23 ديسمبر، 2024 5:47 ص

نقد المفكر الايراني (علي شريعتي) للشعائر الحسينية

نقد المفكر الايراني (علي شريعتي) للشعائر الحسينية

ان الكثير من العراقيين الذين يعيشون في القرن الواحد والعشرين يقفون حائرين امام بعض الممارسات اللاعقلانية التي تجري في شهر محرم الحرام بذكرى استشهاد ابو الاحرار الحسين عليه السلام باسم (الشعائر الحسينية ) ويعتقدون جازمين انها تسيء لهذه الذكرى العظيمة ولكل ال البيت عليهم السلام والى الشيعة والاسلام ومن حسن حظ الشيعة والاسلام ان يوجد بينهم مفكرين عظام مثل الدكتورالشهيد (علي شريعتي ) الاستاذ بعلم الاديان وعلم الاجتماع الديني من الذين ينتقدون مثل هذه الممارسات عن طريق تفكيكها تاريخيا واجتماعيا لغرض ازالتها من الطريق لكي تتوضح صورة الثورة الحسينية بابهى صورها الحضارية التي تدعوا الى الحرية والعدل والمساوات والكرامة الانسانية وتكون قدوة للناس بالسير على هذا الطريق حتى لو كلفهم ارواحهم – ولهذا اقتبس حرفيا رأي هذا المفكر العظيم بخصوص هذا الموضوع المهم والحساس من كتابه الرائع ( التشيع العلوي والتشيع الصفوي من صفحة 207-212) واليكم نص الاقتباس
((استطاعت الصفوبة ان تنقل الوجود الشيعي من قعر السجون والمطامير وترفعه الى سدة الحكم والخلافة ليحتل موقعا متقدما في المسرح السياسي للمجتمع والى ذلك الوقت كان الشيعة في ايران اقلية مظطهدة لم تتبلور لها في يوم من الايام هوية اجتماعية مستقلة ولن يقم لها نظام حكم وسلطان الا في قواطع محدودة ومتفرقة مثل حكومة ال بويه والسربدارية ولم يكن يتاح للشخصية الشيعيبة ممارسة طقوسها المذهبية . وكان الشيعة لايزاولون هذه النشاطات الاخلف حجاب التقية وليس لهم تجربة في العمل السياسي الجماعي وتنظيم المظاهر الاجتماعية العلنية . اما الان فان النظام الصفوي يحتاج الى مثل هذه الامور ولا بد من عمل شيء ليسهم في تحقيقها وما اسهل ذلك . فلقد استحدث منصب وزاري جديد باسم (وزير الشعائر الحسنية ) وقد قام هذا الوزير بجلب اول هدايا الغرب لايران وذلك في غضون القرنين السادس عثر والسابع عشر . وكان هذا اول تماس حضاري بين ايران والغرب لا كما يقال من ان هذا الارتباط والتماس حصل في القرن التاسع عشر من خلال استيراد المطابع والصحف والمؤسسات والشخصيات الثقافية كدار الفنون وحاجي امين الضرب وامير كبير . ذهب (وزير الشعائر الحسنية) الى اوربا الشرقية وكانت تربطها بالدولة الصفوية روابط حميمية يكتنفها الغموض واجرى هناك تحقبقات ودراسات واسعة حول المراسيم الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية (المسيحية) واساليب احياء ذكرى شهداء المسيحية والوسائل المتبعة في ذلك حتى انماط الديكورات التي تزين بها الكنائس في تلك المناسبات. وقتبس تلكم المراسيم والطقوس وجاء بها الى ايران حيث استعان ببعض الملالي لاجراء بعض التعديلات عليها لكي تصبح صالحة في استخدامها في المناسبات الشيعية وبما ينسم مع الاعراف والتقاليد الوطنية والمذهبية في ايران . مما ادى بالتالي الى ظهور موجة جديدة من الطقوس لم يعهد لها سابقة في الفلكور الشعبي الايراني ولا في الشعائر الدينية الاسلامية . ومن بين تلك المراسيم ( النعش الرمزي )
 والضرب بالزنجيل والاثفال والتطبير واستخدام الالات الموسيقية واطوار جديدة من قراء المجالس الحسينية جماعة وفرادى. وهذه مظاهر مستوردة من المسيحية بحيث بوسع كل انسان مطلع على تلك المراسيم ان يشخص ان هذه ليست سوى نسخة من تلك . تتضمن مراسيم العزاء المسيحي تمثيل حياة شهداء الحركة المسيحية الاوائل واظهار مظلوميتهم وطريقة قتلهم بواسطة حكام الجور والشرك وقياصرة الروم وقواد جيشهم وكذلك التطرق ليسرة الحواريين وماساة مريم وبيان فضائلها وكراماتها ومعاناتها والاهم من ذلك تجسيد ماساة عيسى الميسح والوان التعذيب الذي لاقاه سواء من قومه ( اليهود ) او من الحكام الظلمة ( القياصرة ). كل ذلك تحت عنوان (بيشن ) اي المصائب وهو مصطلح يطلق على مجموع هذه المراسيم التي اقتبسها الصفويون وادخلوها الى التاريخ الشيعي لتصبح جزءا من الهوية الشيعية وتستخدم في تجسيد المصائب التي تعرض لها ال البيت والزهراء والامام الحسين واهل بيته واصحابه . جدير ذكره ان مراسيم الطم والزنجيل والتطبير ووحمل الاثقال مازالت تمارس سنويا في ذكرى (استشهاد المسيح ) في منطقة ( لوردير ). وعلى الرغم من هذه المراسيم دخيلة على المذهب وتعتبر مرفوظة من وجهة نظر اسلامية ولم تحظ بتأييد العلماء الحقيقيين بل ان كثيرا منهم عارضوها بصراحة لانها لاتنسجم مع موازين الشرع ومع ذلك فانها مازالت تمارس على قدم وساق منذ قرنين او ثلاثة مما يثير الشكوك حول منشئها ومصدر الترويج لها ويؤكد ان هذه المراسيم تجري بارادة سياسية لادينية وهذا هو السبب في ازدهارها وانتشارها على الرغم من مخالفة العلماء لها. وقد بلغت هذه المراسيم من القوة والرسوخ بحيث ان كثيرا من علماء الحق لايتجرأون على اعلان رفضهم لها ويلجأون الى التقية في هذا المجال !! وتجدر الاشارة الى ان كثير من المباشرين لهذه الاعمال يدركون جيدا بان هذه الاعمال خارجة عن نطاق الشريعة وداخلة في نطاق الحب الذي لايلتزم كثيرا بالقيود والضوابط . حتى قيل ان احدهم واجه احد العلماء بالقول اننا نصغي الى اقوالكم احد عشر شهرا في السنة ولكن عليكم في هذا الشهر (محرم ) ان تصغوا انتم الى اقوالنا . وقد اخترعوا من انفسهم اسطوانات جديدة يكررونها لاقناع بل خداع انفسهم قبل غيرهم فيقولون مثلا ان هذا العمل لايندرج تحت قائمة المستحب والمكروه او الحلال والحرام . انه جنون حب علي والحسين حب الحسين جنني عاشوراء اغلت دماءنا وددنا لو نحرق انفسنا بايدينا. 

ان حساب الحسين غير حساب الله والدين والاحكام الشرعية ولو ان الله سبحانه وتعالى القانا في جهنم عقوبة على حب الحسين فما اشوقنا الى نار جهنم الى غيرذلك من الجمل والعبارات التي ان دلت على شيء فانما تدل على فقر اصحابها منطقيا وعدم امتلاكهم الحجة الشرعية لتبرير افعالهم الغير المنسجمة مع المعايير الدينية والاسلامية والشيعية . واضح جدا ان هذه اللغة هي لغة التصوف وان هذه المشاعر والاحاسيس هي مشاعر غلو وافراط نجمت عن اعمال الدراويش ومبالغات الخطباء والشعراء .. وكل هذه المظاهر تستمد وجودها من عصب صفوي يغذيها وينفخ فيها من اجل تضخيمها يوما بعد يوم . انني اعتقد ان ماهو معروف اليوم من ان العلماء والمجتهدين وفقهاء الشيعة يستنكفون من ارتقاء منبر الخطابة والتبليغ ويتجنبون الدخول في احاديث التكايا والمحافل الاجتماعية والدينية يعود الى ادراكهم لحقيقة ان هذه المظاهر هي مظاهرة صنيعة الحكم الصفوي وان هذه المنابر كانت تستمد قوتها من الموقف السياسي لا الديني والدليل على ذلك ان هذه المراسيم عادة ماتنطوي على افعال وممارسات لاتنسجم مع الشرع اوالسنة .. فبرغم القدسية التي يكنها الانسان المسلم والشيعي على وجه الخصوص للائمة واهل بيت النبي وخاصة ال البيت نجد مراسيم التشبيه تنطوي على اساءات صارخة من قبيل ان رجلا يمثل دور سكينة او زينب كما يتم استخدام الموسيقى على نطاق واسع رغم مافيها من كراهة او حرمة لدى العلماء . ولاشك ان هذه المظاهر مقتبسة من (النصارى ) حيث توجد لديهم ممارسات وطقوس دينية مماثلة من قبل ( الرجال السبعة الشهداء ) ( ) او (الميراكل ) ( ) مضافا الى تشييع رمزي لنعش عيسى مصلوبا وهبوطه وعروجه ونحو ذلك . اما النوائح التي تؤدى بشكل جماعي فهي تجسيد دقيق لمراسيم مشابهة تؤدى في الكنائس ويطلق عليها اسم (كر ) كما ان الستائر ذلت اللون الاسود التي توشح بها ابواب واعمدة المساجد والتكايا والحسينيات وغالبا ماتطرز باشعار جودي ومحتشم هي مراة عاكسة بالضبط لستائر الكنيسة مضافا الى مراسيم التمثيل لوقائع وشخصيات كربلاء حيث تحاكي مظاهر مماثلة تقام في الكنائس ايضا وكذلك عملية تصوير الاشخاص على رغم كراهة ذلك في مذهبنا. حتى هالة النور التي توضع على رأس صور الائمة واهل البيت هي مظهر مقتبس ايضا وربما امتدت جذوره الى طقوس موروثة عن قصص (ايزد ويزدان ) وغيرها من المعتقدات الزرداشتية في ايران القديمة ..
 كل هذه المراسيم والطقوس الاجتماعية والعرفية هي صيغ مقتبسة مما هو عند( النصارى في اوربا ) . وقد بلغت هذه المظاهر حدا من السذاجة ان الاقتباس يتم بصورة حرفية دون ادنى تغيير حتى ان بعض المظاهر تنطوي على رفع علامة الصليب وقد انطلت هذه المسالة على الصفويين فاستوردوها من هناك وجاءؤا بها الى ايران كما هي ولذلك نرى ان بعض الجوقات يتقدمها مايسمى ب (الجريدة ) وهي شىء يشبه الصليب وكان بعينه يستخدم في جوقات العزاء المسيحية ولا يعرف احد مغزى ذلك من البسطاء الشيعة حتى حاملوا هذه (الجريدة ) لايدركون السبب في حملهم اياها . ولكن مع جهل الجميع بماهية (الجريدة )ومعناها وفلسفة حملها فان جميع المشتركين في الجوقة يعتقدون ان شأنهم واعتبارهم مرهون بهذه الجريدة ومدى الاهتمام بها حتى ان معارك ومشادات تحصل من اجل ان يحظى الافراد بشرف حملها وتتسابق الجوقات في تزيين جريدتهم بحيث تبدو اكبر واجمل واثقل . ويجدر الاشارة الى ان (الجريدة ) ليست تقليدا للصليب بالشكل فحسب يل ان اسمها كذلك يعود تاريخيا الى اسم الصليب ( ) وقد جاء معها من اوربا الشرقية وذلك ان كلمة جريدة لامفهوم لها في الفارسية ولا في العربية . وهذا الكلام ينسحب على سائر الديكورات والازياء والستائر التي جاءت جميعا من اوربا الشرقية وايطاليا على وجه الخصوص حيث مركز( الكنيسة الكاثوليكية ) . ونظرا لان المساجد لم تكن مكانا مناسبا لقبول مثل هذه البهارج فقد استحدث بناء جديد يطلق عليه التكية واصبح فيا بعد مركزا لتسويق مثل هذه الامور الغريبة على الدين والمذهب )).