23 ديسمبر، 2024 10:17 ص

نيس والكرادة.. وجمل أعور!

نيس والكرادة.. وجمل أعور!

في ثنايا أيامنا التي تحولت الى مراثي نودع ونشيع الشهداء صباحا ومساءا, من كان منهم على الجبهات, أوبين شوارعنا التي تحولت الى ساحة تصفيات سياسية, بين دول المنطقة التي تشترك في حصد أرواحنا ليقف العالم متفرجا, بينما يسجل التاريخ كيف يقتل شعب الحضارات؟ وكيف يسعى القتلة الى أغتيال لحظات الحياة, في أزقة وشوارع بغداد وعموم العراق.
لم تمض سوى أيام على مجزرة الكرادة, حتى تعرضت فرنسا وبالتحديد مدينة نيس الى حادث إرهابي, سرعان ما أصبح محور أهتمام العالم, والأهم من هذا أن أول المستنكرين والمعزين, والمغردين على تويتر هم من كبار شيوخ الفتنة, ممن يصدرون فتاوى القتل والتفخيخ والتكفير بحق العراقيين, والقسم الآخر ممن صموا أذانهم عن حادثة الكرادة وكأنها لم تكن, وعلى رأسهم الأزهر الذي لم يصدر حتى بيان أدانة أو يقدم تعازي لذوي الشهداء, وكأنهم جمل أعور يتابع بعين واحدة فقط فأبناء العراق قتلى, وأبناء فرنسا شهداء!
غوغل ويوتيوب كان أكثر عروبة ممن يسمون أنفسهم عربا, فغوغل كانت أول المتضامين مع شهداء الكرادة, ويوتيوب هو الأخر أعلن تضامنه مع أبناء العراق من خلال وضع شارات سوداء تعبيرا عن الحزن, وقبل هذا سبقهم الليغا ونادي ريال مدريد, الذين تقدموا بالتعازي لذوي شهداء التفجيرات التي طالت مشجعي النادي من أبناء بلد.
ربما توتير منح مساحة لبعض الحمير من دعاة الفتنة التكفير, وكبار معلمي التفخيخ من أطلاق ما يعرف بالتغريدة, ظنا منهم أن الحمير تغرد في غفلة من الزمن, وهم يعتقدون أن فرنسا أو حتى دول الاتحاد الاوروبي يمكن أن تلتفت لتعازيهم, وهي تدرك جيدا أنهم وراء فتاوى التفجير والقتل, والجزاء وجبة غداء في الجنة, وكأنها ملك أبيهم يقسمونها كيفما يشاؤون.
الشعب العراقي يعرف جيدا كيف يطبب جراحه, فأبناء العراق الغيارى بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم, يثبتون في كل مرة أنهم شعب واحد, من الدورة الى مدينة الصدر, ومن الشعب الى الأعظمية, فقد تطوع ابناء تلك المناطق للبحث عن أشلاء الشهداء, وأقاموا سرادق العزاء , وقدموا العون لمن فجعوا بأبنائهم, فالكرادة اصبحت عراق مصغر.
لمن يراهن على بقاء العراق وحيدا, ويغض الطرف عن قتل أبنائه ويتعمد أن يغلق اذنيه, الحسين (عليه السلام) بقي وحيدا في الميدان, تحيطه الألوف ولم يخمد صوته على مر السنين, ولم تحول الأيام ثورته الى ذكرى, وقبابه الذهبية خير شاهد على ذلك
والعراق اليوم يقف وحيدا, يخوض طفوفه على قلة الناصر, وسيبقى مهد الحضارات يقدم للتاريخ عبقا كما هو دوما على مر السنين..