بصرف النظر عن حجم الفشل وسوء الإدارة والفساد الذي تسبب في إفشال جزء مهم من مشروع الصعود الشيعي في العراق بعد العام 2003، والإرهاب المنظم والتآمر السياسي والمخابراتي والإعلامي لمختلف الأطراف الطائفية المحلية والإقليمية، ضد هذا المشروع التاريخي المصيري، وكذلك إصرار الطرف الأمريكي على فرض مشروعه السياسي والثقافي؛ فإن العراق ـ في المحصلة النهائية ـ تجاوز بعد العام 2003، مرحلة نظام طائفي شوفيني عمره مئات السنين، وتحول الى دولة شراكة بين مكوناته، وأعطى للمكون الشيعي جزءاً من حقه في الحكم، وهو ما جعل من هذا المكون بؤرة أسياسية للاستهداف الإقليمي الطائفي، لأن المنظومة الإقليمية الطائفية لا تستطيع التأقلم مع واقع الصعود السياسي الشيعي في العراق، والذي أصبح الفاعل الأبرز في العملية السياسية وفي تحديد مضمون الحكم وشكله، فضلاً عن قدرته على تفتيت المشروع الأمريكي في العراق من داخلة وخارجه، وإخراج القوات الأمريكية والأجنبية، برغم كل الإتهامات التي ألصقها المحيط المحلي والإقليمي الطائفي والعنصري بالمكون الشيعي.
و لم يقتصر الاستهداف الطائفي والعنصري المحلي والإقليمي على المرجعية الدينية والجماعات السياسية والمؤسسات المدنية، بل تعداه الى الإنسان الشيعي وحياته ووجوده ومصادر عيشه. والمفارقة أن يلتقي تآمر المحيط الطائفي والعنصري لضرب شيعة العراق، مع نتائج فشل وسوء إدارة وفساد بعض الكتل السياسية الشيعة و مسؤوليها. حتى بات الإنسان الشيعي بين فكي كماشة التآمر وسوء الإدارة.
وبات نخر الصف الشيعي من داخله، والتآمر على وجود قواه الأصلية، وإضعاف المرجعية الدينية، و الدعم السياسي والمالي والإعلامي لشخصيات وكيانات شيعية تمثل ضداً نوعياً، وتجفيف منابع الحياة، والمبالغة في تصوير مظاهر الفشل والفساد، هي من أولويات التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي. إضافة الى المساعي الكبيرة لهذا التحالف في تفتيت أي علاقة ايجابية بين الواقع الشيعي العراقي مع إيران وحزب الله اللبناني والحراك الشيعي البحراني، وعموم الشيعة في الخارج، بهدف عزل شيعة العراق والاستفراد بهم، كما كان يحصل خلال حكم البعث، حين كان شيعة العراق مكشوفي الظهر بالكامل، ويتعرضون لأبشع ألوان الإبادة الجماعية والتمزيق الإجتماعي والاستلاب الثقافي والتدمير النفسي. وقد نجح الثالوث الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي ـ نجاحاً نسبياً حتى الآن في هذا مجال إيجاد نوع من الحواجز النفسية، من خلال استخدام مختلف وسائل القصف الدعائي والإعلامي، والتآمر المخابراتي، والضخ المالي الهائل، في خلف حواجز نفسية. وهو ما يعبر عنه بعض السياسيين والناشطين الإعلاميين والمدنيين الشيعة في المحافل السياسية وسائل الإعلام ووسائل التواصل. وهو برغم قلتهم العددية، إلّا أن مايمتلكونه من وسائل التاثير والتعبئة المنظمة، مايجعل صوتهم عالياً جداً، لا سيما أنهم يستثمرون أساليب التأثير الدعائي البعثي، وشعاراته وأدبياته الموروثة الجاهزة، ولا سيما دعاية الكراهية والإنعزال والشوفينية والعنصرية التي كان يستخدمها نظام صدام خلال حربه مع إيران (1980 ـ 1988).
إلّا أنّ المحصلة النهائية في الصراع بين الثالوث الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي من جهة، وشيعة العراق ومرجعيتهم الدينية وقواهم السياسية والثقافية وداعميهم الإيرانيين من جهة أخرى، لاتزال لمصلحة الصعود الشيعي وبفارق كبير جداً في مستوى الإنجاز، لأن الوجود الديني السياسي الإجتماعي الشيعي في العراق هو الأصيل واللصيق بحقائق الأرض، بينما يظل التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي غريباً عن العراق بكل التفاصيل والمعطيات.
كما أن حجم التآمر الدولي والإقليمي الطائفي من جهة، وكثير من الفشل وسوء الإدارة، لا يقلل من ضخامة الإنجاز السياسي والاجتماعي والثقافي النوعي الذي حققه المكون الشيعي خلال الخمسة عشر عاماً الماضية (وسنوضح في حلقات قادمة تفاصيل هذا الإنجاز النوعي التأريخي بالأرقام والوثائق، بالمقارنة الى الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي لشيعة العراق قبل العام 2003).