لا يحق لأي عاقل اختزال التجانس الفطري الوطني للمجتمع العراقي بعشر سنوات عجاف من التناحر السياسي الطائفي، و لا يحق لأي شخص اعتبار توزيع الشعب على مذاهب مفارقة تاريخية، فقد ولدنا و كبرنا على خصوصية تذوب في رحم العراقية، لذلك حملتنا الأرجل الى العتبات المقدسة بعفوية الولاء الأنسانية، فكنا نتسامر على جسر الأئمة ونراقب حركة الطيور الأنسيابية وهي تحمل غصون الرياحين بين الكبيرين الكاظم و أبي حنيفة، حيث تشرق الشمس قبل مواعيدها كي يستبشر العراقيون بيوم تتعانق فيه أرواحهم الوطنية.
وقد حملت معي في ” رحلة العناد العلمي” الى أمريكا كل هذه المشاعر الانسانية، فراقبت من نافذة الطائرة المسرعة أمواج الأطلسي لتحملني من حيث لا أشعر الى هدوء دجلة و طيبة أهلنا الساكنين على ضفافها بلا عقد مذهبية، حينها قلت لنفسي “عراقيتنا ستبقى أعمق من سوء تقدير الحالمين بمجد زائل و مشاريع عبثية”.
ظلت هذه الصورة ترافقني في مهمة تحقيق الحلم الذي دفعني للمغامرة من السماوة الى واشنطن، قناعة مني بأن العراق سيكبر بأبنائه عندما يلتقون عند مبدأ مساعدة على النهوض، ولم أجد نفسي مخطئا في تقدير هذه الحقيقة، لذلك تسابقت أحلامي في كيفية خدمة اهلي في وقت لاحق، وأن أضع تحت تصرفهم خبرة طبية أفاخر بها نفسي و الأخرين ، لكن رحلتي المتفائلة تعثرت تدريجيا بسبب الهفوات السياسية دون أن تندحر، لأن الشعوب تمتحن و التضحيات ارادة آلهية، لذلك أعود الى ذاكرتي اليوم لأجد نفسي في ذات المحطة المهمة فوق جسر الأئمة حيث سطر العراقيون ملحمة الوفاء لأخوة أعترف بها الغريب قبل أبن الدار، وأنا هنا فقط أود التركيز على أن أخوتنا ليست بضاعة في البازار السياسي و لن تكون.
صحيح أن المخاض كان عسيرا و قد نجمت عنه تشوهات خلقية في عالم السياسة المشوه في الولادة، لكن من الواجب التأكيد مرة أخرى على خصوصية أخوتنا العراقية ، التي ظلت عصية على أحلام اللاهثين وراء الجاه بكل الوسائل، بدليل أن العراقيين يتميزون عن غيرهم من شعوب الدنيا بالطيبة المفرطة و شرايين دم تنبض بالمحبة، رغم ما أصابها من تكلس بسبب مغامرات أشخاص لم يجتهدوا كثيرا للتمييز بين الولاء الوطني و مغريات السلطة، رغم ما نسمعه عن كثيرين منهم في التقوى واهمال مغريات الدنيا كنوع من الأحتيال و الأنانية.
اليوم وقد توضحت الحقائق و أنقشعت غيوم التضليل السياسية أجد من الواجب الوطني التأكيد على أن التامر على أخوة العراقيين جريمة بحق الأنسانية و أن دفع الشعب العراقي للانغلاق وراء شعارات حماسية ” مؤدجلة طائفيا” يمثل تجاوزا لحدود الله في طيبة شعبنا، ما يستدعي عودة سريعة الى جذورنا العراقية التي لاتوجد بين مفاصلها غضاريف طائفية، بل محبة و عشق زاد من من تشعبها في أعماق أرض سار عليها الأنبياء و تطمئن في ثراها أرواح أل الييت ” ع” وصحب رسول فجر الانسانية.
لم أتعود الكتابة بعيدا عن لغة العلم والتشخيصات المرضية، لكن حبي للعراق يخرجني من عالم الطب الى فضاء الانسانية، حيث أحمل هموم شعبي في حدقات العيون، و ينشغل القلب في كيفية الوصول الى حلول عقلانية، تبدا في العودة الى عراقيتنا بكل هدوء لتندحرعندها كل المحصصات السياسية ، وثانيا رفض الخيارات الأجنبية بغض النظر عن استحقاقات معارضة الأمس و املاءاتها، و تشكيل حكومة كفاءات من كل التخصصات، و اعتبار الحديث عن المذهبية والعرقية جريمة يعاقب عليها القانون بشدة، والتفرغ لبناء دولة مؤسسات مدنية، و التخلي عن عقيدة عسكرة المجتمع و فرض سلطة القانون على الجميع، عندها سنكتشف أن عراقيتنا لم يمسها الكثير من السوء، عكس ما يتوهم البعض، فقد تعرضت الى خفقان في القلب بحكم ضغط الشرايين بعثرات سياسية، عندها ستحمل الطيور نفس غصون الرياحيين لتبني عشا كبيرا تنسج العنكبوت عليه خيوطا تحمي به براءة أخوتنا العراقية, ، وليست المهة شاقة عندما تتكامل الجهود و تتشابك السواعد لبناء العراق الذي يضيق صدرة بالحدود غير السيادية!!
اختصاص القلب و زراعة الشرايين – أمريكا