23 ديسمبر، 2024 5:57 ص

نورا الروسية وروان السودانية

نورا الروسية وروان السودانية

اول ثلاثة انتحاريين في الاسلام، هم اولئك الثلاثة الذين اتفقوا على قتل الامام علي (ع ) ومعاوية وعمرو بن العاص عام 40 هـ، وقبل ذلك لم يعرف الاسلام شيئا عن الانتحار، والبعض يرجع تاريخ الانتحاريين والفدائيين والميليشيات المسلحة الى حسن الصباح المولود في قم عام 430 هـ والذي تبنى نشر الدعوة الاسماعيلية الباطنية ( الحشاشين ) في ايران وغيرها ، ويذكر التاريخ ان حسن الصباح طلب من بين فدائييه من يتقدم ليكون انتحاريا ليقتل الوزير السلجوقي نظام الملك فحصل عليه وكان بعدئذ مقتل الوزير بالطريقة القديمة حيث لم تكن آنذاك احزمة ناسفة ولا مفخخات..
الثلاثة الاوائل الذين تعاهدوا على قتل الامام علي ومعاوية وابن العاص، كانوا من الخوارج الذين عرفوا فيما بعد (بالشراة) وتعني الفدائيين المضحين بحياتهم في سبيل الله والحق، والخوارج لم يفرقوا بين الحق والباطل في الصراع القائم بين علي ومعاوية آنذاك، فلم يعتبروا ايا منهما على حق، فكفروا الامام علي بعد واقعة التحكيم، وتبرأوا من معاوية وكانوا قبل ذلك قد تبرأوا من عثمان بن عفان، وتعد هذه الحادثة هي الافكار الاولى للتكفير في الاسلام، والخوارج اول تنظيم اسلامي بطابع سياسي، وافكارهم الاولى كانت عن السلطة وكيفية اختيار الحاكم، إذ لم يؤمنوا بولاية القريشيين انما كانوا يدعون لولاية من يمتلك الكفاءة والمقدرة وبطريقة الاختيار (الانتخاب)، وافكارهم هي التاسيس الاول لاغلب ماورد في افكار تنظيم القاعدة وداعش المعروفة اليوم من تشدد في بعض الشرائع الى تكفير كل مخالف لهم بعد تطويرات بن تيمية وتلميذه إبن قيم الجوزية ومن ثم محمد عبد الوهاب، وتوسعت تنظيمات الخوارج كما هي تنظيمات داعش اليوم في العراق والشام واليمن والحجاز وشمال افريقيا، قاتلوا الامام علي في خمس معارك وقاتلوا بني امية في ثلاث وعشرين معركة وفي اماكن مختلفة..
لم يكن آنذاك وجود للمخابرات الاميركية ولا للموساد الصهيوني، ولا وجود لحرب باردة بين الشرق والغرب، ولذلك لايمكننا ان ندعي ان الخوارج عملاء وماجورين مثلما يمكننا اليوم اعتبار ابن لادن والزرقاوي والبغدادي وغيرهم ممن يبحث عن السلطة والمال والاتباع، ولكن اذا كان قادة الارهاب هؤلاء ومعهم رجال الدين المشرعين لجرائمهم ومموليهم عملاء ومدفوعي الاجر من جهات دولية ومخابراتية وهذا لامجال للشك فيه، فهل كل اتباعهم كذلك؟.. هل كل الذين قدموا من شمال افريقيا ومن السعودية ومن دول اوروبا واستراليا والشيشان والصين للقتال مع داعش عملاء لاميركا والصهيونية؟.. هل كل اللواتي جئن من مختلف بقاع العالم لتادية جهاد النكاح او للقتال عميلات لاميركا والموساد؟..هل الانتحاري الذي يفجر نفسه ويخسر حياته عميل لجهة ما، ام انهم مؤمنون بعقيدة الهية وان حياتهم ليست سوى ثمنا لنداء الحق والعقيدة؟ ..
لا احد من الذين ليسوا مع داعش يشك في انهم على خطأ وان عقيدتهم على ضلالة، ولكن داعش ليست مجموعة صغيرة، ليسوا عائلة ولا عشيرة، انما هم عشرات الاف من المقاتلين ومئات الالاف من المؤيدين ومن جنسيات مختلفة؟.. كيف يحصل اذن ان يكون مئات الالاف على خطأ؟.. افراد من مختلف القوميات
والاعراق، بعضهم جهلة بسطاء وبعضهم مفكرين واصحاب شهادات واختصاصات علمية وطبية وهندسية، يتفقون على القتال والتضحية والانتحار في سبيل قضية يعتبرها العالم باجمعه خاطئة!!!
نورا الروسية ، القناصة الشقراء المحترفة التي قيل انها مسؤولة عن قنص واحد وعشرين مقاتلا من القوات الامنية العراقية، ومعها روان السودانية طالبت الطب وبنت لاب وام من كبار الاخصائيين في الطب، آمنتا ان الشيعة روافض، ولكنهما لم يعرفا ماذا رفض الشيعة حتى يحل قتلهم وتفجيرهم، نورا وغيرها لم يأتوا لقتال العراقيين انما لقتال الشيعة سواء كانوا عراقيين ام غير عراقيين، فافكار قادة داعش تتجسد في ان الشيعة أخطر من اليهود على الاسلام، وبهذا يبررون لاتباعهم عدم قتالهم لليهود الصهاينة مغتصبي بيت المقدس الا بعد قضائهم على خطر الشيعة، واذا كان للسعوديين وسنة العراق والخليج مبررا ولو (مفترضا) لقتال الشيعة ضمن الصراع العربي الفارسي، ولاسباب تتعلق بالتاريخ والجغرافية وصراع المصالح، فما هو مبرر التونسيين والليبيين والمغاربة والجزائريين والجنسيات غير العربية اذن؟..
لايعني كلامي هذا ان الشيعة غير متعصبين ولكن ان يتقاتل العراقي مع العراقي لاسباب طائفية، امر يمكن النظر اليه وفق اسس الحكم والمشاركة والظلم والتهميش وتحقيق العدالة وموضوعات كثيرة، يمكن تناولها سياسيا بمنطق المواطنة، اكثر مما يمكن دينيا ، ولكن ان تاتي نورا الروسية وروان السودانية ومعهما شباب مولود في اوروبا والصين واستراليا للمشاركة في القتال فالامر بحاجة الى نظرة يجب ان تتعدى المؤامرات والمصالح الدولية والاقليمية، وتتجه لوهم الحق ووهم العقائد التي ملأت حروبها التاريخ دماءا وجثثا وظلما..
المصالح الدولية والاقليمية ودوائر مخابراتها صنعت القادة وامراء الحروب، ابن لادن والزرقاوي وابو بكر البغدادي، يقابلهم قاسم سليماني والعامري والخزعلي والخزرجي وسعد سوار وغيرهم الكثير، وهؤلاء جندوا الاتباع، بالاموال اولا، وبوهم العقيدة ووهم الحق ثانيا، المال يجذب ما يمكن تسميتهم بالمرتزقة، وهؤلاء لهم قواعدهم في القتال، فضمان امنهم وحياتهم اهم من الاموال، ولذلك فهم حتى في قتالهم يختلفون عن الموهومين بالحق والعقيدة، لايدعى المرتزق للانتحار، ولا يعمل على التعذيب والتمثيل بالجثث، انما الذي يقطع الرؤوس ويمثل بالجثث ويتفنن في طرق التعذيب والموت، ومايسمى بالانتحاريين هم اولئك الذين نزعت العقائد انسانيتهم واعماهم وهم الحق وحولهم الى وحوش كاسرة لاتعرف معنى الرحمة والانسانية، القادة وامراء الحروب العقائدية الطائفية يدفعون اتباعهم الى المزيد والى الايغال بوحشيتهم، والاتباع يبدعون في كل مايمكنه ان يكون انتقاما عظيما لوهمهم، وهم الحق لايتعلق بالعقائد فقط بل ينسحب الى كل تعاملاتنا اليومية وحتى في علاقاتنا العائلية فلطالما اختلف اشقاء فيما بينهم وكل منهم متيقن انه على حق وان شقيقه الاخر على باطل، ولايعني هذا ان لا وجود للحق والباطل، الا انهما دائما وجهة نظر ولو لم تكونا كذلك لما اختلفنا على الاطلاق..
السؤال المهم :هل تحب نورا الروسية وروان السودانية ابو بكر وعمر وعثمان الى الحد الذي يدفعها ان تقتل كل من يحب عليا والحسين؟..
اليس هذا جوهر الصراع العقائدي الطائفي لديهما ومن معهما من الشباب القادم من اصقاع الارض من الموهومين بالعقيدة والحق؟..
ولكنه في الحقيقة ليس كذلك لدى امراء الطوائف، فهؤلاء واجبهم التدمير والتخريب والتجهيل، وادامة الصراع في المنطقة لاهداف تتعلق بمصالح واهداف دول تدفع لهم الاموال وتمنحهم الامتيازات وتؤمن لهم السلطة والسطوة..
نورا الروسية ليست زانية او عاهرة، ولو كانت كذلك لكان اسهل عليها دخول اي ناد ليلي، فابواب كل النوادي ترحب بها، ابتداءا من نوادي باكو واسطنبول وانتهاءا بشرم الشيخ في مصر، بل حتى ابواب امراء السعودية والخليج مفتوحة امامها، ولكنها على العكس تماما، فهي موهومة بعقيدة الجهاد في سبيل الله الذي لا اعرف كيف تسنى لها معرفته، وهكذا هم الشباب المولودون في اوروبا واستراليا وكندا الذين اكتشفوا فجأة ان عليهم واجب الدفاع عن الله والموت في سبيله..
الذي يقرأ القرآن جيدا سيكتشف شيئا ربما لم يلتفت اليه من قبل، وهو ان الله بكل عظمته جعل من مسالة الحق والباطل صراعا ابديا في حياتنا، فهو الذي خلق ابليس وهو الذي اعطاه القدرة للدخول الى قلوبنا وعقولنا، الله يهدي من يشاء ويظل من يشاء، ولكن ابليس يغوي من يشاء، المسألة الاكثر عمقا في هذه القصة، ان الذين لا يؤمنون بالله صريحون الى حد التعبير والدفاع عن عدم ايمانهم بالله وبابليس معا، اما المغويين من ابليس فانهم ياخذون من حب الله والايمان به رداءا لتدليسهم وشيطنتهم، ولنا في داعش والوهابية ورجال الدين وفي كل الاديان عموما مثالا وعبرة.. [email protected]
17