ما يجري في الحياة المعاصرة , أن موجة من الأفكار العَدمية تجتاح شبكات الإنترنيت وتجتذب الكثيرين إليها , وتقنعهم بأن الدنيا فانية وعلى وشك النهاية الحتمية , وعلاماتها كذا وكذا , ودلالاتها كذا وكذا , وهي شائعة في جميع الأديان , وما يجمعها جميعا أن الحياة ستنتهي في غضون أيام , أسابيع , أشهر أو ساعات , بل أن بعضهم ينادي بتأريخ محدد , وعندما يمضي ذلك التأريخ , يأتيك بذريعة , ووفقا لهذه الأوهام وربما الألاعيب , يقدم المُغرر بهم على أعمال وسلوكيات لا تخطر على بال , وما عهدتها البشرية من قبل.
وموضوع نهاية الدنيا , وَهْمٌ بشري يتكرر منذ ملايين السنين , لكن أصحابه ذهبوا والدنيا باقية , ومتواصلة إلى أبد الآبدين , وما حوّله إلى محنة معاصرة شبكات التواصل الإجتماعي , المتمكنة من الأدمغة والنفوس.
فالدنيا باقية , لأن طاقات الأكوان ذات معايير وقوانين ثابتة محكمة , خالدة الفعالية والتأثير , وما ينتهي هو المخلوقات التي تبقى بالتوالد , ولا تختفي وإنما تتواصل بنسخ متجددة ومتعددة.
إن مفهوم نهاية الدنيا من الأوهام العَدمية التي يصرّح بها المبلسون اليائسون , الذين يبثون الأفكار السوداوية لينتقموا من الحياة , لأنهم محقونون بالمشاعر السلبية والصِفرية , أي كل ما فيهم وما حولهم , في وعيهم , يساوي صفرا.
إنهم يريدون محق الحياة وإزالة ملامحها , وهذا وَهْمٌ تحقيقه محال , لأن الأرض باقية والحياة خالدة , وهي تدور وتتبدل منذ الأزل وفي أبدية مقفلة وثائبة وصلدة لا تنال منها أفكار وأوهام اليائسين.
والعجيب في أصحاب هذه الأفكار ومروجيها , أنهم لا ينفذونها وإنما يسخّرون الآخرين ويستخدمونهم لتنفيذها , فقادة هؤلاء يتنعمون بتحقيق أقصى رغباتهم وغرائزهم , ويجندون الآخرين للموت في سبيل أفكارهم السوداء , التي يبثونها وكأنها الستارة الحديدة التي تحجب الآخرين عنهم , فيمضون في غيهم وفسادهم وملذاتهم , وغيرهم يُحطبون ويُسحقون.
هؤلاء من ذوي العاهات المروّعة الفاعلة بالبشر , وقد وجدوا في إشاعة العَدمية ورعايتها وتعزيزها , وتسويغ السلوكيات المتصلة بها تجارة مربحة جدا , وآلية لجني المكاسب وتحقيق الرغبات العليلة المكدسة في دهاليز نفوسهم الغابية القابعة في لجج الأعماق السوداء.
إنهم يبثون الأوهام العَدمية ويعززونها بالأدلة والبراهين , وبما قال فلان وذكر علان , وما ينسبونه لهذا أو ذاك من الأعلام والقادة , وما يفسرونه على هواهم ويأتون به من وحي أمارة السوء التي فيهم.
والغريب في الأمر لهم أتباع ومروجون لأفكارهم الهدامة وتصوراتهم العدّامة , الساعية لمحق بهجة الحياة وتعليبها في صناديق ضلالهم وبهتانهم , ورؤيتهم السوداء الهادفة لمحق ما فوق التراب , وجعل الأرض محض خراب وسراب , فما فوقها لا يتفق ورؤيتهم العَدمية التدميرية الهوجاء.
العَدميون , وجدوا في وسائل الإتصال السريع والتواصل الإجتماعي ميدانا لبث رؤاهم ومشاريعهم المعادية لجوهر الحياة ونبض قيمها الدفاقة الخالدة.
وشتان بين هؤلاء , وجدّنا جلجامش , الذي أدرك أن الشعور باليأس لا يتوافق والحياة لأنها باقية ومتجددة وخالدة , ولكي نتوافق مع إيقاع خلودها علينا أن نعطيها أروع ما فينا من طاقات البناء والإبداع وصناعة آليات المستقبل الأفضل , لكي تبتهج أروقة صيروراتها وتفاعلاتها الواعدة بالأجمل.
فالحياة كما أدركها جلجامش , لا كما يريدها المصابون بجراثيم العَدمية , الداعون إلى تفريغ المسيرة البشرية من قيمتها ومعانيها ومميزاتها الساعية لمزيدٍ من التجدد والرقاء.
الدنيا أمواج صاخبة , ومتى ما إستطاعوا إيقاف أمواج البحار والمحيطات , عندها يمكنهم الكلام عن نهايتها!!
فهل ستنتهي بعد قراءتكم المقال؟!!