23 ديسمبر، 2024 3:01 ص

نكتة دعوة الحكيم لحكومة الأغلبية

نكتة دعوة الحكيم لحكومة الأغلبية

بعض سياسيي الصدفة أو سياسيي سوء طالع العراق، عندما يُصرّحون، وخاصة عندما يُنظِّرون، لا أدري في لحظتها هل أنا أمام فيلم كارتون، أم أسمع نكتة سياسية (بايخة)، خاصة عندما أسمع تصريحات نوري المالكي وعمار الحكيم وأمثالهما.

أطلّ علينا رئيس التحالف الشيعسلاموي المسمى بـ(الوطني)، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي سابقا، ثم رئيس تيار الحكمة الوطنية (ما شاء الله من حكمة ومن وطنية)، أطلّ علينا بحلة بيضاء، وابتسامة صفراء، ونبرة نعماء، ليطرح علينا نظرية سياسية تفتقت عنها عبقريته في لحظة بلوغها ذروة، وطرح علينا الحلّ السحري الذي يراه لما بعد انتخابات 2018، إذ يرى أن تكون الحكومة المقبلة «حكومة أغلبية وطنية توافقية لاإقصائية»، ويا ليته يُعرّف لنا بتعريف جامع مانع ماذا يعني بـ«أغلبية وطنية»، ولم يقل «أغلبية سياسية»، لأنه ربما يعرف جيدا كما أعرف أنا جيدا، إن أحزاب الطوائف، سواء شيعية أو سنية، لا يمكن نعتها بـ«أحزاب سياسية»، لكنها أيضا يصعب نعتها بـ«وطنية»، لأنها غير قائمة على أساس المواطنة، وذلك حتى خلاف ما يلزمها به قانون الأحزاب، ثم إن توصيف شيء بـ(الوطني) يصح عندما يكون في نفع الوطن والمواطن، وليس في الإضرار بهما وتدميرهما. ثم بماذا یا ترى یترجم کلمة «لاإقصائية»، هل هو تجميل لمصطلح «التحاصصية»؟ إذا كان كذلك، وهو كذلك، فكيف يمكن الجمع بين حكومة الأغلبية وحكومة المحاصصة، التي سماها تجميلا «لاإقصائية». ثم ينقض هذا المعنى بقوله أن «لا يجب أن يشارك الجميع في الحكومة»، بمعنى أن الحكومة اللاإقصائية تقصي بعض القوى السياسية، فكيف الجمع بين اللاإقصاء والإقصاء؟ الحكومة التي يدعو إليها حكيم الحكماء هي «حكومة أغلبية»، والأغلبية التي يعنيها هي «أغلبية وطنية»، ثم هي رغم كونها حكومة أغلبية، فهي «لاإقصائية»، ورغم لاإقاصائيتها فهي «توافقية»، وإن كانت توافقية لكن «لا يشارك فيه الجميع». على عقول من تريد أن تضحك يا رئيس تيار الحكمة (الحكيم جدا) الوطني (جدا). أم إنك لا تعي ما تقول؟

أمن عبقرية سياسية بعد هذه العبقرية؟ يستحيل.

اسمعوني جيدا يا قادة أحزاب الطوائف، مازالت أحزابكم أحزابا شيعية، وأحزابا سنية، وأحزابا كردية، فحكومة الأغلبية السياسية التي طالب بها قبل الحكيم نوري المالكي مع تطلع الأخير إلى تحقيق الثالثة – أعاذ الله العراق من شرها – مع السعي لتحقيق حلمه الثاني الموزي لحلم (الثالثة)، ألا هو التحول من النظام النيابي إلى النظام الرئاسي، ليتحول مالكينا إلى أردوغان العراق. مازالت أحزابكم أحزاب أديان، وأحزاب طوائف، وأحزاب أعراق، لن ينهض العراق، ولن تكون هناك ديمقراطية حقيقية، التي شرطها اللّابُدِيّ هو الالتزام بمبدأ المواطنة، الذي تنقضه أحزاب الطوائف والأعراق.

وحتى لو ذهبتم إلى تحالفات بين كتل طائفية شيعية تمثل الأكثرية، وحليف أصغر من كتلة أو كتل سنية طائفية، مع طرف قومي كردي، في حال بقيت كردستان عراقية، لا تكونون بذلك قد أسستم بتحالفكم كتلة عابرة للطوائف والأعراق، بل عندما يكون كل حزب مشارك في العملية السياسية عابرا للطوائف والأعراق، فلا يكون ممثلا لاستحقاقات المكون (سين)، أو المكون (شين)، أو المكون (كاف)، عندها تكون لدينا قوى سياسية عابرة للهويات الجزئية ومؤمنة بالمواطنة، وعندها فقط يمكن الحديث عن حكومة أكثرية سياسية، أؤكد (سياسية)، يا ناس افهموا، هكذا تتعاطى الدول الديمقراطية مع هذا الموضوع. وإلا فهذه خدعة، تماما كالخدعة التي سنّها المالكي بعد انتخابات 2010، ثم انقلب السحر على الساحر بعد انتخابات 2014، ذلك في تشكيل الكتلة ذات العدد الأكبر من المقاعد النيابية بخدعة من خلال تحالف مابَعدِيّ، هذا الذي لا تعرفه أي دولة ديمقراطية تحترم شعبها، فوحده الذي لا يحترم شعبه، يمارس الخداع معه، والذي يخدع شعبه، ولا يحترم شعبه، لا يستحق أن يكون في موقع قيادي للعملية السياسية، بل مكانه الصحيح حظر العمل السياسي عليه.

لكننا نحتاج إلى شعب ذي أكثرية لا تحترم السياسيين الذين لا يحترمونه، أعني شعبهم، ولا تصوّت أعني هذه الأكثرية الواعية من جماهير الشعب، للذين يخدعون شعبهم بشتى الأساليب، مثل هذه اللعب المالكية والحكيمية، وغيرها، ناهيك عن التزوير والحنث باليمين الدستوري والوعود الكاذبة، ولا نريد أن نذكر الفساد المالي وسرقة أو لا أقل من هدر المال العام؛ هذا الفساد الذي لا يقل عن الطاقة التدميرية للإرهاب الداعشي، فالفاسد سواء بسواء مع الداعشي في تدمير الوطن والمواطن.

[email protected]