7 أبريل، 2024 5:23 ص
Search
Close this search box.

نهاية التاريخ

Facebook
Twitter
LinkedIn

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في نهاية الثمانينات، احتفلت الولايات المتحدة والغرب بموت الشيوعية، ونهاية الحرب الباردة بهزيمة قاسيه للمنافس اللدود للغرب الرأسمالي، فدشن مفكري الغرب العهد الجديد بثلاث اطروحات ترسم مستقبل العالم، الأولى لفرانسيس فوكو ياما في عام 1989 والذي تنبأ بنهاية التاريخ وان الديمقراطية الغربية اخر الحضارات وان والمواطن الاميركي، بأفكاره ومعتقداته وتطبيقاته هو اخر البشر. والثانية نظرية بنجامين باربر 1992, كأول نظريه سياسيه ترسم وجه العالم في زمن العولمة حيث يقول ان دول العالم الثالث امامها خيارين الاول ان تقبل بعصر من سيطرة شركات متعددة الجنسية وتقاليد وفن وموسيقى الغرب ومطاعم الهوت دوك وال ماكدونالدز, حيث يتحول فيه العالم الى شبكة متجانسة مرتبطة ببعضها عن طريق التكنولوجيا والتجارة والاتصالات والبيئة. اما الثاني هو بقاء الدولة القومية بمجتمعاتها المتعددة الهوايات، ولكن على حساب السلام والازدهار الاقتصادي. الأطروحة الثالثة هي نظرية صامويل هتنغتون في صراع الحضارات في عام 1993, والذي يقول فيها بان صراع الايديولوجيات سيستبدل صراع الحضارات. حيث انه لا يرى في العولمة تفتيت للهويه القومية وطرح اليابان وكوريا الجنوبية كمثال, حيث ازدهرت فيهما التكنولوجيا ونمت الى درجة ان كلا الدولتين اصبحت تنافس التكنلوجيا الغربية مع بقاء ثقافتيهما المحلية كما هي.كتب الكثيرون عن العوامل التي تحرك التاريخ وتصنع الحضارات الإنسانية، فمنهم من يرى ان التنافس بين القبائل والملوك في الاستحواذ على المراعي وثروات الأمم هي العامل الاهم في الحروب ونشوء وانهيار الحضارات. ومنهم من يرى أن العصبية القبلية والاستحواذ، كأبن خلدون هي المحرك الاول لصناعة الدولة والحضارة. أما كارل ماركس فيرى في صراع الطبقات الاجتماعية المحرك الاول للتاريخ والحضارة، وقد سادت هذه النظرية قرن كامل قبل ان تنهار الفلسفة الماركسية بكاملها. يقول فرانسيس فاوكاياما ان المحرك الاساسي لنشوء الحضارة هو التسلح. حيث تجتمع في هذا المحرك قوتان مستقلتان، الاولى هي نظرية السيطرة والسيادة، الافلاطونية الاصل والتي بعثها هيجل من جديد في منظومه معرفيه تحت اسم الاعتراف بالذات. والثانية العلوم الحديثة التي اختصرت المسافات والزمن بحيث حولت الامنيات البسيطة لأي مصلح اجتماعي في بيئة منتجه للحضارة الى مشروع قائم يمكن تصديره وتطبيقه بزمن قياسي. اي انه يتبنى المفهوم الماركسي من حيث لا يدري ولكنه بدل المنفعة الحديه من (منفعة الشغل) الماركسي الى المنفعة الحديه المعرفة. تقوم نظرية فوكا ياما على ان العالم وصل الى درجة من النضج بحيث أصبح يعي ان النظام الامثل للمجتمعات البشرية هو الديمقراطية الغربية (الليبرالية الديمقراطية)، وان صراع السادة والعبيد القديم سيتحول الى نشاط مثالي للسوق والاقتصاد الحر، وان دول الغرب وصلت الى مرحله من النضج السياسي والثقافي بحيث انتهت الحروب التقليدية فيما بينهم، وأصبح النشاط الاقتصادي فقط هو محرك العلاقات الدولية. واستخدم فوكا ياما النموذج الديمقراطي للدولة الأمريكية كأساس لنظريته.
وٌجهت انتقادات شديده لفوكا ياما , وبعضها فند البناء المثالي لنظريته من حيث الاطار والمحتوى, فمن ناحيه يظن البعض ان الولايات المتحدة لا تملك نظاما” اقتصاديا” مثاليا حتى لو تعذرنا بدورة الاقتصاد, اذا لامعنى لنظام يعيش على الاستدانة ليستمر, فالمفروض انه نظام قائم بذاته اي يعمل لذاته وليس عالة على البنوك المحلية, فهو لا ينتج حاجات المجتمع الأمريكي, ومؤخرا اصبحت السلع الصينية المنتج الاكثر استهلاكا” في أمريكا, مما يدحض التفوق النوعي للسلعة الأمريكية. اما الصورة المثالية للديمقراطية الأمريكية، في انه بإمكان اي شخص ان يرشح نفسه للرئاسة فهي صوره مزيفه لان الجميع يعرف بان نفقات الدعاية والاعلان والنفوذ لأي مرشح تحتاج الى مليارات الدولارات والتي تفوق قدرة المواطن العادي. اما الليبرالية المزعومة فتكذبها الاحداث، حيث ان اي قرار سيادي امريكي لا يصدر من رئيس أمريكي بدون لوبي ومجموعات مصالح كبيره تتحكم في الطبخ السياسي وتمرير القرارات، وان خالفها الرئيس يُقتل كما حدث لجون كينيدي.كتب فوكا ياما في 2008 مقال قال فيه ان الاسلام السياسي لا يشكل تهديدا” مباشرا” للديمقراطية الليبرالية لان جاذبيته الثقافية التي تنتمي الى القرون الوسطى محدودة في المجتمعات التي ظهر فيها، وان ليس امام السعودية وإيران الا ان يأخذا النموذج التركي او ينتهي مصيرهما الى الزوال. وتوقع انحسار الإسلام بشكل كبير في اوريا, ولكنه سرعان ما تراجع عن هذا المبدأ بعد ان استلم الإسلام السياسي السلطة في عدد من الدول الإسلامية.في سبتمبر عام 2001 وقع فاوكاياما مع نخبه من نجوم الثقافه الامريكيه مثل , William Crystal، Jean Kirkpatrick , Richard Pearl و Martin Prayers Norman Podoriz على بيان رمزي للثقافة الغربية موجه للرئيس بوش على ضرورة قتل ابن لادن واجتياح العراق حتى لو لم لو لم يثبت انه يملك أسلحة دمار شامل، لكيلا تتعزز في ثقافة الأمريكيين والعالم بان الشعب الأمريكي ولو للحظه انه ممكن ان يٌهزم امام أي رمز عربي او اسلامي. كإن الموقعون وتحت الضغط الاجتماعي، بداية يظنون ان اعلان الحرب على بعض الدول العربية قد تكفي لحقن الكبرياء الأمريكي بشعور فائق بالقوة، وهذا ما حدث في ضرب معمل الأدوية في السودان في 2001 واسقاط طالبان واجتياح العراق. ولكن فاوكاياما في20/12/2014 وعندما كان ضيفا” على المنتدى الاستراتيجي العربي صرح بان معظم الحروب التي افتعلها الغرب غير ناجحة ولن تنتهي بسهوله خاصة حرب ليبيا التي وصفها بحرب ” الملل”, اما الحرب في سوريا 
فلم يضع لها نهاية تناسب العقل الاستراتيجي الذي انتج نظريات نهاية التاريخ.
فاوكاياما يؤمن ان التاريخ وصل الى نهايته في منظومة القيم الإنسانية وأساليب الحكم و الأداره، وان هذا لا يمنع ان يكون الدم (الجماعة) والمعتقدات هما الأساس الذي عبره يحدد الناس هويتهم ومن اجل هذه الأشياء سوف يقاتلون بعضهم و يموتون ويبقى هذا المنطق ثابتا ربما حتى لو تقدم الزمن ملايين السنين. وهذا جوهر المفهوم التاريخي ل (اوكست كونت) والذي يرتب نمو العقل الانساني على ثلاث مراحل الأولى (الخرافة والاساطير) ثم يتبعها مرحلة (التنوير) وأخيرا مرحلة العلم الذي نلامس نحن العرب بعض اطرافه بخجل. أي ان تاريخ الانسان أصبح لا تقرره العوامل الداخلية للجماعات المحلية (عقائد) ولا عوامل خارجيه (عولمة) بل أصبحنا جميعا مصيرنا واحد وهو المنطق الهيجلي في تطور التاريخ. ان الميتافيزيقا الدينية لجميع الأديان تقريبا تؤمن بنهاية التاريخ البشري، رغم اختلافها في الكيفية، وكذلك معظم الفلسفات الاجتماعية القديمة والحديثة، ولعل نيقولا ميكا فللي والقديس اوغسطين وكارل ماركس وأشبنجلر خير مثال على تجسد هذه المفهوم، ولكن رغم تشاؤمية المستقبل فيما يخص نضوب مصادر الطاقة (النفط) وتزايد التلوث وارتفاع درجات الحرارة, بالإضافة الى توقف العالم عند فلسفة ستيفن هاوكنك والبنيويين الجدد التي اربكت تدفق المفاهيم الإنسانية, الا أن الحكم على المستقبل من منظور عقلي قاصر اعتقد انها مغامرة عنصريه, لان العقل البشري لم ولن يتوقف عن ابتكار مالا يخطر على بال احد. كما ان النهاية بالمفهوم الديني قد تكون عندما ينتهي الصراع بين الله والشيطان في العقل الجمعي للكون وهذا لم ولن يحسم ابدا في الأمد القريب. 
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب