صفق منتظم أيقظتني بهدوء موسيقياه المحمولة على سحابة رائحة مباركة، خلاف منبه الهاتف المزعج، وأنا انتشل جسدي من فراشي لأحقق فـراقا مؤلما، جرتني ذاكرتي إلى أيام وفرة الوقود، عندما كانت والدتي سلطانة تنور الغاز، قبل أن يسلبها الديمقراطيون عرشها ذاك لصالح سويعات كهرباء افقدت أرغفتها نكهة السنابل الصهباء.
يومها، غادرت منزلي واجهزة الكهرباء تودعني كل على طريقتها، فأيقنت بوجود النور أن نهاري مختلف…
الشوارع بدت نظيفة وخالية من العثرات، سيارات النقل منظمة، لم ألحظ أيضا مناوشات كلامية بين سائقيها ترتقي إلى لكمات وركلات أو عراك بالأسلحة البيضاء والأحذية السوداء.
كما انتبهت إلى نفسي والراكبين وإذ بنا نقرأ على غير العادة، هذا جريدة والاخر كتاب، وما كتم أنفاسنا دخان السجائر، لان السائق ابلغنا ممنوعيتها بقرار برلماني والجميع ممتثل، حتى العجوز جارتي في المقعد، التي لو تحدثت اصابعها لقالت: أحرقتُ علبا بعدد أيامها ولياليها، لم تخرج عن اطار القانون.
شعرت أن السيارات أكثر شبابا ونشاطا ، لا تخلف دخانا، الجديد منها والعتيق، لا تطلق منبهات ما انزل الله بها من سلطان، لكن الغريب ان السائقين كانوا يضعون أحزمة الأمان ويقفون في إشارات المرور تغمز للمركبات والمشاة ليعبروا على نوبات.
ونحن نشق طريقنا إلى قلب المدينة، افتقدت أول مرة مسخ الشارع (الدنبر) والعربات المرفوعة والمجرورة والمنصوبة على الارصفة بعبث، ولا أكذبكم القول إني ما سمعت خوار مولدة كهرباء ولا رأيت أسلاكا تشوه وجه السماء.
وعلى أبواب حي الفاروق القديم وسط الموصل قررت ان استقل الميترو الطائر، الذي انطلق بنا يسبح في فضاء، كحصان جامح لا توقفه سوى إرادته.
غير بعيد من هنا، استوقفني سياح ايطاليون كانوا يتأملون منارة الحدباء شقيقة بيزل، وابهرتهم بصمودها في وجه الزمن ، كما فعلت الأحياء القديمة وفروعها الضيقة وتراصها وتماسكها، كتحفة معمارية.
وتذاكروا كيف ان نجما هولويود انجلينا جولي وبراد بيت، مرا من هنا واقاما هناك، في فيلم (City of a peace) مدينة السلام ، الذي مثلت اغلب مشاهده في درابين وعوجات القليعات والمكاوي.
اي نعم هناك شيء مختلف اليوم، فالمدينة تتقمص الضباب الذي اخفى الكثير من عيوبها، وكأنها تحاكي ازياء لندن الشتوية.
في هذه الاثناء سقطت مفكرتي منكشفة على يوم حافل بالمناسبات، ياه كدت انسى انه موعد اكبر العروض المسرحية ا الوطن العربية تحتضنه الموصل قبل انطلاق مهرجان الربيع.
وأنا أتصفح الأيام القادمة لاقف على الأحداث الأدبية والسينمائية والاقتصادية، هاجمني صوت كاد يثقب أذني، قاطعا سلسلة تأملاتي في هذه المدينة النائمة، بل قل أمنياتي.
“نازل ابو الباص نازل”…