لم ترق الحكومة العراقية في تعاملها مع أزمة النازحين السوريين الى 10% من مستوى الطموح و العرفان بالجميل، حيث تم لف حبل العرقية و المذهبية حول رقاب عشرات الآلآف من اشقاء قست عليهم ظروف الحاكم والمصالح العبثية و أجبرتهم على الرحيل، ليسلكوا درب العراقيين لكن بظروف اشد وطأة ، حيث يشهر سيف الطائفية بوجه عروبة المنطقة.
لن ندخل في خفايا الصراع الدائر بشراسة بين العرب و المسلمين في الشرق الأوسط و شمال افريقيا، فتلك مآساة ” سوء التقديرات” التي أوصلت افرادا و جماعات الى الحكم بدون قاسم مشترك وطني متفق عليه قبل الجلوس على كرسي ” السيادة المنقوصة”، ولن نخوض في تفاصيل الأزمة السورية لأنها جزءا من هذا التنافس اللاواقعي، فما يهمنا في المقام الأول هو تخفيف الحيف و الظلم و سوداوية المشهد عن عقول و عيون وخواطر أهلنا السوريين في العراق.
لقد عرض السياسيون العراقيون أزمة النازحين في “بسطاتهم الحزبية” كبضاعة للمتاجرة و المزايدة مع نكران جميل يندى له الجبين، حيث لم تبادر جهة سياسية ” وطنية و عربية التوجه” الى تأجير فندق صغير للتخفيف عن هموم شعب قدم للعراقيين الكثير جدا” رغم ضعف الحال”، مثلما لم يعكر مزاج حكومة المالكي افتراش المواطنين السوريين للأرض و المقاهي طلبا للراحة النفسية بعد صراع غير متكافيء مع ماكنة حرب دولية، في وقت صمتت المرجعيات الدينية ولن تفتح ” خزائنها” لتخصيص نسبة من ملياراتها لنصرة أهلهم في سوريا، أو مجرد التفكير بتحويل عشرات الجوامع الى ملاذ آمن يمنحهم الحرية و يشعرهم بالحنين، خاصة وأن أغلب دور العبادة أصبحت منبرا للتناحر الطائفي و تحقيق المكاسب المالية و الشخصية ، و بالمقابل فان العشائر العراقية هي الأخرى قد تقاعست عن المعول عليها من نخوة فوقعت في سوء الطالع الرسمي، فالقضية لاتخص وجبة غداء أو مادبة عشاء للمجد الشخصي، بقدر تعلقها بمشاعر أخوية تحسس السوري أنه في بلد اسمه العراق وليس كانتونات متقاتلة.
سيقول ” أصحاب الراي السديد و غير المنطقي”، ان الحكومة تخشى من تسرب مقاتلين متشديين بين صفوف النازحين السوريين، وكأن العوائل لا تعرف بعضها البعض أو أن التفجيرات و القتل العشوائي لم تحول العراق الى ” وسيلة ايضاح” في الفشل السياسي و الأمني، وربما أصغت الحكومة الى نصائح ” عباقرة التضليل الرسمي” فقررت عدم ازعاج النظام السوري و دفعه الى ” كشف مستور قديم”، مقابل ” تطمينات ” الأخ الكبير ” في عبور المحنة و حفرخندق” معاداة الوطنية” من خلال ثلاثية طلاق العقل العراقي السوري الايراني.
لا يوجد سبب منطقي يبرر العزوف الرسمي العراقي عن محنة اللاجئين السوريين غير عدم العرفان بالجميل و الانطلاق من عقلية اقصاء طائفية و عرقية وتبعية في القرار السيادي، والا كيف تحدد النسب و تختفي العناية و كأن المحنة تصيب جبال الهملايا، أما اذا ارادوا تأطيرها أمنيا فتلك طامة كبرى لأن النظام السوري و في أضيق حلقات ” حساب دقات القلب”، فتح الحدود للعراقيين ولم يتعامل معهم طائفيا أو عرقيا بالطريقة التي تستخدمها مؤسسات الحكم الجديدة من زاخو الى الفاو وخانقين، لذلك هناك ” غضة في البلعوم” يتقاسمها السوريون في جلساتهم الخاصة.
لقد كشفت مؤسسات الحكم العراقية عن رسالة مشوهة الى الجميع بعدم قدرتها على التصرف بلا مزاج طائفي، مثلما فشل مجلس النواب في تخصيص نسبة من نثرية الملابس والايفادات لمساعدة أخوتنا السوريين في محنتهم، بينما صمت المرجعيات بكل عناوينها الآذان عن سماع أنين الأطفال و المرضى و الجرحى لصالح رغبة التشفي الخبيث بالسوريين ، الذين اثبتوا رجولة في الدفاع عن شرعيتهم الوطنية، بينما حمل سياسيون عراقيون أمتعة الأحتلال للعودة الى العراق بحماية دولية، وتلك من فواجع التاريخ الكبيرة، لذلك يبحثون عن أنصاف الحلول في كل شيء، و يجهلون أولويات التعامل مع الملفات الدولية باستثناء ” المفروضة برغبة أمريكية أو ايرانية”، ما يوضح اسباب ” الحصار” الأقتصادي و الأمني المفروض على النازحين السوريين من حكومة العراق و نوابه و مرجعياته الدينية و شيوخ عشائره ايضا، ما يعني أن ” الخير يخص و الشر يعم” مثلما يقول العراقيون عن مناكفات الدنيا عندما يتمرد عليها المداهنون في مهزلة مجاملة الحاكم على المحكوم من زوايا عرقية و مذهبية و مصالح سياسية!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]