17 نوفمبر، 2024 6:30 م
Search
Close this search box.

نقد الفكر السائد

لم يكن متوقعا لأبن النحات المنتمي لعائله فقيرة ليست من طبقة النبلاء أن يصبح من أشهر فلاسفة العالم ثم مدينة الجميلة اثينا.
السبب الذي جعل سهام الاتهام والنقد تتوجه اليه بسبب بيئته البائسة التي ولد وترعرع فيها التي تمنع الفقراء من اكتساب المعرفة ،حتى لو امتلك هذا الفقير عقل عبقري وحكمة كبيرة. سقراط الفيلسوف أو حكيم اثينا الذي هز أركان الحكم وحرك سفن المعرفة في العالم .لم يكن مسموح قبله للعوام ان تناقش او تنتقد او تفكر يعني ممتنع عليها ان تمارس التفلسف، حيث ان التفلسف نشاط خاص بطبقة النبلاء والاثرياء في مقدمتهم السفسطائيين. يقرر حكيم اثينا أن ينُزل المعارف من علياها لتلامس حياة الفقراء، باحثة عن أجوبة لمشاكلهم وهمومهم . حين يسئل هل انت حكيم يجيب لا انما انا محب للحكمة ،واضعاً الاسس الاولى للفلسفة، سائراً في ازقة وطرق المدينة، يثير التساؤلات والشكوك حول الافكار والمعتقدات السائدة، محركاً المياه الراكدة تحت اقدام الاثنيين ساخرا من مقدساتهم التي يعتليها الجهل والخرافة. كان يحب أن يتمشى بالأسواق كل صباح حافيا متواضعا ليتعرف عن قرب عن القضايا التي تمس حياة الناس معترضا على غيرة الذين يسكنون القصور يمارسون المعرفة في ابراج عالية . كان حين يبتدأ احدهم بالسلام عليه قائلا صباح الخير ،يوقفه سقراط متسائلا ماذا تعني بكلمة صباح الخير؟ ولماذا تقول لي صباح الخير؟ . مثيرا الشكوك والشبهات حول ابسط المسلمات التي يؤمن بها العوام راغبا بإيقاد روح الشك لدى الجميع . اكتشف سقراط بأن الانسان يدعي امتلاكه للمعرفة من دون ان يدرك بأنه جاهلا، لذلك حين سئل ماذا عرفت طوال حياتك قال عرفت بأنني لا أعرف شيئا، مؤكدا على اهمية ان يعرف الانسان نفسة جيدا لأن معرفة النفس هو الطريق نحو التمسك بالفضائل التي يجب ان يتحلى بها الانسان، ثم التخلي عن الرذائل التي يجب أن يبتعد عنها الانسان ، متبعا طريق الحكمة والشك في كل تفاصيل حياته. داعيا الجميع لتعلم الفلسفة وممارستها بشكل يومي ،التأكيد على دور العقل في تحقيق السعادة التي يبحث عنها الانسان، من خلال المعرفة، معتبرا المعرفة فضيلة والجهل رذيلة. لتبدا الفلسفة من الحياة الشخصية للأفراد حتى الاتجاه نحو نظام حكم يحقق الامن والاستقرار والسعادة للأفراد .طارحا اهم المفاهيم للنقد احيانا وللهدم احيانا اخرى . العدل في مقدمة المفاهيم التي طرحها للبحث والمسألة ، لأنه مفقود في مجتمعه مطالبا بحقوق عوام الناس المسلوبة من قبل الحكومة. كذلك طرح فكرة الفضيلة والمال ،هل امتلاك المال يعني ان يكون الانسان فاضلا؟، هذا ما كان شائعا في اثينا . قائلا أن الفضيلة ترتبط بالقيم التي يحملها الافراد ،وليس بمقدار ما يملكونه من أموال ،بل بمقدار ما يحمل من قيم ويمتلك من مبادئ. معاركه الفكرية والفلسفية ضد السفسطائيين الذين عرفوا بمفاهيمهم المبهمة وأفكارهم الصعبة في الفهم والطرح، راغبين بحصر المعرفة بأنفسهم، ثم الجدل من اجل الجدل وتميع الحقوق باسم المعرفة ،يضع سقراط النقاط على الحروف بتبسيط الافكار والمفاهيم لتكون في متناول الجميع .لأن الحكمة تعني الاقتراب من المعرفة بتواضع لتقدمها لعوام الناس بساطة لتنتفع بها .أن ما أراده سقراط هو ألزام الشخص بأن يمارس عملية التساؤل والنقد للأمور التي قد تكون من البديهيات بالنسبة له، نتيجة حالة الترويض والتركيع التي يتعرض لها من قبل المجتمع والسلطة والاسرة ، بدورها تخلق منه كائن ذليل خاضع خانع ،متقبل للأفكار والمعتقدات بلا نقد أو تمحيص .أن عملية تعزيز الثقة بأفراد المجتمع من خلال خلق روح التساؤل والنقد للأفكار والقيم الوافدة والسائدة تجعل من المجتمع سد منيع ضد قيم الابتذال والسخافة التي تدمر المجتمع، التي شاعت بشكل كبير نتيجة الانفجار المعرفي الكبير من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الذي يقدم سيل هائل من المعلومات خالي من اي معرفة ،لينعكس بصورة سلبية على اخلاق المجتمع وقيمة بصورة كبيرة .الحصانة تعني عملية تقيم ونقد وتساؤل لكل ما هو وارد بغرض حماية الافراد والمجتمع من استمرار التدهور الكبير الذي نعيشه. دائما ما يتعرض من يحاول النقد او تشخيص مكامن الخلل في الفكر داخل المجتمع لتهمة الافساد أو تخريب النسيج الاجتماعي والتهمة الاكثر شهرة هي التعرض للذات الالهية .التهم التي واجهها سقراط ويواجها الا الان أي انسان يدعو للنقد والتصحيح هي التهم التي توجهت لسقراط ايام محاكمته حيث كانت اول التهم السخرية من ألهتهم، ثم اختلاق بدع دينية جديد، وإفساد الشباب. لقد اختار سقراط ان يقف مع ما هو صحيح حتى لو تجرع سم الشكران ،على أن يرفض ما هو سائد حتى لو كان مقدسا .بعد كل محاكمة لفكر او تكفير لقول أو منع لكتاب، نتذكر سقراط الثائر الاول لكل جهل سائد على حساب الصحيح المغيب .

ومضة :
بالفكر يستطيع الإنسان أن يجعل عالمه من الورد أو من الشوك.

سقراط

أحدث المقالات