23 ديسمبر، 2024 1:00 ص

لغير القادرين على فعل الخير او المواقف الساندة عذر مقبول هو عدم قدرتهم على ذلك ، فالعرب تقول :”الجود من الموجود” ، فان كان احتياجك مالا وصاحبك فقير او غني لكن صادف أن لا مال تحت يده وقت حاجتك فله العذر ، وان كان احتياجك دفاعا وهو ضعيف لاطول لديه للدفاع عن نفسه فهو معذور ، وان كانت حاجتك لجاه او موقف وهو غير ذي جاه أو حسب فلا حجة لك عليه ، فمودته تدوم بحسن عشرته وبصفاء سريرته ، ويكفيك منه وفاؤه وحفظه ونصحه .
اما القادر ان يمدك بمال عند افتقارك او احتياجك ولايفعل فهذا لايصلح صاحبا ولايعد صديقا ، ومثله من يقصر في الدفاع عنك ضد خصمك وانت على حق وهو مقتدر على ذلك ، فهذا قليل المروءة عديم النخوة لايستحق المصاحبة ، وقرينهما صاحب الجاه الذي لايعينك بجاهه في خطبة او زواج او رد مظالم الناس عنك او شهادة حق لصالحك او ماشابه ذلك ،
فهؤلاء تركهم اولى ، وتمضية العمر معهم مضيعة ومرافقتهم خسارة ، وان كان قد وقع لك ذلك متأخرا وكنت قبل ذلك مخدوعا ظانا به الخير فاسرع بالهجر قبل فوات مزيد السنين فان بقاءك معه يعديك طباعه او يورثك النفاق حيث العشرة دون محبة ، واما ماضاع من عمرك من سنوات فانه من نصيبك ورزقك مثل ضياع جهد او خسارة مال .
بقي في جعبة مقالنا اصله وماكتب من أجله ، وهم أولئك الذين وضعوا انفسهم بين بين ، واتخذوا من الكرم ستارا وهم ليسوا اهله ومن حفظ الود وشاحا لايليق بهم إذ لايبذلون شيئا ذا قيمة دونه ، ومن حسن المواقف ثوبا لم يحسنوا غرزه ولا درزه ، فهؤلاء يريدون ان يهربوا من موقع التخلي المخجل بحيلة ، ويطمعون ان يكونوا في موقع المتفضل المساند بأقل وسيلة. يحتجون عليك بدراهم يقدمونها في شدتك وهي لاتغني لك شيئا ولا تسد حاجتك ، قصدهم التهرب مما وجب عليهم من ذمة الصاحب ومما يقدرون عليه ،
ويتفضلون عليك بوقفة شكلية لا تفضي الى نتيجة ولا توصلك الى غايتك ليثبتوا انهم ساندوك وليسجلوا موقفا لا يفي بغرضك وهم مقتدرون عليه ، ومرامهم من ذلك مجرد التظاهر والحسابات ، فان سألتني : وما اعتراضك عليهم ، اليسوا خيرا من الذين لايقدمون شيئا ، أقول لك : لا.
فرغم انه مازال بين ظهرانينا مثل يقول :(حلاة الحسنة بالتمام) ولكننا نظن أن أداء جزء منها من قبل المقتدر فضلا ،بيد ان العرب لا تعد الفاعل متفضلا بل تراه مسيئا فقد كان الصاحب الغني على أيام المروءة يرسل الى صاحبه المعوز -مبادرا دون سؤال- كسوة عياله وميرتهم لعام قادم ومعه سداد دينه مالا ومثله معه ليتصرف فيه .
وقد جاء في التراث ان شيخا كبيرا وفد على معاوية -وهو على الشام- مستعطيا فطلب منه الأمير عظة ابيات شعر من قريضه وتجاربه فأنشد:
صحبت الناس قرنا بعد قرن ،،،، فلم ار غير ختّال وقالِ
فاعطاه معاوية على قوله ولم يجزل وقال اكمل واسأل: فقال:
وذقت مرارة الاشياء طرا ،،،، فلم أر ما امر من السؤالِ
فأعطاه معاوية دون حاجته ، وقال أتكمل ؟ قال نعم :
ولم ار في عيوب الناس عيبا ،،،، ك”نقص القادرين على الكمالِ”
وهنا بيت القصيد ،ففهم معاوية انه قصّر وهو المقتدر و إن هذا من أكبر العيوب ، فقال : صدقت فأكرمه حتى أرضاه.
وردد بيته بعده :
ولم ار في عيوب الناس عيبا ،،،، كنقص القادرين على الكمالِ