5 نوفمبر، 2024 5:46 م
Search
Close this search box.

نوال السعداوي … مشرط تشريح عقل التخلف

نوال السعداوي … مشرط تشريح عقل التخلف

ثمة قاعدة ذهبية في بلادنا :- المرأة التي لاينحجون في قتلها ادبياً او كتم انفاسها ، تنال تقديراً مضاعفاً . يحدث شيء شبيه بما كان يحدث لأطفال اسبارطة الذين يغمسونهم في دن النبيذ لحظة الولادة، فيحيا القوي ويموت الضعيف . ولكن ، الا يحدث ذلك في كل مكان للنساء والرجال معاً ؟
في كل بلد من بلدان العالم ، هناك دائماً كاتبة كبيرة يطغى اسمها على سائر الاسماء . واسم الدكتورة نوال السعداوي (1931-2021) ، واحد من هذه الاسماء الاكثر شهرة في مجال الفكر والادب النسوي في وطننا العربي . صحيح في هذا الوطن اليوم كاتبات كبيرات غير السعداوي ، ولكن شهرة الاخيرة وانتشار مؤلفاتها ترجح كفة الميزان لمصلحتها.
تعتبر السعداوي ، كاتبة مبدعة عالجت في كتاباتها مختلف الموضوعات الحياتية خصوصاً موضوع المرأة . وتعتبر ايضاً السعداوي التي تثير حولها الكثير من الضجة ومن الجدل ومن الكلام … كونها انتقلت بالطب من معالجة الاجساد الى معالجة النفوس … فهي فضلاً عن كونها طبيبة ، فهي كاتبة . وهذه الظاهرة ليست الاولى من نوعها بل هي ظاهرة منتشرة في معظم بلدان العالم ، وعند النساء والرجال على حد سواء ، والدلائل كثيرة ، فهي ترى ، ان هذه الظاهرة طبيعية جداً وليس هناك اي تناقض بين الادب والفكر والطب ، كما انه ليس هناك اي تناقض بين الادب والمحاماة … فقد دخلت القسم العلمي ودرست الطب واحبته بالرغم من انها لم تكن تريد ان تصبح طبيبة.
وفي اثناء دراستها لم تترك الكتابة بل انها واظبت عليها في مجلات الكلية حيث كتبت القصة والشعر والمقال والدراسة … وتعتقد السعداوي ، ان المجتمع هو الذي فرض الحواجز بين الدراسة العلمية والكتابة .. وتقول في هذا الصدد :- طالما سُئلت، الا يوجد تناقض بينكِ كطبيبة واديبة؟
لاشك في ان دراستي للطب افادتني في الادب كثيراً. انني متخصصة في الطب النفسي ، الا ان تشريح جسم الانسان ودراسته من الداخل اضاف لدي مادة مهمة في الادب والرواية.
ان الكتابة بالنسبة الى السعداوي ، هي كالماء والهواء … اي انها ضرورة من ضروريات حياتها … وكما تقول هي نفسها .. الكتابة هي الرئة التي اتنفس بها… .
لقد استطاعت السعداوي ان تنتصر في الصراع للاعتراف بها كأديبة . فهي كانت تعد من اهم كتّاب وكاتبات الوطن العربي . فكتبها الى جانب كتب كبار الكتّاب العرب ، هي من اكثر الكتب مبيعاً وقراءة في وطننا العربي . لقد وجدت كتبها نجاحاً باهراً ، وترجمت الى العديد من اللغات الاجنبية.
السعداوي ، روائية وكاتبة عربية مصرية معروفة عالمياً ، وطبيبة ، اشتغلت بالجراحة والطب النفسي ، مدافعة عن الحرية والعدالة والكرامة وحقوق المرأة بشكل خاص . ولدت في مصر وتخرجت في كلية الطب جامعة القاهرة ، وعملت طبيبة في عدد من المؤسسات الصحية والمستشفيات … تعرضت كتبها للمصادرة في الستينيات والسبعينيات ، دخلت السجن عام 1981 ، في فترة السادات ، تعرضت للنفي سنوات نتيجة لآرائها ومؤلفاتها.. هُددت بالموت اكثر من مرة ، منحت شهادات فخرية متعددة من جامعات العالم ، وفازت بكثير من الجوائز العالمية الادبية والعلمية والاجتماعية ، صدر لها اكثر من اربعين كتاباً ، وترجمت اعمالها الى اكثر من خمس وثلاثين لغة ، ورشحت لجائزة نوبل للآداب بشكل متكرر.
لم تحظ كاتبة باهتمام ، مع او ضد ، مثل ما حظيت به السعداوي ، فعلى مدى نصف قرن من الزمان ويزيد ، وهي كانت تكتب وتبدع ،ولكن ليس كما يكتب معظم من يتصدرون للكتابة . فمقالاتها وحواراتها ولقاءاتها .. كلها معارك وجهاد، وهي كانت تعلن على استعدادها ان تستشهد وتضحي بحياتها في سبيل ان ينتصر العقل وان يحتكم الناس للمنطق بغير مواربة ولا مجاملة ولا مزايدة ، فقضايا المرأة والدين والسياسة ، هي كل مفردات شؤون حياتنا.
نوال السعداوي ، ثورة وحدها ، وجرأة ، وتمسك منقطع النظير بمبادئ العدالة وصدق في القول والفعل وقدرة فائقة على التقاط التاريخ من اعماق تقاطعات الفرد والمجتمع. الامر الذي جعلها قائدة سياسية وثقافية ، اذ قلما فعل كاتب او كاتبة في الناس لاسيما الشباب ، مثلما فعلت السعداوي ، ولا غرو بعدئذ ان تتجاوز لغة الضاد الى 35 لغة من لغات العالم.
متمردة بوعي فردي وجمعي ، لم تشأ ان تبقى طبيبة فحسب وان تكن قد درست الطب . رفضت رتابة الكلينك وجمودها ، وخرجت الى كلية الحياة وجزئياتها .. قلمها هو المشرط الذي تحب لا مشرط الجراحة ، تستأصل به الزائد والفاسد وتكشف عن مواطن العلل كي يظل لنا الصحيح والصحة . عرفت في داخلها الذات والموضوع، فأرادت لمجتمعها وبخاصة المرأة فيه ما ارادته لنفسها من حرية ومعرفة وكرامة وعدالة وانطلاق وابداع.

متحررة العقل وربما هي المرأة الوحيدة في حياتنا العربية التي عاشت هذا النوع المتقدم من الحرية ، لم يستطيع احد ان يسجن عقلها وان ادخلوها ظلماً الى السجن ، وهي لا تقول كلمتها وتمشي بل تقول كلمتها وتثبت وتتحدى وتتمرد.
اثارت السعداوي جدلاً كبيراً بين الادباء والفلاسفة والمفكرين بسبب مواقفها الجرئية وافكارها الداعية الى التمرد ورفض القيم الموروثة والثورة على الظلم والاستبداد، فطاردتها الحكومات المصرية المتعاقبة ومنعت كتبها وصادرتها وفصلتها من العمل في وزارة الصحة ، وشطب اسمها من قائمة الادباء والمفكرين ، ثم اتهمتها بتهمة ازدراء الاديان ، ووصل الامر الى رفع قضية ( حسبة) ضدها لتفريقها عن زوجها وسحب الجنسية منها وادراج اسمها على لائحة الموت من قبل الاسلاميين المتطرفين . فهي تطرقت الى كل الموضوعات الساخنة والمحظورة والمثيرة للجدل على مدى ستين عاماً والتي دفعت جهات كثيرة الى ملاحقتها ومضايقتها واعتقالها وحتى هدر دمها.
لم نقرأ للسعداوي اي نص الا وكان في قلب المجتمع سواء في البحث المعرفي او في القصة والراوية او في المقالة او في المقابلات الصحافية … ولعل اهم ما فيها انها ليست ماضوية ولا استكانية ، فكل كلمة عندها ملتهبة بالثورة وبالمستقبل.
مارست السعداوي مهنة الطب والكتابة معاً منذ ان اكتشفت اللعبة الكتابية ، استطاعت بواسطتها ان تقدم نفسها الى الناس ، كما استطاعت ان تعبر عن مشاعرها وعن همومها … بالإضافة الى ان الكتابة تعني لها نوعاً من تحقيق الذات.
ولكن قبل ان تكتشف سر الكتابة ، شعرت هذه الاديبة الحادة الاسمرار ، ان اللغة هي جزء من حياتها ، وكم كانت دهشتها كبيرة عندما اكتشفت كيف تتعانق الحروف بعضها ببعض، فتولد الكلمة .. وكيف تترافق الكلمة مع الاخرى فتولد العبارة وتتوهج اللغة والافكار الكبيرة . من هنا تقول السعداوي :- انني اشعر بوجودي عندما اكتب … واشعر بانني في اتصال مع الاخرين.
فبالإضافة الى تحقيق الذات ومن ثم الاتصال بالأخرين ، فان الكتابة بالنسبة اليها ليست نوعاً من الترف وحب الظهور بل هي بالدرجة الاولى التعبير عن واقع ومعالجة هذا الواقع بشكل صحيح . والمفروض بالكاتب ان يؤثر بالناس ويثبت وجوده من خلالهم وان يساهم في بناء المستقبل الافضل.
وقد عبرت السعداوي عن هذه النظرة بالذات يوم قالت :- عندما اكتب فانا احلم بالمجتمع الآخر وبالأسرة الجديدة ، عندما اكتب تترأى امامي الافكار والفلسفات الاكثر توازناً والاكثر انسجاماً … ومن هنا يأتي دور الادب في امتلاكه حلم التغيير نحو الافضل والاروع والاكثر صدقاً.
والسعداوي كانت تؤمن ، ان الكتابة هي فعل ، ايمان بالحياة ، وعندما يفقد الكاتب هذا الايمان فمن الافضل ان يترك القلم ويتوقف عن الكتابة.
ومن اجل تحقيق اهدافها في مضمار الكتابة ، اي من اجل التعبير عن الآراء ، التي تؤمن بها وتصوير المستقبل الذي تحلم به ، فهي ترفض الانتماء الى اية مدرسة ادبية ضاربة عرض الحائط بكل اراء وفلسفات النقاد ، وهي عندما تكتب تلغي من ذاكرتها كل المدارس الادبية والفنية … وتلغي من قاموسها كل معلوماتها الطبية وتتحول الى انسانة همها الوحيد معالجة مشكلات الحياة عبر ذكرياتها الحياتية.
لقد عملت السعداوي مدة طويلة في الريف كطبيبة في عيادة ، ولكن التجارب الكثيرة التي عاشتها لم تصورها الا في بعض الروايات . وكما هو معروف ، فان الريف المصري بكل مافيه من ذكريات جميلة وطوراً حزينة ، يعيش في كيان السعداوي بشكل غريب. كيف لا ، وفي الريف الفقر والمرض والبلهارسيا … وفي الريف التخلف والامية والى ماهنالك من الامراض الاجتماعية المزمنة التي تناضل السعداوي من اجل التخلص منها . وانطلاقاً من ذلك ذكرت السعداوي الحادة الاسمرار والحادة الافكار :- لم اكتب عن الريف سوى اشياء بسيطة لم اقل كل ما اريده حتى الان.
ان وضع المرأة العربية هو احد مواضيعها الادبية الاساسية ، فهي تنتقد في اعمالها الادبية البنية الاجتماعية التي تحد من انطلاق المرأة والتي تسلبها حريتها وامكانيات تحررها . ان هذا الوضع لايترك المجال للمرأة لتتعلم وتحمل المسؤولية وتحيا حياتها الخاصة التي تؤهلها للحصول على مكانتها الصحيحة في هذا العالم.
وعلى الرغم من ان السعداوي ترى في موقف الرجل العربي من المرأة موقفاً غير سليم وغير مبالٍ ، فانها لاتتهمه بانه المسؤول الوحيد عن اضطهاد المرأة وتنظر الى الرجل على انه ايضاً ضحية مثل المرأة للدور المعطى له وللمرأة في المجتمع.
وكانت تتساءل في دهشة واستنكار :- بأي حق يستبيح كاتب او ناقد او ذو رأي ان يصنف الناس ويحدد ادوارهم ويجعل المرأة في مرتبة اقل من الرجل وهي الام والاخت والابنة والتي اوصت بها كل الديانات خيراً بل وجعلت الجنة تحت اقدامها ، واي انغلاق هذا الذي يضربه البعض على مناقشة قضايا هي صلب حياتنا وسبب وجودنا … كقضايا الجنس مثلاً والتي لو تم التبصير بها بالعلم لما وصلت الامور الى مانحن فيه من سوء.
مع ان السعداوي كاتبة مهتمة بقضايا المرأة العربية ومدافعة عن حقوقها، فأنها ترفض بنفس الوقت مقولة الادب النسائي ، فبالنسبة لها لا تعني هذه المقولة سوى التقليل من امكانية الادب المكتوب بأقلام نسائية . فهي ترفض هذا المصطلح للأدب الذي تكتبه رفضاً قاطعاً ، ايماناً منها بان المرأة لا ينقصها شيء لتكتب ادباً مبدعاً كالرجل ، واذا كانت لأدبها خصوصية نسوية معينة فتلك في نظري تفاصيل … كونها ترفض مقولة الادب النسائي ، ليس تنصلاً من قضية المرأة بل ايماناً منها ، بان المرأة تملك ابداعياً كل ما للرجل من مواهب اثبتها عبر مر التاريخ، وتمتاز عليه بالأمومة وما يرافق ذلك من صفات انسانية.
ولكن للسعداوي نبرتها الخاصة ايضاً ، فأنها ترى ان قضية تحرر المرأة في الاقطار العربية وباقي بلدان العالم … ليست قضية نسوية فقط بل قضية وطنية ايضاً وانسانية ولابد من اقناع ذكور القبيلة بخدمتها ايضاً . والسعداوي كانت تشعر بالفخر ، لان كلمتها مسموعة لدى الرجال العرب لا للنساء وحدهن.
ان هذا الموقف الملتزم بقضايا المرأة للكاتبة من مجتمعات متخلفة نراه بوضوح في اعمال السعداوي الادبية . ان معاناة المرأة عندها ليست معاناة مركبة مفتعلة ولاتفسر على انها نتاج التركيبة المعقدة للمرأة بشكل عام وليست مبنية على الحقد تجاه الرجال وانما نستشفها على انها معاناة طبيعية وعادية ، معاناة قريبة منا ليست غريبة نلتمسها ونحسها حتى ولو لم تكن من جنس النساء.
لقد تطرقت السعداوي في كتبها الى مواضيع ، مثل الحب والجنس في وقت كانت هذه المواضيع محرم تداولها في الادب العربي خاصة من قبل النساء الكاتبات حتى في الكتب الادبية التي يكتبها الرجال.
لقد تطرقت الى هذه المواضيع بصراحة ووضوح نادر في الادب العربي حتى ان القارئ الاوربي تعجب من هذه الصراحة . ففي الوطن العربي هناك صعوبة في التطرق الى هذه المواضيع في الادب . لان الفصل مابين الواقع والخيال عند القارئ غير موجود . فالقارئ يقرأ هذه المواضيع ويظنها من تجربة الكاتب الخاصة ، فعندما يقرأ هذه المواضيع عند امرأة ، فانه يحس بالصدمة.
درست السعداوي الجسد الانثوي والذكري وتشابكها من منظور علمي اجتماعي ومن منظور خبراتها ومشاهداتها كطبيبة وكأنثى شرقية تلقت ضربات الايديولوجيا الذكورية الموجعة في جسمها (الختان) وروحها (التمييز بينها وبين اخيها). دحضت النظريات التي تقول بدونية المرأة التشريحية وسلبيتها وكادت ان تثبت تفوقها الجنسي وكشفت زيف المقولات التي تقرن الطهارة بالعذرية او تلك التي تقرن الشرف الانساني بالشرف البيولوجي وتهمل الاستعمالات الاجتماعية الرمزية لمفهوم الشرف. هذه الموضوعات وغيرها كانت كفيله بأحداث صدمة فكرية ووجدانية واخلاقية لم يبرأ منها كثيرون في وطننا العربي حتى هذه اللحظة.
المرأة والجنس, الانثى هي الاصل, الرجل والجنس, الوجه العاري للمرأة العربية, المرأة والصراع النفسي.. في هذه المؤلفات كشفت السعداوي عن قضايا المرأة والرجل بمشرط الجراح الذي لايجزع ويغوص في ماوراء القشرة الخارجية للجسد البشري لاستئصال جذر الداء فتوغلت الى اعماق المشكلة الى خفايا واسرار التمييز ضد المرأة والى جذور الحرب العتيقة بين الجنسين. فسيرت اغوار الذاكرة البشرية والعربية وقبضت على معيش النساء والرجال الحيّ, واخضعت لمجهر الحقيقة العلمية الطبية التشريحية والنفسية والسياسية والحقيقة الاخلاقية القائمة على مفاهيم الحق والعدل والمساواة.
ذهبت السعداوي الى ما وراء استراتيجيات قمع المرأة وعزلها الى اللامسمى الى ما يشرع تلك الاستراتيجيات ويسوغها.. ولأنه محرم ومقدس يخرج من دائرة النقاش والنقد والجدل الى موضوع الجنس. وهذا الموضوع بالذات كان حين تلك اللحظة موضوعاً رجالياً خالصاً. وتشهد على ذلك ادبيات العرب الجنسية (كتب الباه) التي تعلم الحب وليس بينهم امرأة واحدة تكتب عن نفسها وعن الرجل فيما الرجل عن نفسه وعنها.
لقد قدمت السعداوي للقارئ العربي والثقافة العربية, على المدى خمسين عاماً, مشروعاً متكاملاً يتميز بالشجاعة في ابداء الرأي والاشتباك مع مختلف القضايا التي يتحاشى اغلب الكتّاب التعامل معها, ولاسيما تلك القضايا المسكوت عنها عند الكثيرين.. قدمتها السعداوي في اطار منهج فكري مستنير من خلال ديالوك ديناميكي يزيل عتمة الجمود ويحرك الساكن الراسخ من الافكار العقيمة ويدعو المجتمع الى ارتياد لغة التمرد لنسف كل القناعات المتكلسة.

مفهوم التخلف الجنسي عند السعداوي
ان اسباب تخلف واقع الرجل العربي هي نفسها التي الحقت المظاهر المختلفة بواقع المرأة. ولو كان التخلف الجنسي هو السبب لكان الرجل اكثر تقدماً او تحضراً من المرأة باعتباره متحرراً جنسياً .. وهذه مغالطة … لان التخلف انما هو تخلف شامل ، وهو متمركز في الفكر او العقلية العربية نتيجة الكوارث المتعددة والازمات التي لحقت بالامة العربية ابتداء من سقوط الدولة العباسية واجتياح التتار للمنطقة العربية مروراً بالاستعمار العثماني ثم الاستعمار الغربي.
فالإنسان العربي اليوم ونتيجة للإحباطات المتراكمة … قد فقد قدرة الابداع والخلق، وانسلخ عن تراثه الفكري والحضاري وراح يعيش على فتات الفكر الاوربي ونفاياته ، فقد الثقة بالنفس والايمان بقوة الارادة على التغيير والثورة . فالانسان العربي – رجلاً كان ام امرأة – وازاء هذا الواقع – بحاجة الى انبعاث روحي الى نهضة فكرية قائمة على الاحساس العميق بانسانيته ودوره في حركة التاريخ والحضارة الانسانية … انه بحاجة ملحة الى اذكاء روح الابداع والتجديد التي كان يتمتع بها بناة حضارتنا العربية ومفكروها وفلاسفتها.
ولقد كان حرياً بدعاة التحرر الجنسي – ولاسيما الدكتورة السعداوي – ان يتبنوا الدعوة الى اعتماد الفكر العلمي والتوجه الجاد نحو فهم تناقضات واقعنا العربي… واذا كانت المرأة العربية تعاني تخلفا اشد من الرجل ، فما هو الطريق السليم لنهوض المرأة العربية؟
ان التفكير لدى قطاعات كبيرة من الشعب العربي انما هو تفكير يتسم بالخرافية والقصور والانانية والتجرد عن المسؤولية واللامبالاة وهي سمات تجدد الملامح العامة لتركيب شخصية معظم الشباب العربي . وهي مظاهر متخلفة ينبغي تجاوزها كضرورة اساسية لتجاوز واقع التخلف والركود.
وليست المرأة العربية بخارجة عن هذا الميدان ، وعوامل نهضتها وتحررها ليست هي الاخرى معزولة عن الواقع العربي بشكل عام . وهذا من ناحية اخرى يفرض على المرأة القيام بتحرك ذاتي ، لان التحرر لايمنح من الخارج اطلاقاً وانما يرتبط اساساً بمقدار النشاطات الذاتية الموجهة من اجل هذا الهدف.
ان الواقع العربي المعاصر وما تتقاذفه من تيارات فكرية وثقافية مختلفة مقابل الفراغ الفكري لدى غالبية الشباب العربي يمثل مشكلة فكرية تتطلب توجهاً جدياً لاعادة البناء الثقافي العربي بما يخدم امتنا ويكشف الطريق امامها نحو التقدم الحضاري والبناء الاجتماعي . كما ان استقراء هذا الواقع يكشف لنا حقيقة ان الثقافة العربية السائدة انما هي ثقافة سائبة تفتقر الى التوجيه على مستوى الطموح العربي واهدافه الحضارية … وكذلك نلاحظ ظاهرة الانفصال بين الفكر والواقع الذي يقضي بالضرورة الى الازدواجية بين الفكر والسلوك ، وليست هذه النتيجة الا مظهر من مظاهر انفصال النظام السياسي عن الواقع الاجتماعي ، فمعظم الانظمة العربية انما هي انظمة برجوازية او بيروقراطية او دكتاتورية مرتبطة اساساً بالفكر الغربي واهدافه … ولذا فمن المنطقي بل الحتمي ان يؤدي التسيب السياسي الفوقي الى تسيب اجتماعي على مستوى الفكر والثقافة ومالهما من انعكاسات واضحة على السلوك .
ان الموقف الفكري الذي كانت تطرحه الدكتورة السعداوي لحل ازمة المرأة العربية لايفارق هذه الاقنونة .. ذلك الانفصال بين الفكر والواقع ، فلم تكن نظريتها الجنسية التي تعتبرها المفتاح السحري لحل مشكلة الازمة الوجودية للمرأة الا تعبيراً عن الانسياق اللاواعي وراء الطفح الحضاري البرجوازي الذي يروج له الاعلام الغربي الهادف الى اجتثاث الانسان العربي من واقعه الحضاري واذابة اصالته الانسانية والاخلاقية.
ولذا ، فان المرأة العربية ضمن التركيبات الفكرية والثقافية للواقع العربي بحاجة الى الوعي اليقظ القادر على التفاعل الايجابي مع المعطيات الفكرية والثقافية العالمية بما يتلاءم وتراثنا الانساني الاصيل بكل سماته الروحية.
ولا ارانا مجانبين الصواب حين نذهب الى الاعتقاد بضرورة قيام حضارتنا على اسس اخلاقية ، اذ ليس ثمة مايدعو الى الايمان بفكرة التعارض بين الحضارة والاخلاق او بين الحرية والقيم ، ولذا فان دعوة الدكتورة السعداوي الى ضرورة الاطاحة بالقيم والاخلاق كضرورة لاستعادة المرأة حريتها و نهضتها الحديثة لاتعدو كونها دعوة للتخريب الروحي من اجل بناء كيان مادي خالص للمرأة العربية … لن يفضي الا الى المزيد من الاستلاب والاضطهاد والتخلف.
السعداوي والجنس
الجنس من اكثر المحظورات خطاً احمر بمجتمعاتنا ، فالسياسة والدين نتناولهم بالحديث والنقد في أحاديثنا الخاصة أو حتى مع انفسنا في الخفاء لكن الجنس نخجل او بمعنى أدق نخاف من الحديث عنه وهذا جعله مادة جيدة وشهية لمن يريد ان يلعب بانفعالاتنا من اصحاب وسائل الاعلام المتدينة . ومحاربة منا لتدني البعض وايمانا بأن دورنا تخطى المحظور بمجتمعاتنا برقي من يقدم فكراً حقيقياً لبناء عقول مجتمعات الظلام والخوف.
المحظورات والقيود التي فرضها المجتمع على المرأة وتحديداً على اعضائها التناسلية ساعد على تشويه معنى العلاقة الجنسية ، وارتبطت تلك العلاقة في الأذهان بالاثم والخطيئة والنجاسة وغير ذلك من التعبيرات المعيبة التي جعلت الناس يخشون الحديث عن الجنس وبالتالي أصبحوا يجهلون عنه الكثير ، والجهل لا يعني أن المعلومات غائبة ، لكن هناك ترويج لمعلومات خاطئة وهذا اشد انواع الجهل ، ومن الأفضل للانسان ان يواجه الحياة بلا معلومات على الاطلاق من ان يواجهها بمعلومات خاطئة تفسد فطرته وذكاءه الطبيعي.
وتنعكس عقد الرجل النفسية والجنسية على المرأة وينتج عنها البرود الجنسي ، فالرجل يفصل بين الحب والجنس فهو في معظم الأحوال يشتهي المرأة التي لا يحبها اما المرأة التي يحبها فانه يعجز عن الاتصال جنسيا بها او يتصل بشرط تظل هي المحبوبة العذراء العفيفة او بمعنى آخر الباردة جنسياً وتعتقد كثير من الزوجات ان البرود الجنسي هو صفة الزوجة المحترمة حيث تفاخر ببرودها هذا وترى ان الاستمتاع بالجنس صفة العشيقات فقط او بنات الهوى ، يستمتع الرجال بهذا الانفصام في شخصياتهم فتصبح لكل منهم زوجة باردة وعشيقة مرغوبة لكنها محتقرة.
المرأة والجنس
المرأة والجنس ، اول كتاب باللغة العربية يتناول موضوع المرأة والجنس وعلاقتهما بالمجتمع العربي تناولاً صريحاً وعلمياً ويكشف عن كثير من العيوب الشائعة في تفكيرنا وحياتنا بشجاعة وصدق. ومؤلفة الكتاب الدكتورة نوال السعداوي – كما اسلفنا – طبيبة وامرأة واديبة وسيدة لها مشاركة واسعة في الحياة العامة . لهذا كله فقد جمع الكتاب بين الحقائق الطبية والعلمية وبين الأحاسيس النفسية الدقيقة التي لا يمكن ان تحسها وتعرفها الا المرأة.
والكتاب يتضمن بالإضافة الى ذلك كله نظرة شاملة الى قضية المرأة والجنس وربطهما بالمجتمع والتطور التاريخي لعلاقة الرجل والمرأة منذ عصور ما قبل التاريخ حتى عصرنا الحديث .
انه اول كتاب باللغة العربية يتعرض لقضية المرأة بهذه الصورة العلمية الشاملة والجريئة ، وبهذا الاسلوب السهل الواضح الجميل الخالي من اي تعقيد او غموض او حذلقة ، وبقدر ما في هذا الكتاب من شرح للجوانب البيولوجية والفسيولوجية والنفسية في قضية المرأة والجنس ، فأنه يشرح ايضا الجوانب الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية لهذه القضية وهو كتاب يرفع المرأة إلى وضعها الطبيعي في الحياة والمجتمع .. في البيت والعمل والعلاقات الانسانية المختلفة .
ويتضمن الكتاب بعد ذلك كله كثيرا من الأفكار والمفاهيم التي تقدم معنى جديدة وغير تقليدي للشرف والعمل والحب والجنس ، وهذه الأفكار والمفاهيم كلها تمثل ثورة في النظرة الى المرأة وعلاقة المرأة بالرجل في مجتمعنا العربي .
الانثى هي الأصل
الانثى هي الأصل ، هو الجزء الثاني من كتاب المرأة والجنس للدكتورة نوال السعداوي التي اثارت كتاباتها عن قضية تحرير المرأة في المجتمع العربي اكثر من رد فعل وطرحت على بساط البحث كل المأساة التي تعيشها المرأة العربية اليوم .
أن أهم المبادئ التي يرتكز عليها هذا الكتاب هي :-
قضية تحرير المرأة : قضية سياسية بالدرجة الأولى ، لأنها لا تمس حياة نصف مجتمع فحسب ولكنها تمس المجتمع كله.
الهدف من تحرير المرأة : هو اطلاق امكانياتها الفكرية جميعا من اجل اثراء المجتمع فكرياً واثراء حياة النساء بالعمل المنتج والمشاركة في تطوير المجتمع.
ان النساء وحدهن لا يمكن أن ينلن الحرية والمساواة في مجتمع لا يحقق الحرية والمساواة لجميع فئاته المختلفة . ولهذا لا يمكن فصل قضية تحرير النساء في اي مجتمع عن تحرير الفئات الأخرى المظلومة .
ان شرف الانسان رجلا أو امرأة هو الصدق ، صدق التفكير وصدق الاحساس وصدق الأفعال . ان الانسان الشريف هو الذي لا يعيش حياة مزدوجة واحدة في العلانية واخرى في الخفاء.
ليس هناك أي دليل علمي في البيولوجيا او الفسيولوجيا او التشريح ما يثبت ان المرأة اقل من الرجل عقلا او جسدا او نفساً.
أن الوضع الأدنى للمرأة ، فرض عليها من المجتمع لاسباب اقتصادية واجتماعية لصالح الرجل ومن اجل بقاء واستمرار الأسرة الأبوية التي يملك فيها الأب الزوجة والأطفال كما يملك قطعة ارض .
الرجل والجنس
يجيء كتاب الرجل والجنس ، بعد كتاب المرأة والجنس والانثى هي الأصل ، ليشكل عملاً متكاملاً ومتقدماً في تناوله لحياتنا الجنسية من كل جوانبها . وتقول الدكتورة نوال السعداوي : اذا كنت في هذا الكتاب احاول دراسة مشاكل الرجل الجنسية وخوفه من فقدان القدرة الجنسية أو خوفه من الجنس بصفة دائمة ، فإنني بالضرورة لا استطيع ان افصل الاسباب عن ظواهرها او المسببات والسببيات . ولهذا سيجد القراء أن هذا الكتاب بالرغم من انه يتناول المشاكل الجنسية والنفسية للرجل الا انه لم يستطيع الا ان يتعرض ايضا لبعض الأفكار الأخرى المندرجة تحت الفلسفة او الدين او التاریخ او المجتمع . وليس الغرض من هذا الكتاب هو وضع الرجل في قفص الاتهام واصدار الأحكام ضده ولكن الغرض الاساسي هو محاولة فهم الأسباب التي ادت الى تشويه حياة الرجل والنساء معأ ومحاولة القضاء على هذه الأسباب من اجل بناء مجتمع افضل وأسرة افضل وحياة أكثر سعادة وعدالة وحبا . انه كتاب غاية في الأهمية لموضوع شائك وشيق .
الوجه العاري للمرأة العربية
وهو الكتاب الرابع ضمن سلسلة كتب نوال السعداوي حول فهم ماهيات الجنس وعلاقتها بالعقلية المجتمعية العربية ، وفيه تشير الى ان الثقافة العربية والاسلامية ليست هي الثقافة الوحيدة التي حولت المرأة إلى سلعة او عبدة ولكن الثقافة الغربية والمسيحية ايضا فعلت ذلك ، بل ان قهرها للمرأة كان اشد وافدح .
اضطهاد المرأة لا يرجع الى الشرق او الغرب او الاسلام او الاديان ولكنه يرجع اساسأ الى النظم الطبقية الأبوية في المجتمع البشري كله.
المرأة ليست ناقصة العقل عن الرجل كما يعتقد الكثيرون ولكن التاريخ يدلنا على المرأة سبقت الرجل في التفكير بعقلها ، هي التي بدأت المعرفة في تاريخ البشرية وكانت الالهة الأولى للمعرفة امرأة هي ازيس ومن قبلها كانت حواء.
وفي تراثنا العربي الاسلامي ايجابيات يجب البحث عنها واظهارها وتقويتها اما السلبيات فيجب علينا ان نتركها بشجاعة وفهم ، وتعتمد قضية تحرير المرأة على الجمع بين ايجابيات التراث القديم وايجابيات الفكر المستحدث.
المرأة والصراع النفسي
في هذا الكتاب تتناول نوال السعداوي العصاب كمرض نفسي ، وتشير الى انه قد لا يكون شديدا الى الحد الذي يعطل المرأة عن عملها او روتين حياتها اليومية . وقد لا يدفع المرأة الى الذهاب الى طبيب نفسي وقد تعيش به المرأة وتموت به دون أن يدري من حولها انها مصابة بالعصاب بل دون أن تدري هي نفسها انها مصابة بالعصاب او اسباب تلك الكآبة التي تشعر بها من حين الى حين او اسباب ذلك الصداع المستمر في رأسها او ذلك الأرق في بعض الليالي .
لقد ادركت المؤلفة الحاجة الشديدة الى أن تبدأ في دراسة العصاب الذي تشكو منه النساء والفتيات والذي يمثل ظاهرة جديدة بين النساء وخاصة المتعلمات.
أخيراً…
لقد دعت نوال السعداوي مبكراً ما معنى ان تكون امرأة عاملة طبيبة في مجتمع شرقي رغم ذلك فقد قبلت هذا التحدي وذكرت في احدى لقاءاتها ، انها تحمل في دمها عذابات جداتها كلهن :- لقد حاولوا وأدي – اي دفني في الرمال حية كما كانوا يفعلون بالبنات- في الصحراء مرات عديدة … وكنت اخرج دائماً من رمادي لأطير. انني بالتأكيد انثى وكل امرأة عربية لا تستطيع الا ان تكون كذلك ، واول ما كتبته كان مقالات دفاعاً عن حرية المرأة حتى قبل نشر قصصي ورواياتي … ويومئذ اصدرت جمعية دينية منشوراً ضدي ولولا محدودية نفوذ التيار الديني وقتئذ لنجحوا ربما في كتم انفاسي.
هكذا اذن رحلت السعداوي الى الاعماق وابدلت همومها الفردية بهموم الناس وحاولت ان تستشرف حقيقة الوضع واسباب التدهور وقد مكنها ذلك من ادراك طريق الخلاص . فموقع الكاتب انما هو الى جانب المظلومين والمضطهدين ، والخلاص اما ان يكون جماعياً او لايكون . والخلاص يكمن في الانتماء الايجابي والكامل ، اي المعتمد على التنظيم والنضال.
ان هذا الصدق في معاناة السعداوي هو الذي جرها الى الصدق في التجربة الفنية.
ان اي مثقف او مفكر او قارئ عادي قد يوافق نوال السعداوي في ارائها وقد يختلف معها الى ابعد الحدود ، ولكن من الصعب تجاهلها واهمال تجربتها ، فهي بحق مقاتلة صدامية ، وصداميتها نجدها في كل كتاب من كتبها … ولاسيما المشروع الذي تناولت فيه الجنس في العقل الذكوري والعقل الانثوي الغربيين … وماترتب عليه من نتائج سلبية رسمت مسار سلوكياتها الاجتماعية وقابلياتها الذهنية ودرجة اخلاقياتنا.. .

التوثيق…
نوال السعداوي – المرأة والجنس ، ط3، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1974.
الانثى هي الاصل ، ط1، المؤسسة العربية والنشر ، بيروت ، 1974.
الرجل والجنس ، ط1 ، المؤسسة العربية والنشر ، بيروت ، 1976.
المرأة والصراع النفسي ، ط1 ، المؤسسة العربية والنشر ، بيروت ، 1977.
الوجه العاري للمرأة العربية ، ط1 ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ،1977
توأم السلطة والجنس ، ط2 ، مكتبة مدبولي ، القاهرة ، 2006.
قضايا المرأة والفكر والسياسة ، ط1، مكتبة مدبولي ، القاهرة ، 2002.
ذكريات بين الثورة والابداع ، ط1، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ، بيروت ، 2016.
الثورات العربية ، ط1 ، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ، بيروت ، 2013.
عايدة الجوهري – حواء حول الانوثة والذكورة والدين والابداع ، ط1 ، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ، بيروت ، 2014.
مسلم حسب حسين – المرأة والجنس والحضارة ، مجلة افاق عربية (بغداد) ، العدد 10 /1980.
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات