هل ستكون ايران المحطة القادمة لقطار ربيع الشرق الاوسط!
هناك أكثر من مؤشر على اننا ندخل في الفصل الاخير من الصراع في سوريا ، وهو فصل التوافقات وصياغة الحلول السياسية ، والدخول في مرحلة انتقالية سيكون الرئيس السوري على رأس السلطة فيها . الرئيس الروسي بوتين ، صاحب القرار ومهندس الصراع والسلام في سوريا يسعى الى ذلك من خلال المزاوجة بين مسارّي سوتشي وجنيف ، فهو يحرص على ان يكون مساره متماهيما مع أجواء الامم المتحدة . ويبدو ان الولايات المتحدة لاتعترض على ذلك ، بل تؤيده شريطة ان يؤدي ذلك الى تقليص النفوذ الايراني والتركي في سوريا . فقد بات من الواضح ان استمرار الصراع في سوريا يعطي مزيدا من الذرائع لتدخل تركي وايراني اكبر ، وهذه يعني ان نفوذ البلدين في حالة استمرار الصراع سيأخذ طابعا مؤسساتيا في المجالات المختلفة ، واهمّها ماكان متعلقا بالسياسة والثقافة والاجتماع والمذهب ، الأمر الذي سيضعف من سلطة الرئيس السوري أو اي سلطة تعقبها .
أيران من جانبها لاتعترض على ذلك ، غير انها تسعى الى بقاء الاسد الى ما بعد المرحلة الانتقالية باعتباره الضامن لوجودها التي تسعى الى ان يكون عميقا في سوريا ، فكلما بقي الرئيس الاسد مدة اطول في السلطة سيترسخ نفوذ ايران كواحد من اكبرمكوّنات الدولة العميقة في سوريا ، أو هكذا يتوقع مرشد ايران . وهذا امر ليس فيه مصلحة لسوريا ولا للعرب .
تركيا أردوغان ، وبعد ان خاب المسعى ، وهي ترى قوى المعارضة بشقيها السياسي والعسكري وبصنوفها المعتدلة والاسلامية والاسلامية المتطرفة، تتراجع الواحدة تلو الاخرى ، ستكون اكثر من راغبة في التوصل الى حل سياسي طالما يضمن هذا الحل انهاء أي وجود لكيان كردي يهدد امنها القومي ، وهي تتمنى ان يخرج ترامب من شمال شرق سوريا بأسرع ما يمكن قبل ان تكون مجبرة على مواجهته هناك وهي لاتريد ذلك والولايات المتحدة لا ترغب في ذلك أيضا.
الدول العربية التي كانت ضالعة في الصراع في سوريا ، وبعد ان استقرّ عندها اليقين ان الرئيسين بوتين وترامب متفقان على بقاء الاسد ، سحبت نفسها بعيدا عن حريقه وأكتفت بحرب الكلمات ثم ما لبثت ان سارت على طريق الرئيسين ، وبات لزاما عليها ، حتى لا تخسر الاتي كما خسرت الذي مضى ،ان تفكّر في كيفية اعادة التموضع ولاسيما بعد اعلان ولي العهد السعودي بن سلمان عن بقاء الاسد على رأس النظام في سوريا ، والاستفادة من الظروف التي سيوفرها انهاء الصراع في سوريا وبالذات في مجال العملية السياسية وفي مجال البناء واعادة الاعمار .
انسحاب ترامب من سوريا سيحدث قريبا ، ولكن ليس عاجلا كما صرّح بذلك وليس هو ببعيد ، ولن ينسحب ترامب لأسباب مالية بسبب عدم القدرة على تغطية نفقات وجود ما يقارب الالفي جندي في سوريا . هذه النفقات تعتبر لا شيء قياسا لما انفقته الولايات المتحدة وتنفقه حاليا لأعتبارات أمنية واقتصادية تتعلق بوجودها كأقوى دولة في العالم ، بل ان سحب القوات يتعلق بمتطلبات الاستعداد لما بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الايراني . كما لن ينسحب ترامب من سوريا دون ان يكون متوافقا مع بوتين على تفاصيل سيناريو الفصل الاخير واليوم التالي لهذا الفصل ، وأهم مافيه وقف القتال بشكل نهائي ودعوة فصائل المعارضة المسلحة بكل أنواعها لتسليم معداتها الثقيلة والمتوسطة والخفيفة للسلطة السورية الشرعية ، وأجلاء جميع القوى المسلحة غير السورية الى خارج سوريا من اجل المباشرة في عملية سياسية جديدة تمهد لطريق البناء واعادة الاعمار . ,اذا ما قيّض لأنعقاد قمة بين الرئيسين بوتين وترامب في واشنطن بناءا على دعوة الاخير ، فسيكون هذا الامر على رأس جدول اعمال هذين الرجلين .
بطيعة الحال فان هذا السيناريو لن يرضي مرشد ايران ، لأنه يدرك ان محصلته النهائية ستصب في صالح الجهود الرامية الى الحد من نفوذه في سوريا وفي المنطقة ، وسيضعه مباشرة في خط المواجهة مع شعبه الذي سيدرك بما لايدع مجالا للشك ، ان الاموال الكبيرة التي صرفت على مغامرات المرشد الخارجية ذهبت مثل هواء في شبك، وان عليه ، أي المرشد ، ان يقدم أجوبة مقنعه لسؤال كبير ، لماذا حدث كل ذلك ، لماذا صرفت أموال الشعب الذي هو بأمسّ الحاجة اليها من دون اية جدوى ؟ ومن هو المسؤول الأول عن الذي جرى؟ عند ذلك ستثار اسئلة وشكوك كبيرة بوجه نظام ولاية الفقيه وبوجه المرشد الاعلى للنظام بحكم كونه المسؤول الأول فيه.
المحطة القادمة في قطار ربيع الشرق الاوسط ستكون ايران . على السادة المغادرين التهيؤ لركوب القطار ، وعلى السادة القادمين تحضير امتعتهم استعدادا للنزول .