23 ديسمبر، 2024 8:13 ص

نوال السعداوي .. الطبيبة والكاتبة

نوال السعداوي .. الطبيبة والكاتبة

في كل بلد من بلدان العالم هناك دائماً كاتبة كبيرة يطغى اسمها على سائر الاسماء . واسم الدكتورة نوال السعداوي واحد من هذه الاسماء الاكثر شهرة في مجال الفكر والادب النسوي في وطننا العربي . صحيح في هذا الوطن اليوم كاتبات كبيرات غير السعداوي ولكن شهرة الاخيرة وانتشار مؤلفاتها ترجح كفة الميزان لمصلحتها .
تعتبر السعداوي ، كاتبة مبدعة عالجت في كتاباتها مختلف الموضوعات الحياتية وخصوصاً موضوع المرأة . وتعتبر ايضاً السعداوي التي تثير حولها الكثير من الضجة ومن الجدل ومن الكلام .. والسعداوي هي المرأة التي انتقلت من معالجة الاجساد الى معالجة النفوس .. او بالاحرى هي في الوقت نفسه الطبيبة والكاتبة . وهذه الظاهرة ليست الاولى من نوعها بل هي ظاهرة منتشرة في معظم بلدان العالم وعند النساء والرجال على حد سواء، والدلائل كثيرة .
من جهتها ، ترى السعداوي ، ان هذه الظاهرة طبيعية جداً وليس هناك اي تناقض بين الادب والفكر والطب ، كما انه ليس هناك اي تناقض بين الادب والمحاماة .. فقد دخلت القسم العلمي ودرست الطب واحبته بالرغم من انها لم تكن تريد ان تصبح طبيبة .
وفي اثناء دراستها لم تترك الكتابة بل انها واظبت عليها في مجلات الكلية حيث كتبت القصة والشعر الحر والمقال والدراسة .. وتعتقد السعداوي ، ان المجتمع هو الذي فرض الحواجز بين الدراسة العلمية والكتابة .. وتقول في هذا الصدد (( طالما سئلت ، الا يوجد تناقض بينكِ كطبيبة واديبة ؟ لاشك في ان دراستي للطب افادتني في الادب كثيراً .. انني متخصصة في الطب النفسي ، الا ان تشريح جسم الانسان ودراسته من الداخل اضاف لدي مادة مهمة في الادب والرواية )) .
ان الكتابة بالنسبة الى السعداوي هي كالماء والهواء .. اي انها ضرورة من ضروريات حياتها.. وكما تقول هي نفسها (( الكتابة هي الرئة التي اتنفس بها )) .
وقد بدأت السعداوي في ممارسة هذه اللعبة الجميلة والمضنية معاً منذ ان اكتشفت هذه اللعبة الكتابية وبواسطتها استطاعت ان تقدم نفسها الى الناس ، كما استطاعت ان تعبر عن مشاعرها وعن همومها .. بالاضافة الى ان الكتابة تعني لها نوعاً من تحقيق الذات .
ولكن قبل ان تكتشف سر الكتابة ـــ اي منذ عهد الطفولة ـــ شعرت هذه الاديبة الحادة الاسمرار ، ان اللغة هي جزء من حياتها ، وكم كانت دهشتها كبيرة عندما اكتشفت كيف تتعانق الحروف بعضها ببعض ، فتولد الكلمة .. وكيف تترافق الكلمة مع الاخرى فتولد العبارة وتتوهج اللغة والافكار الكبيرة . من هنا تقول السعداوي (( انني اشعر بوجودي عندما اكتب .. واشعر بأنني في اتصال مع الآخرين )) .
وبالاضافة الى تحقيق الذات ، ومن ثم الاتصال بالآخرين ، فان الكتابة بالنسبة اليها ليست نوعاً من الترف وحب الظهور ، بل هي بالدرجة التعبير عن واقع ومعالجة هذا الواقع بشكل صحيح.. والمفروض بالكاتب ان يؤثر بالناس ويثبت وجوده من خلالهم .. وان يساهم في بناء المستقبل الافضل .
وقد عبرت السعداوي عن هذه النظرة بالذات يوم قالت (( عندما اكتب فأنا احلم بالمجتمع الآخر، وبالأسرة الجديدة .. عندما اكتب ، تترأى امامي الافكار والفلسفات الاكثر توازناً والاكثر انسجاماً .. ومن هنا يأتي دور الادب في امتلاكه حلم التغيير نحو الافضل والاروع والاكثر صدقاً .. )).
والسعداوي تؤمن ، ان الكتابة هي فعل ، ايمان بالحياة ، وعندما يفقد الكاتب هذا الايمان فمن الافضل ان يترك القلم ويتوقف عن الكتابة .
ومن اجل تحقيق اهدافها في مضمار الكتابة ، اي من اجل التعبير عن الاراء التي تؤمن بها وتصوير المستقبل الذي تحلم به فهي ترفض الانتماء الى أية مدرسة ادبية ضاربة عرض الحائط بكل اراء وفلسفات النقاد .. وهي عندما تكتب تلغي من ذاكرتها كل المدارس الادبية والفنية .. وتلغي من قاموسها كل معلوماتها الطبية .. وتتحول الى انسانة همها الوحيد معالجة مشكلات الحياة عبر ذكرياتها الحياتية ..
لقد عملت السعداوي مدة طويلة في الريف كطبيبة في عيادة ، ولكن التجارب الكثيرة التي عاشتها لم تصورها الا في بعض الروايات .
وكما هو معروف ، فان الريف المصري بكل ما فيه من ذكريات تارة جميلة وطوراً حزينة يعيش في كيان السعداوي بشكل غريب . كيف لا .. وفي الريف اقرباء واصدقاء ، وفي الريف الفقر والمرض والبلهارسيا .. وفي الريف التخلف والامية والى ما هنالك من الامراض الاجتماعية المزمنة التي تناضل السعداوي من اجل التخلص منها .
انطلاقاً من ذلك كله تقول السعداوي الحادة الاسمرار والحادة الافكار (( لم كتب عن الريف سوى اشياء بسيطة لم اقل كل ما اريده حتى الآن )) .
لقد قدمت نوال السعداوي للقارئ العربي والثقافة العربية ، على مدى خمسين عاماً .. مشروعاً متكاملاً يتميز بالشجاعة في ابداء الرأي والاشتباك مع مختلف القضايا التي يتحاشى اغلب الكتّاب التعامل معها .
واعمالها الفكرية بما تحمله من القضايا المسكوت عنها عند الكثيرين تقدمها السعداوي في اطار منهج فكري مستنير من خلال ديالوك ديناميكي يزيل عتمة الجهود ويحرك الساكن الراسخ من الافكار العقيمة ويدعو المجتمع الى ارتياد لغة التمرد لفتح كوة النور تضيء شمس المستقبل .
¤ السعداوي والجنس
الجنس من اكثر المحظورات خطاً احمر بمجتمعاتنا ، فالسياسة والدين نتناولهم بالحديث والنقد في احاديثنا الخاصة او حتى مع انفسنا في الخفاء لكن الجنس نخجل او بمعنى ادق نخاف من الحديث عنه وهذا جعله مادة جيدة وشهية لمن يريد ان يلعب بانفعالاتنا من اصحاب وسائل الاعلام المتدينة . ومحاربة منا لتدني البعض وايماناً بأن دورنا تخطى المحظور بمجتمعاتنا برقي من يقدم فكراً حقيقياً لبناء عقول مجتمعات الظلام والخوف .
المحظورات والقيود التي فرضها المجتمع على المرأة وتحديداً على اعضائها التناسلية ساعد على تشويه معنى العلاقة الجنسية ، وارتبطت تلك العلاقة في الاذهان بالاثم والخطيئة والنجاسة وغير ذلك من التعبيرات المعيبة التي جعلت الناس يخشون الحديث عن الجنس وبالتالي اصبحوا يجهلون عنه الكثير ، والجهل لا يعني ان المعلومات غائبة ، لكن هناك ترويج لمعلومات خاطئة وهذا اشد انواع الجهل ، ومن الافضل للانسان ان يواجه الحياة بلا معلومات على الاطلاق من ان يواجهها بمعلومات خاطئة تفسد فطرته وذكاءه الطبيعي .
وتنعكس عقد الرجل النفسية والجنسية على المرأة وينتج عنها البرود الجنسي ، فالرجل يفصل بين الحب والجنس فهو في معظم الاحوال يشتهي المرأة التي لا يحبها اما المرأة التي يحبها فانه يعجز عن الاتصال جنسياً بها او يتصل بشرط تظل هي المحبوبة العذراء العفيفة او بمعنى آخر الباردة جنسياً وتعتقد كثير من الزوجات ان البرود الجنسي هو صفة الزوجة المحترمة حيث تفاخر ببرودها هذا وترى ان الاستمتاع بالجنس صفة العشيقات فقط او بنات الهوى ، يستمتع الرجال بهذا الانفصام في شخصياتهم فتصبح لكل منهم زوجة باردة وعشيقة مرغوبة لكنها محتقرة.
¤ المرأة والجنس
المرأة والجنس ، اول كتاب باللغة العربية يتناول موضوع المرأة والجنس وعلاقتهما بالمجتمع العربي تناولاً صريحاً وعلمياً ويكشف عن كثير من العيوب الشائعة في تفكيرنا وحياتنا بشجاعة وصدق . ومؤلفة الكتاب الدكتورة نوال السعداوي ــــ كما اسلفنا ــــ طبيبة وامرأة واديبة وسيدة لها مشاركة واسعة في الحياة العامة . لهذا كله فقد جمع الكتاب بين الحقائق الطبية والعلمية وبين الاحاسيس النفسية الدقيقة . التي لا يمكن ان تحسها وتعرفها الا المرأة.
والكتاب يتضمن بالاضافة الى ذلك كله نظرة شاملة الى قضية المرأة والجنس وربطهما بالمجتمع والتطور التاريخي لعلاقة الرجل والمرأة منذ عصور ما قبل التاريخ حتى عصرنا الحديث .
انه اول كتاب باللغة العربية يتعرض لقضية المرأة بهذه الصورة العلمية الشاملة والجريئة ، وبهذا الاسلوب السهل الواضح الجميل الخالي من اي تعقيد او غموض او حذلقة ، وبقدر ما في هذا الكتاب من شرح للجوانب البيولوجية والفسيولوجية والنفسية في قضية المرأة والجنس ، فأنه يشرح ايضاً الجوانب الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية لهذه القضية وهو كتاب يرفع المرأة الى وضعها الطبيعي في الحياة والمجتمع .. في البيت والعمل والعلاقات الانسانية المختلفة .
ويتضمن الكتاب بعد ذلك كله كثيراً من الافكار والمفاهيم التي تقدم معنى جديداً وغير تقليدي للشرف والعمل والحب والجنس ، وهذه الافكار والمفاهيم كلها تمثل ثورة في النظرة الى المرأة وعلاقة المرأة بالرجل في مجتمعنا العربي .
¤ الانثى هي الاصل
الانثى هي الاصل ، هو الجزء الثاني من كتاب المرأة والجنس للدكتورة نوال السعداوي ، التي اثارت كتاباتها عن قضية تحرير المرأة في المجتمع العربي اكثر من رد فعل وطرحت على بساط البحث كل المأساة التي تعيشها المرأة العربية اليوم .
ان اهم المبادئ التي يرتكز عليها هذا الكتاب هي :-
قضية تحرير المرأة : قضية سياسية بالدرجة الاولى ، لانها لا تمس حياة نصف مجتمع فحسب ولكنها تمس المجتمع كله .
الهدف من تحرير المرأة : هو اطلاق امكانياتها الفكرية جميعاً من اجل اثراء المجتمع فكرياً واثراء حياة النساء بالعمل المنتج والمشاركة في تطوير المجتمع .
ان النساء وحدهن لا يمكن ان ينلن الحرية والمساواة في مجتمع لا يحقق الحرية والمساواة لجميع فئاته المختلفة . ولهذا لا يمكن فصل قضية تحرير النساء في اي مجتمع عن تحرير الفئات الاخرى المظلومة .
ان شرف الانسان رجلاً او امرأة هو الصدق ، صدق التفكير وصدق الاحساس وصدق الافعال . ان الانسان الشريف هو الذي لا يعيش حياة مزدوجة واحدة في العلانية واخرى في الخفاء .
ليس هناك اي دليل علمي في البيولوجيا او الفسيولوجيا او التشريح ما يثبت ان المرأة اقل من الرجل عقلاً او جسداً او نفساً .
ان الوضع الادنى للمرأة ، فرض عليها من المجتمع لاسباب اقتصادية واجتماعية لصالح الرجل ومن اجل بقاء واستمرار الاسرة الابوية التي يملك فيها الاب الزوجة والاطفال كما يملك قطعة ارض .
¤ الرجل والجنس
يجيء كتاب الرجل والجنس ، بعد كتاب المرأة والجنس والانثى هي الاصل ، ليشكل عملاً متكاملاً ومتقدماً في تناوله لحياتنا الجنسية من كل جوانبها . وتقول الدكتورة نوال السعداوي ((اذا كنت في هذا الكتاب احاول دراسة مشاكل الرجل الجنسية وخوفه من فقدان القدرة الجنسية او خوفه من الجنس بصفة دائمة ، فأنني بالضرورة لا استطيع ان افصل الاسباب عن ظواهرها او المسببات والسببيات . ولهذا سيجد القراء ان هذا الكتاب بالرغم من انه يتناول المشاكل الجنسية والنفسية للرجل الا انه لم يستطيع الا ان يتعرض ايضاً لبعض الافكار الاخرى المندرجة تحت الفلسفة او الدين او التاريخ او المجتمع . وليس الغرض من هذا الكتاب هو وضع الرجل في قفص الاتهام واصدار الاحكام ضده ولكن الغرض الاساسي هو محاولة فهم الاسباب التي ادت الى تشويه حياة الرجل والنساء معاً ومحاولة القضاء على هذه الاسباب من اجل بناء مجتمع افضل وأسرة افضل وحياة اكثر سعادة وعدالة وحباً . انه كتاب غاية في الاهمية لموضوع شائك وشيق .
¤ الوجه العاري للمرأة العربية
وهو الكتاب الرابع ضمن سلسلة كتب نوال السعداوي حول فهم ماهيات الجنس وعلاقتها بالعقلية المجتمعية العربية ، وفيه تشير الى ان الثقافة العربية والاسلامية ليست هي الثقافة الوحيدة التي حولت المرأة الى سلعة او عبدة ولكن الثقافة الغربية والمسيحية ايضاً فعلت ذلك ، بل ان قهرها للمرأة كان اشد وافدح .
اضطهاد المرأة لا يرجع الى الشرق او الغرب او الاسلام او الاديان ولكنه يرجع اساساً الى النظم الطبقية الابوية في المجتمع البشري كله .
المرأة ليست ناقصة العقل عن الرجل كما يعتقد الكثيرون ولكن التاريخ يدلنا على المرأة سبقت الرجل في التفكير بعقلها ، هي التي بدأت المعرفة في تاريخ البشرية وكانت الالهة الاولى للمعرفة امرأة هي ازيس ومن قبلها كانت حواء .
وفي تراثنا العربي الاسلامي ايجابيات يجب البحث عنها واظهارها وتقويتها اما السلبيات فيجب علينا ان نتركها بشجاعة وفهم ، وتعتمد قضية تحرير المرأة على الجمع بين ايجابيات التراث القديم وايجابيات الفكر المستحدث .
¤ المرأة والصراع النفسي
في هذا الكتاب تتناول نوال السعداوي العصاب كمرض نفسي ، وتشير الى انه قد لا يكون شديداً الى الحد الذي يعطل المرأة عن عملها او روتين حياتها اليومية . وقد لا يدفع المرأة الى الذهاب الى طبيب نفسي وقد تعيش به المرأة وتموت به دون ان يدري من حولها انها مصابة بالعصاب بل دون ان تدري هي نفسها انها مصابة بالعصاب او اسباب تلك الكآبة التي تشعر بها من حين الى حين او اسباب ذلك الصداع المستمر في رأسها او ذلك الارق في بعض الليالي ..
لقد ادركت المؤلفة الحاجة الشديدة الى ان نبدأ في دراسة العصاب الذي تشكو منه النساء والفتيات والذي يمثل ظاهرة جديدة بين النساء وخاصة المتعلمات .
¤ اخيراً ..
ان اي مثقف او مفكر او قارئ عادي قد يوافق نوال السعداوي في ارائها وقد يختلف معها الى ابعد الحدود ، ولكن من الصعب تجاهلها واهمال تجربتها ، فهي بحق مقاتلة صدامية ، وصداميتها نجدها في كل كتاب من كتبها .. ولاسيما المشروع الذي تناولت فيه الجنس في العقل الذكوري والعقل الانثوي العربيين .. وما ترتب عليه من نتائج سلبية رسمت مسار سلوكياتنا الاجتماعية وقابلياتها الذهنية ودرجة اخلاقياتنا ..
¤ التوثيق …
نوال السعداوي:
المرأة والجنس ـــ ط3 ـــ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـــ بيروت ـــ 1974.
الانثى هي الاصل ـــ ط1 ـــ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـــ بيروت ـــ 1974.
الرجل والجنس ـــ ط1 ـــ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـــ بيروت ـــ 1976.
المرأة والصراع النفسي ـــ ط1 ـــ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـــ بيروت ـــ 1977.
الوجه العاري للمرأة العربية ـــ ط2 ـــ مكتبة مديولي ـــ القاهرة ـــ 2006.
قراءة في كتاب المرأة والجنس ـــ باسنت موسى ـــ موقع الحوار المتمدن ـــ العدد 2146 ـــ 31/12/2007.