أعلنت معظم القوى العراقية استجابتها لدعوة أطلقها رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي عمار الحكيم إلى القوى السياسية لاجتماع يصدر ميثاق شرف وطني ضد الإرهاب والطائفية، ويحشد لتحقيق الأمن ومواجهة الإرهاب والإرهابيين، فيما أنعكس عدم الانسجام بين السلطة التنفيذية والتشريعية سلباً على جميع مؤسسات الدولة، وأدخل البلاد في متاهات خطيرة، يصعب حلها عبر أي لقاء لا تتوفر فيه حسن النية عند جميع المشاركين!!.
وفي ظل وضع متشنج الى أبعد الحدود تأتي هذه المبادرة كمحاولة لتخفيف التوتر وكحجماح المغامرين طائفيا بشكل خاص، والذيك يفضلون نصف الخطوة في كل اتجاه، ما أشاع أزمة سياسية متواصلة منذ سنوات، والتي وصلت الى طريق مسدود بسبب توظيف المناكفات الحزبية والعقدئدية لتصفية الخصوم، بعد انتهاء ما أطلقوا عليه ” الشراكة في الحكم”، فيما الصحيح ” توزيع مناصب الترضية”، ما نجم عنه انحدار خطير في مستوى الأداء العام، و ضحايا يدفعون ثمن فشل السياسيين.
وأظهرت تجربة الماضية بكل تفاصيلها المؤلمة أن المزاجيات الشخصية للمسؤولين في العراق ومغريات السلطة تضعهم في خندق بعيد عن الرغبة في المصالحة الحقيقية، و طمر بؤر التوتر الطائفية والعرقية، لذلك أفشلوا مؤتمرا دعا اليه الرئيس جلال الطالباني العام الماضي، وسيفشلون دعوة الحكيم والصدر، وكل ما من شأنه تسهيل العودة الى عراقيتنا، لأن السياسيين لا يجيدون التنفس في الهواء الطلق، لذلك يبحثون عن المشاكل و الهموم وكل ما يزيد الأمور تعقيدا، ليبقى ترهل فشلهم مغيبا، ويضيع ” رأس الشليلة”، ما يعني أن العراق تنتظره مفاجأت خطيرة عكس ما يتشدق به المستفيدون، اللهم الا اذ ا دق ناقوس الخطر في عقول كثيرين لا ينظرون حولهم!!
وينظر المراقبون الى حقيقة الأزمة العراقية من زوايا شخصية أكثر من حقيقة التخندقات المذهبية، التي باتت تجارة راكدة، كشفت عنها نتائج الانتخابات الأخيرة، لكن هذا لا يعني انهيار عرش هذه المفارقات، ما يجدد الحاجة للقاء يفضح المساومات و ينبه العراقيين الى توظيف الانتماءات لتحقيق مكاسب حزبية وشخصية، فالمالكي لا يريد شريكا والنجيفي يبحث عن توازن في ظل متغيرات اقليمية مهمة، وبقية الشخصيات تنادي ولا من مجيب، لأن عمل المؤسسات الرسمية تحول الى بازار شخصي وحزبي قبل أي شيء أخر، لذلك تستحدث مفاصل أمنية بعناوين كبيرة والوضع يزداد سوءا و تحذف هذه المواقع فجأة وكأن العمل المهني بات من بين وسائل الايضاح و استنساخ التجارب، ضمن أجواء من تكرار الأخطاء و تقديم هذا الشخص قربانا للتغطية على فضيحة غيره!!
صحيح أن العراق بحاجة الى مؤتمر وطني شامل ، لا يستثني أحدا، وأن يكون شعاره ” الطائفية ليست خيارنا”، وصحيح أيضا أن الوقت قد حان لمراجعة المواقف و تهذيب السلوكيات وتطهير النفوس في حلبة الصراع لسياسي، لكن الصحيح أيضا أن انتظار وقوع الزلزال للبحث عن وسائل وقاية فيه الكثير من تراخي الحسابات، خاصة وأن العقلاء حذروا ونبهوا مرات عديدة من خطأ سوء التقدير والسكوت على أسلوب ادارة الدولة بشكل طاريء يحتمل كل الخطأ، عندما تختزل المؤسسات لتصبح من لون متشابه!!
اللقاء بأي اسلوب و مظلة عراقية أفضل من رفع سهام الاحتراب، والجلوس على طاولة واحدة في أي مدينة عراقية أصدق ألف مرة من الغرف المغلقة والحوارات السرية خارج العراق، والعودة الى أخوتنا أقصر الطرق لسد الأبواب بوجه التدخل الخارجي، وليس معيبا أن يعتذر الأخ لاخيه، لكن أن يسلم بيد وفي الأخرى خنجر غدر فهذا ليس من شيم العراقيين!!
نعم لدعوة السيد الحكيم في لملمة الجراح، وتقديم مصلحة الوطن وأهله على باقي الملفات الثانوية، ونعم لمشاركة الجميع فيها بوازع وطني ومسؤولية أمام الله والشعب، لأنه من المعيب ذبح العراق و أهله بمزاجيات شخصية تتعكر فجأة، فالنجيفي كان الأقرب الى المالكي في أزمة الأخير مع الأكراد، والجميع تابع مجريات اللقاءات بينهما و تبادل الابتسامات ” النادرة جدا” على وجوه غالبية السياسيين في العراق، فماذا تغير في النفوس لكي يتحولان الى خصمين عنيدين!! وماذا سيقولان للشعب اذا تصالحا غدا حول وجبة عشاء بسبب قضية يحتاج أحدهما للآخر!!
نعم لدعوة السيد الحكيم أذا ستخفف من الاحتقان الطائفي و ترفع الخوف عن عقول وعيون العراقيين، نعم لهذه المبادرة التي تمثل فهما مختلفا لجيل جديد من السياسيين، وفلسفة تترفع عن تصورات الخشب المسندة، وحبذا لو تضمنت هذه المباردة أيضا تصورات السيد مقتدى الصدر، وبما يوسع دائرة الاهتمام و التفكير الجدي بها ، على أعتبار أن بنود الدعوتين تمثل انقلابا خطيرا على المفاهيم التي تنظر الى مستقبل العراق من هواجس المظلومية والأقلية والأكثرية والمكونات وغيرها من مآسي الأحتلال، التي يوظفها البعض للتغطية على وهن في النفوس وسوء ظن لم يتعوده العراقيون، فمرحبا بمبادرة الحكيم ، وكل ما من شأنه الارتقاء بسمعة الوطن و أهله، لا التفنن في تشتيت الجهود بسبب أنانية فردية وحزبية!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]