22 ديسمبر، 2024 9:36 م

نهاية الشعب العراقي

نهاية الشعب العراقي

تموت الحضارات، وتذوي، وتتحول الى ذكريات وحفريات ومرويات وأساطير ورؤوس لملوك وحكام جبابرة منحوتة على الصخور، وبقايا لقى وفخاريات ومعابد وآلهة يغطيها التراب، وتحيطها خيوط العنكبوت العابث، بينما تتسلل الأفاعي والعقارب الى قبور عظمائها، وتمر من خلال العظام النخرة، وتلتف عليها، وتبدو الرائحة حادة في المقابر المنزوية، والموغلة تحت الرمال، أو في الكهوف، بينما الحكام الجدد يكذبون ويربطون أنفسهم بالحكام الغابرين الذين كانوا يسخرون من شعوبهم، ويذلونهم، ويمسحون بهم بلاط قصورهم، ويحولونهم الى عبيد تارة، والى خدم وحشم وأعوان تارة أخرى.

إنهارت حضارات وادي الرافدين، وبقيت حكاياتها، وإنهارت حضارات الفرس والروم والترك والصينيين، وحضارات أمريكا الجنوبية وأفريقيا العظمى، وصارت حكايات تافهة تلوكها الألسن، أو تتعتق في المرويات والكتب العتيقة، وقد تحاول دول أن تعيد قيامة تلك الحضارات، ولكنها تفشل برغم من ظهور زعماء وقادة حمقى يتلفعون بثياب الجبابرة والأبطال القوميين الذين يعلنون إنهم عائدون لحكم العالم، ولكنهم يتجاهلون إن الحضارة التي تموت لاتعود حالها حال النبات والحيوان والإنسان. فالموت مثل كتلة من الغيوم عملاقة تمر فتغطي السهول، وتبللها، ولاتترك منها مساحة إلا وخرقتها بالرطوبة والبرد والطين.

مثلها مثل الحضارات والحيوانات والنباتات والأمم الغابرة من الديناصورات تموت الشعوب، وتنتهي، وتقوم على إثرها شعوب أخرى قد تكون وافدة بموجات هجرة غير مسبوقة، أو أن تقوم تلك الشعوب من نفس البلدان التي مات فيها السابقون وإندثروا، وفي العراق كانت هناك حضارات وحكام وأباطرة وتاريخ وتواريخ وروايات وأساطير وأنهار ومرويات لاجف عنها أحبار الرواة لأنها تتجدد ولكنها لاتلتقي ومصالح الشعب الذي يعيش اللحظة فلا هو إنتفع من الماضي، ولاهو يعيش الحاضر بإحترام، ولاهو على أمل من الغد المظلم، أو المشرق بحسب حجم التفاؤل، والتصورات التي تنطبع في وجدان وعقل كل إنسان.
أغلب الحضارات تقوم على جماجم الفقراء والمعوزين الذين يبنون ويعمرون ويخدمون ويحاربون، وقد نصفهم بالأبطال دون أن يكون لبطولتهم من أثر سوى إنهم يتركون نساءهم وأطفالهم يصارعون الجوع والحاجة، بينما يتنعم الحكام والمسؤولون وزوجاتهم وأولادهم بالأمان الذي صنعه الضحايا والفقراء الذين لايقبضون شيئا سوى الكلمات والأكاذيب المعلبة والمزينة بأشكال من الزينة التي يقبض ثمنها الخونة والفاسدون وأمراء الحرب، والأشخاص الذين يقدسهم الناس، وهم في سرهم يسخرون منهم ككهنة معبد آمون.
نهاية الشعب العراقي العظيم هي إنه توزع بين عدة طوائف دينية مبغضة لبعضها، وقوميات تريد الفكاك عن بعضها، وعشائر تتفاخر بالهوسات والصراعات والثارات وقتل النساء والتنابز بالألقاب والمفاخر الغابرة التي لاتغني ولاتسمن.
هناك شيعة وسنة وأيزيديون وصابئة ومسيحيون، وهناك عرب وكورد وتركمان وداغستانيون وشبك، وهناك لغات وثقافات وتضاريس وتاريخ وطموحات وصراعات سياسية ومناطقية وبلاوي لاحد لها، ولكن أين هو الشعب العراقي ضمن هذه المسميات؟ لقد إنتهى لأنه إنهزم أمام المسميات.