23 ديسمبر، 2024 12:24 ص

نعيم عبد مهلهل حوار الحياة والأدب والأهوار:أنا اكتب تأريخ المكان الأهواري بطريقة الحالم

نعيم عبد مهلهل حوار الحياة والأدب والأهوار:أنا اكتب تأريخ المكان الأهواري بطريقة الحالم

أديبٌ عراقي لم تمنعهُ الغربة والوجوه البيضاء من أن يحمل وطنه حيثما حلَّ وارتحل ، وعصاه التي هش بها عن جواميسه ومدينته الناصرية، ما زال يلوح بها للحياة وهو يحاول أن يعطي دروساً في الحضارة والثقافية العراقية عن سومر وأكد وكلكامش والجبايش الهور ومدينة نبي الله إبراهيم (ع)، حيث جنة عدن التي تغنّى بها الشعراءُ بعدما أضحت تعيش الظمأ وهجرة الطيور، انه الشاعر والكاتب المبدع نعيم عبد مهلهل ابن الناصرية الذي استقر به المقام في ألمانيا بعد رحلة معاناة واضطهاد، فتح في هذا الحوار قلبه بكل أريحية وهو يسرد لنا حكاية الأهوار والغربة وأشياء أخرى:
* أنتَ تحاول إعادة كتابة تاريخ الأهوار بطريقة الفلاسفة والحالمين.
ـ أظن أن كتابة التأريخ في مناطق الأهوار بالنسبة لي ينبغي أن يكتب بطريقة أخرى ولكن ليس بطريقة الفلاسفة، لأن طرائق الرؤى الفلسفية تختلف تماماً عن رؤيا التاريخ وتسجيله لوقائع الأمكنة والأحداث. فالفيلسوف يبحث عن الحكمة في صياغة منطق الكلام وتطبيقه كنمط مثالي يقودنا الى الراحة والسعادة. وتلك طريقة لها أمكنتها ومساراتها ومؤلفاتها وعصورها ايضا، ولكن في الجانب الآخر أنا اكتب تأريخ المكان الأهواري بطريقة الحالم إذ أمزج الأحلام بواقع ما كانت تتمناه تلك القلوب الطيبة والبسيطة التي يمتلكها أهل الأهوار، وكذلك ساعدت بيئة المكان وذكرياتها وأساطيرها على إعطاء مشروعي في الكتابة عن المكان شيئا من فنتازيا أحلام تلك القلوب الطيبة. وأظن أن كتابة تأريخ هكذا بيآت بطريقة الحلم هو توثيق جديد وحقيقي في جمالية جانبه الروحي.
* الغربة الزمانية والمكانية تطبع على الأديب سماتها، ولكنك تحمل وطنك أينما رحلت.
ـ حمل الوطن على أكتافك هو تعب مؤقت، ولكن عندما تحمله في قلبك فإنما انت تمتلك الراحة الأبدية، وغير القلب ليس هناك مكان ملائم لوطنك، ولأني ارتحل هنا وهناك، فإن العراق معي، في الحقيبة والدمعة و روايتي الجديدة والقصيدة التي أكتبها. الوطن هو الزمان والمكان لهذا فإن مع هاجسه ومحبته وغرامه عليك ان لا تنظر الى الساعات والروزنامات لتعد لحظة اللقاء معه، لأنه بالنسبة لي موجود دائما. أنا اشعر ان الوطنية هو ما تشعره تُجاه مكان الولادة والرحلة المدرسية وملجأ الجيش على ان هذه الأمكنة هي في خطوتك ان رحلت بطائرة او سفينة او على ناقة ابن بطوطة.
* هل تؤمن بوجود أدب للداخل والآخر للخارج؟
ـ هذا سؤال يتكرر على كل الأدباء الكبار والصغار واغلبهم من ادباء الخارج. أظن ان ادب الخارج هو ادب الداخل. الاختلاف بينهما خاضع لمناخات الأزمنة والأمكنة، ولكن تبقى الخصوصية العراقية واحدة وإن تعددت تجاربها. وهذا يعني انه لا يوجد داخل وخارج. بل يوجد ادب عراقي يكتبه بذات الانتماء والنكهة الروائي العراقي الذي يعيش في فنلندة والروائي العراقي الذي يعيش في قضاء قلعة صالح.
* شخصياتك في أغلب أعمالك الأدبية تستمد روحها من الجنوب.
ـ في صباي قرأت قصة الحضارة، وفي أحد أجزائه كان ديوارنت يقول هذه العبارة التي لم تزل عالقة بذهني الى اليوم وهي «سيظل الشمال والى الأبد يضخ للعالم القادة والحكماء، وسيبقى الجنوب والى الأبد يمنح العالم المقاتلين والقديسين». من هذه العبارة يا صديقي عرفت ان لنا جنوباً لا يمكن التفريط فيه ما دام هو مكانا للقديسين ومعهم طوابير المقاتلين الشهداء الذين منحوا الوطن الروح والجسد. هذا الجنوب الذي تعودت منذ طفولتي ان اكتب عنه لشعوري انني هو وانه انا، أظن انه هاجس التحفيز لأي مخيلة ولدت فيه وعليه.
* «المعيدي» بلا جاموسة، مقاتل بلا بندقية، ما سلاحك بعدما خلفته وراءك؟
ـ المعدان هو ارث ذاكرة، ومكان والجواميس هي المكمل البيئي والروحي والاقتصادي لحياتهم، هم أصل الذاكرة المائية لجنوب ميزوبوتاميا، وعندما تفصل المعيدي عن موجوداته، الماء والجاموس والسمك والقصب فإنك تمنع عنه الهواء ولم يعد صالحا ليتنفس الحياة، لهذا جدلية المعيدي وجاموسته هي جدلية الانسان مع المكان والتعايش معه، تلك الجدلية كانت تلازم كتاباتي دوما ومنها استطعت ان اتخيل واكتب وابدع، ليس بخصوصية التفرد بشيء، بل لأنني عشت تجربة العيش في المكان وأغرمت به بسبب نقاوته وبساطته وبراءته وفطرته.
* الأدب العراقي في الخارج يعيش حالة ازدهار، أ تخلقه الحرية أم المحنة؟
ـ حتى يزدهر الادب حتما يحتاج الى مكان يتسم بخصوصية الحرية اولا ثم الممكنات البسيطة والصالحة للعيش. وهذا ما قد يوفره الغرب لكتابه من انعدام الرقيب وجمال البيئة ونظافة المكان، أما عن الحرية فهي تطلق لك افق الكتابة ولكن المحنة قد تقلل هذا الافق ولكنه تمنحه ابتكارا وتنوعا قد لا تجده مع الحرية.
* ماذا تعني لكَ: الجبايش، نجم والي، شغاتي، إحسان الجيزاني؟
ــ الجبايش هي وطن للماء وذكريات مدارس القصب ومواويل اصحاب الشخاتير والهجرة الساحرة لطيور اوربا لتشتي مع احلامنا وامانينا التي كنا نريد ان نسافر بها الى مواطنها. انها مدينة مائية جميلة قديما، بائسة حاليا. اهلها طيبون واكثرهم عرب اصلاء من بني اسد، وعند افق الماء المبتعد في ضواحيها تمتد قرى المعدان اساطير الماء والقصب والماضي السومري البعيد.
نجم والي روائي جيد ومعروف في المانيا والعراق والوطن العربي. شغاتي هو شخصية خيالية آتية من ذاكرة المكان الذي عملت فيه معلما وهو الأنموذج الاقرب لطيبة المعدان وحكمتهم، ويتجول معي في الكثير من رواياتي وكتبي عن الاهوار. احسان الجيزاني يعيش معي في الجنوب الالماني، مصور محترف وانصف جمالية الاهوار كثيرا.
* هل يستطيع الأديب أن يعيش بقلبين: واحد للوطن، والآخر لمن؟
ـ الاديب مثل اي بشر له قلب واحد، ولكنه يستطيع ان يحتوي به ما يود او يتمنى او يحب. وحتما الوطن لا يغادر القلب ومعه وجه امك وابيك والأقربين وبقية الاشياء يمكنها ان تغادر وتعود حسب نبض هذا القلب واحساسه واحلامه ايضا.
* أنتَ كثير الإنتاج على جميع الصُعد، أ هذا التنوع محمود أم التخصص يظهرالإبداع أكثرمن غيره؟
ـ انا اكتب، لشعوري انني امتلك الطاقة لأكتب. انها موهبة من الله اشعر بها تسكن ذاكرتي واصابعي التي لا تغادر لوحة المفاتيح يوما. اشعر ان الكتابة خبز الروح عندما تكون مهيأة في طروحات روحك وعقلك وما دمت تمتلك طاقتها فان التنوع في الكاتبة يصبح سهلا ويذهب بك الى الاحترافية. ولكن احتراف بدون وحي والهام وموهبة انما هو ابداع متحجر.
* النظرة تقتل والرصاصة تقتل، وأنتَ ما بينهما؟
ـ تلك معضلة يا صديقي، ولكن النظرة تبقي لك الحياة حتى مع خسائرها، اما الرصاصة فهي تحملك في نعش، والى الصمت الابدي.
* ما جديدك الأدبي؟
ـ حاليا لدي كتابان عن المندائية وكتاب اخر صوفي سيصدر الشهر القادم عن دار الدراويش في بلغراد وبين يدي رواية انجزها الشهر القادم، ومع كل هذا فانا اكتب في الصحافة يوميا تقريبا.
* كلمة أخيرة لمن تقولها؟ ولماذا؟
ـ الكلمة الأخيرة تبدأ بالشكر لك يا عبد الكريم، وتنتهي بأماني سلامة وسعادة الوطن الذي ولدنا فيه أنتَ وأنا.