كانت سجلات المخاوف الطائفية والاثنية أو العرقية الحافلة بالمآسي والآلام وذكريات حملات الإبادة الجماعية,مخاوف مشروعة بعد سلسلة من التجارب المرة من ظلم الحكومات الطائفية المتعاقبة على حكم العراق,وبعد الفرج الإلهي الذي خلصنا من النظام البعثي البائد,
فتحت خزائن دول البترودولار الخليجية على مصراعيها لتمويل الجماعات الإرهابية المقاتلة في العراق,والتي انتقلت مؤخرا إلى بلاد الشام لتنفيذ المخططات الصهيونية-الأمريكية لكسر طوق الدول الممانعة والجماعات المقاومة الرافضة لسياسة التطبيع ,أو توقيع وثائق الاستلام وبيع الأرض العربية,
ولذلك أعطي للمكون الكردي حقوقا لم يكن يحلم بها من قبل,وأصبح شريك منافس في بناء العملية السياسية ,ولاعب مهم في تعطيل أو تمرير المشاريع الاتحادية والحكومية,تقاسم المناصب الحساسة في الوزارات السيادية,ادخل عناصره في كافة المؤسسات والأجهزة الأمنية
(الدفاع والداخلية والمخابرات والاستخبارات الخ.),هذا فضلا عن انه أشرك العديد من كوادره(التحالف الكردستاني)في بقية المؤسسات والمديريات والهيئات واللجان الحكومية والبرلمانية(السفارات والقنصليات -مفوضية الانتخابات-المحكمة الاتحادية –اللجنة الاولمبية الرياضية-هيئة النزاهة الخ.),
ومنح موازنة كبيرة (17%من الموازنة الاتحادية إضافة إلى نفط كردستان المهرب ,والذي كان سببا لاندلاع الحرب المعروفة بين الغريمين التقليديين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي 1996)تخص ثلاث محافظات (اربيل السليمانية دهوك),تقل مساحتهن عن مساحة أي محافظتين من محافظات الجنوب العراقي(بعد عزل الأرض الجبلية عنها طبعا),
كل ذلك جرى من اجل ان تهدأ ثائرة الشعارات والانفعالات الانفصالية الكردية, التي رافقت الحركة الكردية منذ انطلاقها في أواسط القرن الماضي,
وان تنعم المحافظات الشمالية وكل ارض العراق بالأمن والأمان,وتنفتح كل مدننا على الحياة الطبيعية البعيدة عن الكوارث والأزمات والحروب,
فتنازلت الكتلة البرلمانية الأكبر ,والممثلة لغالبية الشعب العراقي(والتي تخص المكون الشيعي),عن الكثير من حقوقها الدستورية والقانونية والشرعية في قيادة وحكم العراق ديمقراطيا,فصارت سفينة الوطن لاتسير, إلا بتوافق الزعامات الثلاث الممثلة للمكونات الشيعية والسنية والكردية,
واجبر العراقيون العرب على إدخال اللغة الكردية كلغة رسمية ثانية(وقد أدخلت إلى المدارس مع إنها لغة محلية محكية مختلف على أبجديتها) ,ومن ثم تغيير العلم العراقي,وتنفيذ مطالب كثيرة أثارها الإخوة الكرد كان أخرها فيما يتعلق بالنشيد الوطني ,وصك العملة العراقية المفترضة مستقبلا,
هذه الإجراءات والخطوات العشوائية فتحت شهية بقية المكونات والأقليات البسيطة لطلب والبحث عن حصصها من الحكم والمشاركة إدارة البلاد,
مع إن هذه الأمور قد تكون جزء من الاستحقاقات الديمقراطية المشروعة,لكنها من جهة أخرى قد تكون بلاء ومرض قاتل يصيب وحدة وسلامة العراق,فتجعله دولة بلا مركز ,وبلا حكومة موحدة ,تتقاسمه العرقيات والطوائف والأقليات,بينما تعد قدسية المواطنة الخالصة احدى ركائز الأنظمة الديمقراطية المستقرة
اما بخصوص قدرة السيد رئيس الوزراء المالكي في إقناع المكون السني بأنه أكثر المكونات ضررا من اتساع خطر الانفصال الكردي,فقد نجحت جهوده إلى حد كبير, لإفشال الطموحات الشخصية لبعض قيادات العراقية المدفوعة الثمن(من الخارج محور تركيا-الدول الخليجية),
فقد بدأت القائمة تترنح على وقع الانسحابات الكثيرة من قبل أعضائها, والذين ندعوهم إلى التحالف الوطني الأخلاقي مع رئيس الوزراء وكتلته المقاومة لمشروع تدمير الدولة العراقية وانهيارها,
مما جعل الحديث عن المكونات الطائفية ضعيفا جدا,وأصبحنا نسمع لغة وطنية جديدة ,تتحدث باسم المكون العربي في مقابل المكونات العرقية الأخرى,وهذه احدى ثمرات لعبة سحب الثقة الفاشلة التي حطمت القائمة العراقية
ماذا يريد السيد مسعود البرزاني من الحكومة المركزية أو العراق؟
يبدو انه لايريد شيئا محددا ,يريد فقط ان يستمر في لعبة خلق الأزمات مع الحكومة المركزية,في عملية باتت مكشوفة للشعب الكردي,الغاية منها تصدير فضائح الفساد التي أٌشر عليها من قبل وزارة النفط العراقية,
وكذلك تزايد الرفض الشعبي الكردي لعملية التوريث المتبعة من قبل الأحزاب الكردية المتنفذة في المحافظات الشمالية الثلاث,
فالمتابع للتصرفات الاستفزازية القادمة من إقليم كردستان ,يشعر إنها أقوى من الحكومة المركزية,بل تتعامل كدولة مستقلة لاتحترم الدستور وتسخر منه ,ومن القانون العراقي ,أوت هاربا من وجه العدالة ومتهم بقضايا إرهابية(المتهم طارق الهاشمي),مارست عمليات تهريب النفط,
وأقامت علاقات دبلوماسية وتجارية مع بعض الدول الأجنبية دون الرجوع للمركز,عقدت صفقات ومشاريع استثمارية كبيرة خارج صلاحيتها مع شركات النفط العالمية,التهديد المستمر لمخالفة الدستور بتكرار الاعلان عن فكرة الاستفتاء حول حق تقرير المصير,التدخل في محافظة كركوك,السماح للمسؤولين الأجانب بزيارة الإقليم دون معرفة الحكومة العراقية(كزيارة وزير الخارجية التركي اوغلو المثيرة للجدل والمخالفة للدبلوماسية الدولية),التورط في العلاقة مع الجماعات الكردية المصنفة على قائمة الإرهاب دوليا في الصراع الدائر في تركيا سوريا الخ.
الشعب العراقي سئم من هذه التصرفات ,ويريد حلا للازمة الكردية,مع إننا ذكرنا في أكثر من مناسبة إن حل الدولة الكردية لن يأتي من بغداد,
بل عن طريق الحل الدولي الشامل, والذي يعتمد بالأساس على قوة إرادة الأطراف الباقية في منح الأكراد دولة خاصة بهم(تركيا وإيران وسوريا),وهذه المسألة تعد من المستحيلات المطلقة,لان الحجج والقضايا التي يعتمد عليها لنيل الانفصال ,قضايا مختلفة تماما(الاتحاد السوفيتي-يوغسلافيا السابقة-دولة السودان الخ.),تلك مناطق لشعوب وليست لعرقيات أو قوميات,وتلك الدول التي انفصلت هي أصلا عبارة عن دول مختلفة داخل دولة المركز,
ولم تكن جغرافيتها (الطبيعة الطبوغرافية وحتى الديموغرافية لتلك الدول ومجتمعاتها)أي أراضيها التاريخية عبارة عن مجموعة جبال متجاورة لأربع دول حضارية معروفة,بحيث يمكن لاي دولة من هذه الدول ان تدعي إن الحدود الطبيعية للمكون الكردي لاتمتد إلى تلك المناطق السهلية المزعومة أو المسكونة حاليا,
إنما هي تكونت (اي مجتمعاتها) بالقرب من السلاسل الجبلية المترابطة,ومن ثم امتدت إلى بقية المناطق,وهذه عملية معقدة ومتشابكة لاتخدم مصالح ومكاسب الشعب الكردي,
إن الغايات والأهداف الشخصية والفئوية والعرقية معروف عنها إنها تذوب في دولة المواطنة, إلى إن تختفي إلى الأبد,
العالم يسير في قريته الكونية إلى تدمير تلك الحواجز والفواصل الاجتماعية المسماة بالهوية الخاصة لأي امة كانت,أو شعب أو قومية معينة,الكل سواسية أمام القانون والدستور,والجميع يجب ان يتمتع بالحقوق والامتيازات, ويأخذ دوره في بناء الوطن .
إن التصعيد الأخير والمترافق مع الأحداث السورية الجارية,والتدخل الكردي(العراقي)والتركي لفتح جيب للمقاومة المسلحة في المناطق الحدودية,أمر يجب ان تقف عنده الحكومة والبرلمان العراقي,لما فيه من خطورة بالغة ,تهدد الأمن والاستقرار في كلتا الدولتين(العراق وسوريا),
مع العلم إن الرأي العام الرسمي والشعبي لايوافق على مثل تلك التدخلات,ولايقبل ولا يؤيد التصرفات والتصريحات والرسائل الاستفزازية التي تبعثها المعارضة السورية,وذلك عبر عدة ممارسات عدوانية قامت بها مليشياتهم العراقيين المقيمين في سوريا,وإطلاق فتاوى تكفيرية تستهدف شيعة سوريا والعراق معا,فلماذا يصر الجانب الكردي-السيد مسعود البرزاني على التدخل المباشر في الأزمة السورية!
الحكومة العراقية مدعوة في هذا الوقت الحساس بالرجوع إلى البرلمان ,والى قواعدها الجماهيرية لتغيير أسلوب إدارة الدولة,وطرح مفهوم إعادة النظر بفكرة إقامة نظام الأقاليم في الوقت الحالي(كأن يستبدل بنظام فيدرالي متعدد أي كل محافظة واحدة يحق لها إقامة نظام فيدرالي ,وليست مجموعة محافظات مجتمعة, لأنها قد تكون لبنة من لبنات الانفصال),
والاتجاه إن دعت الضرورة لحل البرلمان ,وإعلان حالة الطوارئ لفترة محددة,واستغلال فترة الإعداد لانتخابات جديدة,
لتعديل قانون النظام الفيدرالي, وبعض مواد الدستور المثيرة للجدل,وألا فأن مصير النظام السوري ونهايته سيؤثر حتما على وضع العراق , وسيحدد العلاقة بين إقليم كردستان والتدخلات التركية في المنطقة من جهة وبين الحكومة المركزية,
لايمكن لنا ان نبيع الأرض في مقابل السكوت عن نزوة فاشلة لبعض المرتشين ,الذين لاتهمهم وحدة وسلامة الأراضي العراقية,
أو ان نكرر مأساة الشعب الفلسطيني,
وعلى الإخوة الأكراد وبالأخص الحزب الديمقراطي ,ان يعرفوا إن العراق ليس لقمة سائغة لكي يباع إلى الأجنبي بسهولة,وان كان هذا الأجنبي مسلما ,
أو يكون مرتعا ومحطة مفتوحة للمخابرات الدولية, تعبث به وتلعب بأمنه كيفما تشاء…