23 ديسمبر، 2024 5:41 ص

نهاية عصر الشيعة / 4

نهاية عصر الشيعة / 4

المسعى الأهم الذي لا يزال يعمل عليه التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي بمزيد من القوة، يتمثل في تفكيك قواعد ((عصر الشيعة)) الخمس الرئيسة في الشرق الأوسط: إيران، العراق، لبنان، سوريا، اليمن، ومعها القواعد الثانوية: البحرين، شرقية السعودية، وسلخها عن بعضها، وتصنيفها جغرافياً ومناطقياً و قومياً، بهدف الإستفراد بكل منها، وتمزيقها محلياً وإقليمياً، لأن تماسك قواعد الصعود الشيعة و وحدة مساراتها العامة هو عنصر القوة الأساس لصعود الواقع الشيعي، منذ العام 1979 وحتى الآن. ولذلك فإن مدخل تحقيق التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي لهدف إنهاء عصر الشيعة هو سلب الشيعة أهم عنصر قوة لهم، عبر تمزيقهم داخلياً، وتشتيت مساراتهم، وصولاً الى إطلاق شرارات معارك متنوعة، في داخل القاعدة الواحدة، و بين قاعدة وآخرى.
والمفارقة، أن التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي، في الوقت يصف العلاقات بين قواعد الصعود الشيعي بأنها علاقات طائفية تتعارض مع الإلتزام الوطني والقومي، فإنه يتعامل مع قوى الصعود الشيعي على أنها مسار واحد ومساحة عمل مشتركة، ويتحرك لتنفيذ ستراتيجيته على محورين:
المحور العام، الذي ينفذ فيه التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي مخططاته لضرب قواعد الصعود الشيعي مجتمعة، أي ضرب الواقع الشيعي برمته، دون فرز مكوناته الوطنية والقومية.
المحور الخاص بكل بلد، إذ يقوم التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي بضرب كل قاعدة صعود شيعي بمفردها.
كما ينفذ التحالف مخططاته ـ أحياناً ـ في إطار عمل مشترك، أي تشترك فيه الأجهزة الأمريكية والإسرائيلية والسعودية معاً، في إطار لجان مشتركة دائمة أو مؤقتة. و ـ في أحيان أخرى ـ تقوم كل حكومة من الحكومات الثلاث بتنفيذ مخطط خاص بها، ضد قاعدة شيعية معينة أو أكثر.
فعلى مستوى العراق، يعمل التحالف ـ من جهة ـ على خلق مجموعة معقدة من الفتن والمعارك السياسية والايديولوجية والطقسية والإجتماعية بين الجماعات السياسية والدينية ومختلف مكونات المجتمع الشيعي، ويعمل ـ من جهة أخرى ـ على خلق توترات متنوعة بين المكونات الشيعية العراقية والجارة الشيعية إيران، بذرائع عنصرية، وخطاب مناطقي. وبمراجعة لتقرير السفير الأمريكي السابق في لبنان والكويت وسوريا وأفغانستان والعراق ” ريان كروكر”، في العام 2017، والمعروف بتقرير “مجموعة مستقبل عمل العراق” لمرحلة ما بعد داعش، والمناقشات التي قادها “كروكر”، سيدرك خطورة ما يتم التخطيط له في هذا المجال.
وبموازاة ذلك، يتم قطع أي تعاون بين الواقعين الشيعيين العراقي واللبناني، أو مع البحرين وسوريا. وهو مايتم تنفيذه حيال شيعة البحرين ولبنان أيضاً. وبالنتيجة سلخ كل من العراق ولبنان والبحرين من محيطها الداعم، والاستفراد بكل منها طائفياً وسياسياً، و ذبح شيعتها بسيف القومية والوطنية، كما كان يفعل نظام البعث بشيعة العراق، وكما كان النظام اللبناني بشيعة لبنان حتى قبل أربعة عقود، وكما يفعل النظام البحريني اليوم بالأكثرية السكانية الشيعية، أو ما يفعله النظام الوهابي السعودي بشيعة البلاد.
وتتم عملية شرذمة القواعد الشيعية وتمزيقها، وخلق بؤر التوتر والأزمات داخلها، عبر دعم الجماعات المسلحة التكفيرية، والضخ المالي الهائل، وشراء الذمم، و استخدام مختلف وسائل التحشيد الإعلامي والدعائي، و التآمر السياسي والمخابراتي. وحين نتأمل في الخطاب السياسي والدعائي للتحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي، نجده يركّز على تحويل أي لون من العلاقة بين الشيعة العرب وإيران الى معادلة ممنوعة بالمطلق، وصولاً الى تحسيس الشيعي العربي بحالة الرعب والاتهام والخيانة إذا فكّر حتى بعلاقة معنوية بشيعة إيران. وفي المقابل يعمل هذا الخطاب على توصيف علاقة القوى السنية في المنطقة بالنظام السعودي، بأنها علاقة طبيعية وضرورية.
وبصرف النظر عن تعقيدات هذا الموضوع، فإن مساعي التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي في هذا المجال، نجحت الى حد كبير في تحقيق أهدافها. فمثلاً نجد أن القوى السنية في العراق ولبنان والبحرين تتحالف بشكل علني مع أجهزة الحكومة السعودية، بل وتفتخر وتستقوي بهذا التحالف والدعم، دون أن يعترض الشيعة على ذلك، أو تعترض الدولة؛ فذلك ليس معيباً ولا خيانة وطنية، بل هو تكافل وتكامل وتكاتف طبيعي!، على اعتبار أن النظام السعودي هو حامي الحرمين. بل وتعمل السياسة الخارجية الأمريكية والإسرائيلية، ودعايتهما، على زرع هذا الفهم في عقول المسلمين، وتكريسه وتنميته.
وفي مقابل خلق أعقد حالات العداء لإيران، فإن التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي بات ينجح في تحسين صورة الكيان الإسرائيلي، وتصوير العلاقة معه بأنها نوع من التعامل مع الأمر الواقع، بل هي ضمانة للأمن الطائفي العربي في مواجهة ((عصر الشيعة)) كما ذكرنا في الحلقات السابقة.
إن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ودعم نماء بلدانها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، واحترام حقوق إنسانها وحرياته، يواجَه بالمزيد من العقبات، وفي مقدمها الإصرار على ممارسة استراتيجية التمييز الطائفي بكل ألوانه، وتسطيح مفهوم المقاومة، وتحكيم المعايير المزدوجة في التعاطي مع القضايا. وهي عقبات يمسك بها ويجذّر وجودها في الارض التحالف الأمريكي- الاسرائيلي- السعودي، الذي يعمل على سلب أي حقوق لقوى التغيير والممانعة الشيعية، لا سيما في العراق وإيران ولبنان وسوريا واليمن والبحرين وشرقية السعودية، وتجفيف منابع القوة لديها. وبالتالي فإن هذا التحالف المهاجِم، إن لم يواجَه بالقوة العلمية والتكنولوجية والسياسية والإقتصادية والتنموية والتسليحية والمعلوماتية والإعلامية الرادعة التي تعادله كماً ونوعاً، فإنه لن يتراجع عن تشكيل شرق أوسط جديد؛ يكون فيه الشيعة المكوّن الأكثر ضعفاً وتمزّقاً، وصولاً الى تحقيق حلمهم في (( نهاية عصر الشيعة)).