ما يُضحك ويُبكي في ذات الوقت , أن ذوي عقلية ما قبل كذا وما بعد كذا , يتوهمون بأن الدنيا تجري على مقاساة رؤاهم , وكأنهم يغفلون بأن الحالة عبارة عن دائرة مفرغة لا يُعرف لها بداية ولا نهاية , وإنما الأدوار تتبدل والمسميات تتغير.
والمطلوب إثباته ثابت أبدا!!
وخلاصته خراب دائب وصراع واثب وخسران متعاقب , فالشباب مرهون بالضياع والإحتراب والسقوط في مهاوي النسيان , ولا معنى ولا قيمة للإنسان.
مَن قال لكم أن المنطقة تعيش مراحل؟
ومن أين أتيتم بمفاهيم ما بعد وما قبل؟
وكيف لكم أن تقنعوا أنفسكم بذلك؟
لو تأملنا العراق منذ سقوط الحكم الملكي حتى اليوم , لرأينا أنه يعيش في دوامة عاصفة من التفاعلات الخسرانية , والتصارعات البهتانية الدامية الهادفة إلى إستنزاف ثرواته النفطية والعقلية , وكل طاقة يمكنها أن تكون وتتحقق فيه.
ومسيرة النزيف الدفاق ما توقفت يوما , وهي على أشدها وستتفاقم مع الأيام.
فعن أي مرحلة بعدية وقبلية تتحدثون؟
إنها الأوهام والتصورات السرابية التي لن تأتي بجديد , إلا أنها تبقى تدور وتعزف ذات الموال وتنسج بذات المنوال , والدنيا تمضي إلى الأمام , ومجتمعاتنا تنحدر للوراء وتنحشر في أنفاق الضلال والبهتان العظيم , المتوج بما لا يخطر على بال من الأفك المبين.
ومع هذا تجد الأقلام تتحدث عن مرحلة كذا , وما بعد مرحلة كذا , في زمن تداخلت فيه المراحل , وتحول إلى دائرة مغلقة مرهونة بالوعيد , وبإرادات الإفتراس الحضاري الشرسة الصائلة على منابع الويلات والقهر العربي الأبيد.
فإن صح منطق المراحل فأنه ينطبق على النفط وحسب , فهناك مرحلة النفط وما بعده!!
ومرحلة النفط هي الإحتراق والتحول إلى رماد , وما بعده التسول في طرقات الدنيا , والرجوع إلى حيث كانت الحياة قبل مئات السنين , وهذا ديدن الفكر الإرتجاعي الورائي الساعي إلى الإنطمار بالأجداث والغابرات , وإستحضار الباليات والتغني بالعثرات , فالمنطقة تعيش في تنور النفط وتنسجر فيه , وبعد النفط رمال وترحال!!