اذا كان هناك من وصف لحال ماتعرضت له الانبار من محنة أليمة ونكسة هوجاء خلال فترة تحريرها ومن قبلها فيمكن ان نطلق عليه ” نكبة الانبار”، لهول الفاجعة الأليمة التي حلت بهذه المحافظة التي كانت موطن العروبة وقلبها النابض حتى تم معاملتها بهذه الطريقة التي أبكت الحجر قبل البشر!!
وانت تتطلع في احياء مدينة الرمادي التي كانت عامرة قبل عام من هذا الزمان وحتى الى وقت قريب من احتلال داعش الاجرام والسفالة لها ، كانت واحة غناء تزدان بيوتها بالعمران الفاخر الذي يضاهي أجمل بيوتات دول الخليج ، وكانت الى وقت قريب على وشك ان اطلق عليها ” دبي الثانية ” ، لكن الاقدار اللعينة لم تترك لهذه المحافظة ان تحافظ على وجهها العروبي الجميل!!
ما تعرضت له احياء الانبار لم تشهده كل عهود التاريخ همجية وبريرية ، تعاونت قوى مختلفة حاقدة على اهل الانبار ، للثأر من مكانتهم ووقفاتهم المشهودة وعشقهم للعروبة ومحافظتها على قيمها الأصيلة لأن يدفعوا تلك الضريبة القاسية تدميرا شاملا لمعظم احيائها التي تحولت احيائها وبيوتها العامرة أثرا بعد عين!!
صدمت مثلما صدم الملايين من اهل الانبار ومن خارجها لهول الفاجعة التي مرت بمحافظتهم بعد تحريرها، وما رأيته عن خراب بيوتها وبخاصة عن بيت ابن عمي في حي الضباط بالرمادي وبقية بيوت اهل الانبار في احيائها الأخرى بالأمس القريب، لن يكون بمقدور أي متمكن من اللغة ان يستجمع قواه وامكاناته ، لكي يعبر عن بعض فواجع تلك الماساة لكي ترتقي الى محنة أهل الانبار ، واذا بهذه المحافظة واحيائها وعمرانها الجميل ، وهي تتحول الى هياكل خربة دارسة وكأنها لم تكن سوى بقايا احجار وركام ، يعجز كل وصف عن التعبير عن قمة مأساتها وبلواها، التي فاقت جرائم التتار والمغول وهولاكو وكل العصور المظلمة في التأريخ!!
وقفت اللغة العربية بكل شموخها وعنفوانها وكل اساليب البلاغة العربية عاجزة عن ان تصف هول ما حل بالانبار هذه المحافظة التي بقيت تقاوم الاحتلال الامريكي والقاعدة فيما بعد وكانت داعش ومن سمح لها لأن تدخل هذه المحافظة العروبية احدى حلقات أخطر تآمر خبيث كان المالكي وجوقته ملاء والمأجورين من أهل الانبار على رأس من كان السبب بكل ماتعرضت له الانبار من كوارث ونكبات، ويفترض بأهل الانبار ان يقيموا نصبا سوداويا في احدى ساحات الانبار المهمة ، يحكي للاجيال قصة حاقد شرير قادم من اعماق الضلالة سلم الانبار لداعش ارضاء لشهوة وغريزة الحقد والانتقام المتأصلة في منهجه الذي كان يسير باتجاه ابادة اهل الانبار وتخريب معالم مدنها عن بكرة أبيها!!
كل كلمات الأسى واللوعة والحرمان وكل ما شهداه فصول التاريخ من فواجع ليس بمقدورها التعبير عن محنة اهل الانبار ، وما يدمي القلب ويؤجج مشاعر الحزن والرثاء والأسى ، ان يستغل بعض اهلها او المحسوبين عليها محنتها، بعضهم لبس العمامة وآخر لبس الدشداشة وآخر لبس آخر موديلات المدنية والتحضر ، غير آبهين بمحنة أهلهم وخراب بيوتهم ، ليتاجروا بمحنة أهلها ، بحجة اعمارها هذه المرة ، على طريقة مصائب قوم عند قوم فوائد!!
نتمنى لو ان هدف هؤلاء كان اعمار محافظتهم واستعادة مجدها الغابر وتحويلها الى ما يشبه الامارات ودبي في اعمارها الفاخر لتليق باهلها وموقعهم في قلب العروبة النابض وهم من تتطلع اليهم دول المنطقة ليكونوا اهلها الغر الميامين بعد ان فتكت بهذه الدول اهوال التدخلات الاقليمية وحولت امبراطورياتهم الى واحات خوف ورعب من القادم المجهول، حيث تسعى ايران لابتلاع هذه الدول الواحد بعد الآخر، وهم لايجدون غير أهل الانبار يمكن ان يحفظوا لهذه الدول بقايا كرامتهم من الامتهان!!
كان على دول الخليج العربية وقادتها وكل تجارها ورجال اعمالها ان يسارعوا الخطى الان قبل الغد للمشاركة في اعمار محافظة الانبار ويتكفلوا بتوفير العشرات من المليارات لغرض اعمارها في القريب العاجل، وعلى قادتها ان يعوا انهم ان اعادوا اعمار الانبار فيمكن ان يوقنوا ان عقال راسهم سيبقى محفوظا ، ولن يكون بمقدور اي طامع ان ينال من دولنا العربية ، فأهل الانبار هم الوحيدون ربما مع بقية محافظات العراق العروبية ان تحافظ على كيانات هذه الدول مجتمعة من ان يحصل لها ماحصل في الانبار، وعليهم ان يعوا حقيقة ان من لايكون بهمة اهل الانبار وبمستوى بطولاتهم وقيمهم لن يكون بمقدوره ان يحافظ على سارية خيمة تنتصب في صحراء العرب!!
قد ابكتنا الانبار، ومزقت قلوبنا وافئدتنا واشعرتنا بعمق المأساة وهول الاقدار ، وابكتنا فواجع اهلها ومحنة شعبها الذي تشرد في خيم العراء يعانون الأمرين ، بانتظار عودتهم الى محافظتهم، بعد ان عومل كثيرون منهم معاملة لاتليق بهم ولا باقدارهم، وتحولوا الى لاجئين وأسرى وسجناء ، بالرغم من كل ما اصابهم من فواجع ونكبات، وبدل ان يتم اكرامهم وتجبير خواطرهم، فقد واجهوا من الاجراءات وأساليب التعامل في بغداد ومحافظات أخرى ، لم يواجهها حتى الفلسطينيين في الارض المحتلة ، ان لم يكن الاسرائيلييون اكثر رحمة في التعامل مع الشعب الفلسطيني!!
حفظكم الله يا اهل الانبار وكان الله في عونكم على بلواكم..وما شهدناه من فواجع ونكبات ودمار في كل احياء الرمادي لم نسمع به في كل فصول التاريخ بشاعة وهمجية، واذا كان االتحرير على هذه الشاكلة، فأقرأ على العراق وبقية محافظاته ان واجهتها المحن والشدائد ، السلام!!
دعواتنا ان يعود اهل الانبار الى محافظتهم ومدنهم بأسرع ما يمكن ، وان لايكون الدمار والخراب تبريرا لتأخير عودتهم ، وان لايتحول بعض تجار حروبها الى مقاولين ينهبون المعونات والمنح الدولية بحجة اعمارها، وعلى من لايشبع بعد من نهم الطمع والجشع من حيتان الفساد ان يكف عن جوعه القديم ، ويترك لاخيار الانبار فرصة ان يحافظوا على كل الاموال التي ستأتي والتي ستقدم لاعمارها، وعلى الأمم المتحدة ان تكون راعية لحملات الاعمار، لكي لاتتحول كثير من تلك المبالغ الضخة الى جيوب المفسدين الكبار ومن لن تحركهم محنة اهلها ليستيقظ ضميرهم ويصحو هذه المرة ، فما مر بأهل الانبار من نكبة موجعة، تتطلب ان يقف كل اهل الانبار واخيارها لمراقبة كل مليار يصرف ، وكيف نبني احياء محافظتنا ونعيد اعمارها من جديد ونمسح عن عيينها رماد الفجيعة، لكي تعود الانبار مرة أخرى تمارس دورها العربي الأصيل ومكانتها التي ينبغي ان لايفسد معالمها بعض المحسوبين على اهلها من ضعاف النفوس والمنافقين والدجالين ومستغلي الفرص، إن أريد للانبار ان تنهض مرة أخرى، كالعنقاء ، من بين الرماد!!
أمنياتنا ان يعود اهل الانبار الى محافظتهم في القريب العاجل، وان يسهم الجميع في حملة اعمارها، والله في عونهم ، على محنتهم ومأساتهم الأليمة، وان الله على نصرهم لقدير!!