملزمة للجهات المعنية في الدولة العراقية كافة، بما فيها مجلس الوزراء والوزراء أنفسهم.
وفي هذا إنجاز رائع يعد الخطوة الأولى في سلم دولة المؤسسات، هذه الدولة التي تستطيع انتشال العراق من مصطلحات المحاصصة والشراكة والتوافق وإفرازاتها، وكذلك تنقذه من الأغلبية المنادى بها، وتداعياتها التي تتمثل بالتمحورات والتكتلات تحت ذريعة الأغلب والأكثر، في حين هي الأكثر ضررا والأغلب بؤسا بالنسبة للعراقيين، وما هذا إلا لسوء تصرف المنادين بها، وعملهم الدؤوب على مبدأ المثل القائل: (كلمن يحود النار لگرصته).
ما أروع تشكيل مجلس الدفاع الأعلى، الذي يشمل إضافة الى الرئاسات الثلاث، وزراء الدفاع والخارجية والمالية وقادة الأسلحة، وكذلك زعماء الكتل المؤتلفة، لأن إعادة تشكيل الجيش والأجهزة الأمنية ليست مهنية صرفة بل هي سياسية ومهنية معا. وهذا عين الطلب في ظرفنا الحالي، فبتحقيق كل هذا يكون العراقيون قد ضمنوا أن عراقهم بدأ يتعافى فعلا، وبدأت سفنه التائهة تجد مرساها الآمن، بعد ضياعها في بحر متلاطم الأمواج، وبعد عيشهم عقودا على أرضه مهددين في لقمتهم ومعيشتهم وأموالهم وأملاكهم وقبل كل هذا حياتهم.
إنها لبشرى سارة يا قادة البلد، ويتمنى العراقيون ان تُفعّل هذه البشرى في إطار الأولويات من مهامكم، كي تسجل ما لم يسجله سابقوكم في رئاسة العراق، وستدخلون موسوعات عالمية كثيرة، وستنالون أوسمة أكثر من نيلسون مانديلا، وغاندي، وسيحبكم شعبكم، لو تمكنتم من تحقيق دولة المؤسسات التي يفتقدها شعب وادي الرافدين منذ الأزل، فهي وحدها التي تخلصنا من التفرد بالسلطة بشكل أو بآخر، وهي وحدها ترتقي بالعراق الى ما يطمح اليه شعبه.
[email protected]