23 ديسمبر، 2024 12:35 ص

نهاية عصر الشيعة / 1

نهاية عصر الشيعة / 1

لم يكن مستشار الأمن القومي الأمريكي “جون بولتون” يمزح حين أكد بأنه سيحتفل في شباط 2019 في طهران بسقوط نظام الجمهورية الإسلامية. وكان بذلك يبعث رسائل إطمئنان الى إسرائيل والسعودية والأنظمة الإقليمية الطائفية بأن الشرق الأوسط سيخلو خلال العام 2019 من (التهديد الشيعي)، بطبعاته الإيرانية والعراقية واللبنانية والسورية واليمنية. فالمقاصد الأمريكية تعد طهران محور (الصعود الشيعي) و قاعدة (عصر الشيعة)، فإذا انهارت هذه القاعدة انهار عصر الشيعة، وعادوا الى عصر الإنزواء والتهميش والقمع، كما كانوا قبل العام 1979. ولذلك، فإن ستراتيجيا “دونالد ترامب” وحليفيه “نتن ياهو” ومحمد بن سلمان في ضرب (التهديد الشيعي) لا تركّز كثيراً على ضرب المحاور المحلية الشيعية، أو ما يسمونه أجنحة محور المقاومة في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحرين وغيرها؛ بل على ضرب رأس المحور وتدميره، والمتمثل بإيران، وحين يقطع الرأس، تموت الاجنحة تلقائياً، وحينها سينتهي (عصر الشيعة) كما يقولون. وهو ما عبّر عنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بقوله: (( سننقل المعركة الى داخل إيران)).
وقد عبّر وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” في 6 شباط الجاري، في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، عن هذا الحراك الأمريكي السعودي الإسرائيلي في المنطقة ضد محور الصعود الشيعي بكل وضوح، بقوله: (( نعتقد أن تشكيل تحالف كالناتو في الشرق الأوسط ضد إيران، بات وشيكاً، ولم يتبق سوى الإتفاق على التفاصيل. إن جميع دول المنطقة تدرك أن وجود هذا التحالف هو في إطار مصالحها)).
والحقيقة، أن تاريخ التحالفات في الشرق الأوسط لم يشهد يوماً هذا التعاضد المركّز بين القوى الدولية والإقليمية والمحلية؛ لاستهداف الواقع الجديد الذي تشهده المنطقة منذ العام 2003. و قد يشبّه بعض المراقبين هذا الوضع بالتحالفات التي استهدفت الإيرانيين بعد انتصار ثورتهم في العام 1979. ولكن تحالفات اليوم هي الأكثر خطورة والأكبر عدّة وعدداً على الإطلاق؛ لأن المستهدف لم يعد مجرد نظام سياسي أو مد فكري أو تأير آيديولوجي؛ بل المستهدف هو الإنسان الشيعي و عصره.
يقوم التحالف “الترامبي” العلني على ثلاث ركائز أساسية: حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الاسرائيلي والمملكة السعودية، وترافقهم ركائز ثانوية. ويستهدف هذا التحالف ثلاث ركائز أساسية متقاربة: إيران، شيعة العراق وشيعة لبنان، فضلاً عن ركائز ثانوية؛ ولا سيما شيعة البحرين وشيعة اليمن.
وليس عبثاً ان تزيد هذه التحالفات من حدّة شراستها يوماً بعد آخر، فالقوى الشيعية – برغم عدم وحدة مساراتها أحياناً – تعمل بدأب على تغيير الثوابت السياسية والطائفية السائدة في المنطقة منذ مئات السنين، ومعها موازين القوى والتجاذبات والاصطفافات. فإيران ـ مثلاً ـ باتت القوة الإقليمية الأولى في المنطقة، وإحدى القوى العالمية السبع الكبرى. ورغم تأكيدات مسؤوليها بأنهم لا يتدخلون في الشأن الداخلي للدول الأخرى، أو في دعم الشيعة وجماعات الممانعة في الدول الأخرى، إلاّ أن مجرد وجود قوة إسلامية شيعية مهابة؛ هو ظهير معنوي كبير للشيعة ولكل قوى الممانعة في المنطقة.
ومن هنا سيظل التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي يعمل بتركيز على ضرب هذه القوة في الصميم في وضعها السياسي الداخلي، وفي تطورها العلمي والتكنولوجي، وفي نفوذها المعنوي الخارجي، وفي كل منابع القدرة التي تمتلكها. وإذا كان الناتو الشرق أوسطي الجديد المضاد لمحور الصعود الشيعي، سيفشل في مساعيه العسكرية والسياسية؛ فإنه ربما سينجح عبر القصف الإعلامي والدعائي المكثف، في تكريس معادلة مختلفة في عقول بعض العرب، تتلخص في أن أسرائيل هي صديقة العرب وحليفتهم، و أنها تمثل ضمانة أمنية لأنظمة المنطقة، في مقابل قوى الصعود الشيعي. أما العدو الحقيقي للأنظمة العربية فهي إيران وقوى الصعود الشيعي في العراق و لبنان تحديداً.
وبالتزامن مع ذلك، سيكرس الحلف الأمريكي – الإسرائيلي ـ السعودي نجاحه النسبي في تفكيك مسارات الشيعة في بلدان الصعود الشيعي، و لاسيما في العراق، للحؤول دون أي تحالف حقيقي بين القوى الشيعية الممانِعة في المنطقة، من خلال استقطاب بعض رموزها عبر زرع القناعات الوهمية أو الإستغفال أو شراء الذمم. فضلاً عن محاولات حرف الرأي العام الشيعي العراقي باتجاه العداء لمحور المقاومة وإيران. وهو ماتنفذه فيالق سياسية وفرق مخابراتية وجيوش الكترونية ضخمة في عددها وعدّتها، مرتبطة بالأجهزة الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية والسعودية ( وهو ما سنفصله في الأقسام القادمة من سلسلة المقالات هذه).