23 ديسمبر، 2024 5:35 م

نقد المنهج الانهزامي !

نقد المنهج الانهزامي !

يقول المفكر الجزائري المسلم (مالك بن نبي) في كتابه المعروف (شروط النهضة) :
((إنَّ القضية عندنا منوطة أولاً بتخلصنا مما يستغله الاستعمار في أنفسنا من استعداد لخدمته، من حيث نشعر أولا نشعر، ومادام له سلطة خفية على توجيه الطاقة الاجتماعية عندنا، وتبديدها وتشتيتها على أيدينا، فلا رجاء في استقلال، ولا أمل في حرية، مهما كانت الأوضاع السياسية … إن الاستعمار لا يتصرف في طاقتنا الاجتماعية ، إلاّ لأنه درس أوضاعنا النفسية دراسة عميقة ،وأدرك منها موطن الضعف ، فسخرنا لما يريد، كصواريخ موجهة، يصيب بها من يـشاء، فنحن لا نتصور إلى أي حـد يحتال لكي يـجعل منا أبواقاً يتحدث فيها وأقلاماً يكتب بها )) …
والحالة هذه ؛
فيبدو أنَّ المحاولات الاستعمارية التي تعاقبت على أمتنا العربية الإسلامية بشكل عام ، والعراق خاصةً قد أجبرتنا على التراخي أمام إرادتها ، عندما نكل عن المضي في الجهاد والنضال ضدها . ولعلها ؛ قد روّضت مجتمعاتنا وشعبنا العربي وشعوبنا الإسلامية على الإنصياع إلى إراداتها ، وأوامر إداراتها المنظورة وغير المنظورة .. المنظورة المتمثلة بالإحتلال والغزو المباشر ، أما الغير منظورة فهي المقنعة بحكومات تتراءى بثوب الوطنية الشريفة ، وتتخفى بباطنها العميل .
ولم تكتفِ تلك المحاولات التي تآمرت على أمتنا وديننا وشعوبنا ومجتمعاتنا بالمسعيين المنظور وغير المنظور، بل راحت تصدّر لنا أفكاراً معلبة ً وجاهزةً في الزمان والمكان المناسبين ، فهي تأتي ساخنة على موائد شراهة شعوبنا ومجتمعاتنا آنَ جوعها الحضاري وفقرها الثقافي وإفلاسها السياسي . ما يجعلها مقبولة ً لدينا ، من حيث ندري ومن حيث لا ندري !!!
لقد ضرب الفكر الماركسي الشيوعي بأطنابه في عمق أوردتنا وأعصابنا العربية والإسلامية والوطنية ، لدرجة تذابحت الجماهير لأجله، وتناحرت راضية ً بما لاقت ، فأستبسلت نضالياً حد الإستشهاد ، في الوقت الذي تخلى العقل المخطط عن نظريته بعد أن ورّطنا بها عشرات السنين ، وتسبب لنا الويلات والكوارث والمذابح والإقتتال .. ليس في سوحنا الآيديولوجية الإسلامية والقومية حسب ، ولكن ؛ في العالم أجمع . وكان ذلك بخديعة الرد على محاولات الدول الرأسمالية الهيمنة على وسائل الإنتاج واستغلال الكادحين ، وإنقاذهم من ويلات التسلط العثماني والبريطاني وغيره ، فسرقوا بعقائدهم مسلمي أمتنا من دينهم ، وشوّهوا الإسلام في عقولهم ، فكرهوه ، وتمرّدوا عليه ، كما يتمرد الولد المعاند على أبيه . ثم أعقب ذلك المدَّ الأحمر َ مشروعُنا القوميُّ المؤدلج بالإطار العربي الفرنسي المضامين ، تفضل الغرب بتعليبه لنا ، وتفضل باستيراده لنا الفيلسوف العربي العملاق ميشيل عفلق ( الموظف الأيديولوجي لمشروعَي التبشير المسيحي والأدلجة القومية الإفرنجية في الأربعينيات من القرن الماضي) بثوب جميل جداً .. يزهو بالروح القومية العربية الرائقة ، فكان فعلاً ثوباً رائقاً جداً .. يتراءى تحت نسيجه نزيف الشرايين البريئة التي نزفت دماً عربياً إسلامياً إنسانياً وطنياً بريئا .
اليوم ؛ وفي خضم اللعنة الجماهيرية العارمة لخريف الأيدلوجيات الغابرة ، وحلول موسم الربيع العربي والإسلامي في العالم الجديد ، تسقط الجماهير العربية الإسلامية ـ عينها ـ بخديعة العولمة والحوارات المتمدنة ، التي أعادت دورة الفراغ الفكري بثورية باردة هذه المرّة . والتي تقاسمتها ردة فعل مقيتة ٍ متخلفة ٍ بثوب الإسلام البريء ، الذي أصبح اليوم قميصاً لعثمانَ جديد، وصراعات سفيانية خوارجية مع عليِّ الوصي(ع) !!!
الإسلام ؛ ذلك الدين السماوي العظيم ، الذي غيّرَ الوجه الحجري لصنمية الإنسان العربي ، وجمرية الإنسان الفارسي ومخلفاتها الرمادية .. الإسلام الجميل ؛ الذي صار ليوم قبيحاً بنظر البسطاء ، لكنه لمّا يزل هو الإسلام العظيم بنظر وعقل العقلاء من أبناء الأمتين العربية والإسلامية .
الإسلام الذي تمخضت عنه رؤى عقلانية أنارت حضارة الفكر الإنساني، وهذبت عقل الإنسان العربي والشرقي ، بحيث جعلت منه يستأنس بتكافل المجتمع ، ويفرح بالجوع الذي يعلمه دروسَ ثقافة الفقراء .. جعله إنساناً يحيى بموته ، عندما يستيقن بأنَّ الحياة مع الظالمين برما !!!
هذا الإنسان ؛ الذي تعلمتْ من دروسه المجتمعاتُ والمللُ والنحلُ دروسَ حياتها المضيئة ، فاستضاءت أممها بحضارة الإسلام العظيم ، فأضاءت إنسانيتها.
المسلمون اليوم ؛ يلعنون إسلاماً لا يوحدهم .. المسلمون اليوم يسبّون إسلاماً زائفاً ، لا يؤتيهم بقبس ٍ من نور السماء . فراحوا يهربون عنه ألف ميل ٍ وميل ، لا لعيب فيه ، ولكن ؛ لعيب ٍ ناجم ٍ عن جهلهم بمفاهيمه القويمة ، التي لا يدركون كيف يحولونها إلى سلوك على أرض الواقع ، فهربوا عن إسلامهم لجهلهم بحقيقته الحقة ، وعدم معرفتهم كيف يستنبطون منه ما يحييهم من أحكام وشرائع تنقذ ضائقتهم الحضارية(ولعلهم بحاجة لنبي و وصيٍّ مرّة أخرى) .
ولهذا ؛ تفرقت الأمة وتناحرت ،وتخبطت في ظلمات الحوارات المتمدنة والعولمة التي أرسلها الغرب لنا اليوم ، بعدما انتهت كافة صلاحيات ما صدّره لنا بالأمس من أيديولوجيات الماركسية والقومية العربية ، بشعاراتها الطنانة الرنانة، وراياتها الحمراء والخضراء .

 السياسة فكرٌ ، والسياسة نظرية ، والسياسة أيديولوجية ، والسياسة جماهير ، فالسياسة إنسان !
هذا الإنسان ؛ الذي نسميه (مواطن) ، هو من يقرر مصير المجتمع ، هو من يخلق طبيعة المجتمع والجماهير والشعب . وعندما يكون الشعب ؛ هو من يرسم مستقبل الوطن ، فالحكومة منه ، والمؤسسات منه ، والوزارات منه ، والتجارة منه ، والصناعة منه ، والتنمية منه ، بناء المؤسسة العسكرية منه ، وبناء المؤسسة التربوية والعلمية والثقافية منه ، ومشروع الوطن الاقتصادي منه ، وعلاقاتنا الدولية منه ، وتفاهمنا الجماهيري منه ، ورفاهنا الشعبي منه ، وأرتقاء وتقدم بلدنا منه ، والحفاظ على مواردنا وثرواتنا منه ، والحفاظ على بيئتنا وصحتنا وتعلمنا وتوافقنا وانسجامنا وتآخينا منه ..!
فعندما يكون هذا الإنسان إنهزامياً ، سوف لن ينجز مشروعه الذي عاش لأجله ، عبر سنين النضال والجهاد ، ومن ثم ؛ ما جدوى مقاومة الإحتلال والغزو عسكرياً ، ومن ثم الإنهزام السياسي ، وترك الساحة خالية ً لتكون مرتعاً لرعاة البقر !!!؟
وفي الختام ؛ لانتمنى أن يكون الإستعمار ببرامجه الجديدة ناجحاً في تأهيل جماهير عميلة للإستعمار ، بعدما انتهت صلاحية الحكومات العميلة !!!