23 ديسمبر، 2024 12:32 ص

نعم كانوا يكذبون على صدام حسين

نعم كانوا يكذبون على صدام حسين

استمعت الى تسجيل صوتي ويبدو انه جزء من وقائع اجتماع برئاسة صدام حسين وبحضور قادة الاجهزة الامنية بينهم مدير الامن العام وطبان ابراهيم الحسن الاخ غير الشقيق لصدام ووزير الدفاع انذاك علي حسن المجيد وصدام كامل زوج بنت الرئيس وحينها كان يرأس تنظيما امنيا خاصا ،كنا نسميه (شماشمة صدام كامل ) وكان يضم بضعة عشرات من شباب القرى في محافظات العمارة والبصرة والناصرية ومهمته القيام بعمليات سرية ضد التشكيلات المعارضة للنظام والتي تنتشر على كامل مساحة اهوار جنوب العراق والتي تقدر مساحتها بنحو 12 الف كيلومتر مربع .
الاجتماع الذي يوثقه التسجيل الصوتي ارجح انه انعقد إما اواخر عام 1993 او مطلع العام 1994 لان المتحدثين يشيرون الى تجفيف الاهوار وبناء السواتر الترابية على الانهار والانهر الفرعية والترع الصغيرة التي كانت تغذي مناطق الاهوار بالمياه والتي يبلغ عددها 17 نهرا فرعيا بالاضافة الى قطع مياه نهري دجلة والفرات وتوجيه مساراتهما نحو الصحراء وتحديدا الى الجهة الجنوبية الغربية من نهر الفرات وهي مناطق الصبية وغرب منطقة تل اللحم .
ايضا اقامت السلطة انذاك نهرا صناعيا سمي بنهر العز وهو ايضا من المجاري التي يجري من خلالها تسرب مياه نهر دجلة والافرع المتشعبه منه ومن بينها : انهار البتيره والمجر والسلام والوادية . حيث يتصل نهر العز بنهر الفرات في الجزء الجنوبي من قضاء المدينه الواقع في شمال البصرة.
نعود الى التسجيل الصوتي الذي استمعت اليه بامعان والذي اعترف انه احدث لي صدمة كبيره حيث ان هؤلاء الحاضرين في الاجتماع وجميعهم اقارب صدام حسين ،كانوا يكذبون بل كانوا يخدعون الرئيس صدام حسين انذاك .
وكنا نسمع كلاما قبل وبعد عام 2003 ان الرئيس صدام لم تكن تصل اليه الحقائق في العديد من الملفات الهامة والرئيسية ،حسبما كان يردد مسؤولون من حزب البعث وايضا شخصيات شغلت مواقع في هرم السلطة .
كنا لا نصدق بل ونتهم هؤلاء بانهم يحاولون تبرير جرائم وممارسات قمعية مروعة ارتكبت في عهد ذلك النظام .
ولكن . بعد استماعي لهذا التسجيل ولكوني شاهد عيان في تلك الفترة التي هي محور الاجتماع ، اعتقد ان تلك الادعاءات لها جانب من الصحة .
ولكي تتضح الحقيقة اكثر ،رايت ان اجري مقارنات بين ماقاله الحاضرون في ذلك الاجتماع وبين ماكان هو واقع .، واهمية التعليق والرد ولو متاخرا هو من خطورة وغرابة هذا الكذب وانه ينطلي على رئيس بمرتبة ديكتاتور عرف بدهاءه وذكاءه .
التسجيل المجتزأ ، يبدأ بمداخلة لمدير الامن العام سبعاوي ابراهيم حيث اعرب عن رفضة مقترح شن هجوم واسع على مناطق الاهوار ويبدو انه طرح في وقت سابق في بداية الاجتماع ،ودافع سبعاوي عن فكرة العمليات الامنية والخرق الامني وشن العمليات الخاصة ضد تشكيلات المقاومة في مناطق الاهوار والذين وصفهم سبعاوي ب ( هاربون من الخدمة العسكرية )!
سبعاوي حرص على استعراض ( انجازات) ادارته الامنية وبالتنسيق مع جماعة صدام كامل واشار الى انهم قاموا بعمليات اختراق لقيادة ( الفرارية ) ومن بينها تفخيخ اسلحة الهاون !
الحقيقة :
بداية ان من كانوا في الاهوار هم من الكوادر الفعالة والبارزه في احزاب وتننظيمات اغلبها اسلامية ولديهم مؤهلات علمية وسبق لهم ان اعلنوا معارضتهم للنظام قبل سنوات ويكفي الاشارة الى بعض من عرفتهم ابان تلك الفترة :
القائد الشهيد مهدي عبد المهدي مدير كهرباء قضاء الخاص سابقا والقيادي السابق في حزب الدعوة والحاصل على شهادة الماجستير من جامعة القاهرة في علم الادارة .
ابو ابرار الابراهيمي معارض للنظام منذ مطلع الثمانينيات وهو خبير عسكري وحاليا مفتش عام هيئة الحشد الشعبي
ابو علي الجابري ضابط اللاسلكي في مؤسسة النقل البحري العراقية
كريم ماهود نجل شيخ مشايخ البو محمد .
الشهيد القائد محمد جاسم الفرطوسي سجين سياسي سابق واعلن المعارضة المسلحة في الاهوار عام 1986
بالاضافة الى صديقي المثقف المهندس الشهيد حسن والدكتور ابو ايمن والدكتور الشهيد ابو سجاد
ايضا كان معنا احمد الاسدي النائب حاليا في البرلمان والاستاذ ابو جمال وعشرات اخرين من المهندسين والاكاديميين والادباء والشعراء ووجهاء وشيوخ عشائر وضباط من بينهم النقيب سيد شبر والملازم ابو محمد الجبوري والرائد ابو احمد
اما بالنسبة للانصار الداعمين للمقاومة فهم سكان قرى نواحي واقضية محافظات العمارة والبصرة والناصرية من بينهم عائلة سيد هني واشخاص من عائلة سيد صروط وايضا بيوتات محترمة من عشيرة الامارة وجرت مراسلات مهمة معها ،بعضها من قبلي شخصيا مع الفريق رشاش چياد الامارة واخرين .
اما التنظيمات السرية داخل المدن وتنتشر في13 محافظة وهي تنظيمات مرتبطة بمقرات القيادة الميدانية في الاهوار . فتضم هذه التنظيمات شخصيات مهمة من بينها الشهيد القائد السيد ابو خصال الموسوي المدير العام في هيئة التصنيع العسكري وابو ليلى الواسطي قائد عملية مقر قيادة الدفاع الجوي في المنصور وحمزه الموسوي قائد محاولة اغتيال عدي صدام وابو احمد المالكي قائد عملية الهجوم على موكب للامن الخاص في منطقة النهضة منتصف عام 1992 .
فهل كل هؤلاء هم ( شباب وصبية هاربون من الخدمة العسكرية ) ؟!!!!!
واضح ان لعبة الخداع انطلت على صدام حسين وهو المعروف بشطارته وهو القائل : اقرأ الانسان من عيونو واعرفو خائن لو مو خائن . يچذب لو يصدگ .. .
ويكفي التنويه الى ماقاله حسين كامل في مؤتمره الصحفي في الاردن حينما اقر بان الجنوب يسقط بيد المعارضة ليلا . وهي الحقيقة الكاملة التي سمعها من اخيه صدام كامل والتي اخفاها عن عمه صدام حسين .

• التغطية على هزيمة الفيالق

امر اخر اراد منه الخديعة سبعاوي ايضا وهو رفضه لفكرة شن هجوم كاسح من قبل قوات الفيلقين الثالث والرابع على مناطق الاهوار ، واعتقد ان هذا الرفض مرده عجز الاجهزة الامنية والاستخبارية عن تامين معلومات وافية للقطعات العسكرية التي يفترض انها تشن الهجوم الكاسح وقد تحدث سبعاوي وصدام كامل عن عدم معرفة الجندي بالمنطقة وانه يتيه اثناء الهجوم مشددين على وجوب تجنيد ابناء الجنوب لمقاتلة سكان الاهوار . . كما ارجح ان سبعاوي والحاضرين لايجرأون على قول الحقيقة للرئيس بما فيهم الحاضر وزير الدفاع وهي ان الفيلقين الرابع في محافظة العمارة والثالث في ناحية الدير بمحافظة البصرة وكذلك قوات الطوارئ في محافظة الناصرية بقيادة الحاكم العسكري الفريق صلاح عبود حمود كانت قد شنت عشرات الهجمات على معاقل قوات المقاومة المسلحة الا انها عجزت من تحقيق اي تقدم .
وكمثال ،اشير الى معارك منطقة ( الچدي والصحين ) لواقعة الى شنال شرق اهوار العمارة الغربية ،واستمرت من كانون الاول 1991 والى شهر اب اغسطس من نفسها العام دون ان تحقيق اي تقدم حيث كان هدف القوات هو فقط انشاء ( كيرڤ) اي ساتر ترابي نصف دائري داخل هور الچدي .
والاحصاءات التي كنت ابوبها انذاك حيث كنت مسؤولا في وحدة الاعلام في الاهوار ،تشير الى اسقاط 11 طائرة مروحية ( من بينها طائرة كانت تقل القيادي في المكتب العسكري لحزب البعث مزهر الدوري ) بالاضافة الى مقتل واصابة المئات من جنود وضباط الفيلق الرابع حيث كان يقودهم الفريق عبد الواحد شنان ال رباط وباشراف وزير الدفاع علي المجيد .
ولفت نظري في حديث سبعاوي حينما اشار الى تفخيخ مدافع الهاون !
فبالاضافة الى ان هذه الاكذوبة تافهة وتدلل ضعف وخواء النظام انذاك ، وعجزه عن القيام باعمال كبيرة ،اشير الى حادثة وقعت في تموز عام 1992 وتحديدا يوم 15 من ذلك الشهر حينما انفجر سلاح الهاون اثناء احدى الاشتباكات ( خارج مياه الاهوار) وبالقرب من ناحية العدل حيث انفجر السلاح بيد الشهيد القائد محمد ابو نصيف الفرطوسي بعد ان اطلق منه 16 مقذوفة واثناء اطلاقه السابعة عشرة انفجر السلاح بفعل الاستخدام الكثيف وايضا لانه كان صدئا ما ادى الى استشهاد القائد ابو نصيف .
و اكشف سرا وللتأريخ هو ان عدد مدافع الهاون في جميع محاور اهوار جنوب العراق لا يتعدى الخمس قطع فقط لاغير وكانت التشكيلات تستعير السلاح من بعضها البعض خلا ل تنفيذ العمليات وهو سر من الاسرار التي لم يكن يعلم بها النظام .

•• اكاذب صدام كامل والارملة جميلة

استهل صدام كامل مداخلته في التسجيل الصوتي بالقول : (القوة الموجودة في اهوار الناصرية تتراوح مابين 3000 الى 4000 وفي البصرة مابين 2500 الى 3000 وفي اهوار العمارة مابين 5500 الى 6000 ويعني المجموع حوالي 12 الفا مابين هارب ومسيس . )
اعتقد ان هذه المعلومات المغلوطة هي ايضا جزء من عملية خداع كان يمارسها المقربون من الرئيس لخداعه لاهداف وغايات اشرت اليها انفا بالاضافة الى ان صدام كامل الذي منحت له اموال طائلة لتمويل مليشياته في الجنوب انما يريد التستر على عدم جدوى انفاق تلك الأموال ، ولم تحقق الهدف منها حيث كان مقررا ان يصار الى تشكيل شبيه بقوات ( الفرسان الكردية ) والتي كنا نسميها بالجحوش وهو مالم يحصل لانه وببساكه هو ان جزءا من هؤلاء ( الشماشمه) رجال صدام كامل . كانوا بالحقيقة يتعاونون معنا ومن بينهم مسؤول مجموعة في قرية البو عياش حيث كنت اذهب الى منزله اشحن بطارية الكاميرا التي كنت استخدمها في انتاج افلام حول الجفاف والعمليات القتالية وانتهاكات حقوق الانسان .
واكشف بهذه المناسبة ان عدد المقاتلين في داخل ومحيط اهوار جنوب العراق لا يتعدى 2000 مقاتل وليس 12 الفا كما يدعي قائد الشماشمه. بل ان نصف هذا العدد هم من شباب وابناء القرى المحاصرة في تلك المناطق وليسوا بالضرورة كانوا ينتمون الى تشكيلات المقاومة المسلحة كما ان اغلب هؤلاء غادروا المنطقة بعد التجفيف وسكنوا مع عائلاتهم في مناطق العشوائيات في محافظات واسط وكربلاء والنجف .
واكشف ايضا هو ان اجمالي عدد المنتسبين في مقر القيادة الميداني ( نور 1 ) المركزي والذي كنت اتولى قيادته لايتعدى 25 شخصا .وكان المقر في هور البغدادي والذي تحول الى صحراء في تلك الفترة التي كان يتحدث عنها الاجتماع في التسجيل .

وفي وقتها شعرت بخطورة قلة العدد فلجات الى اسلوب الشائعة وتمرير معلومات مهولة عبر عميلة مزدوحة اسمها جميلة وكانت تجلب لنا المواد الغذائية من مدينة الچبايش مقابل مبالغ حيث كنت اتعمد اطلب منها كميات كبيرة من اكياس الدقيق والرز والشاي ،وحينما تسال عن السبب كنت اخبرها بان (400 مقاتل وصلو الى مقرنا واريد ان اطعمهم ).
وفي حينها كذلك ،كان احد عناصرنا يعمل جنديا في استخبارات الفيلق الثالث وكان هذا المتعاون يتسلل الى مقرنا ويقدم لي ( البريد الامني ) قبل ان يسلمه الى مقر العقيد حسين التكريتي مسؤول استخبارات الفيلق . والمفارقة ان احدى البرقيات السرية التي كانت ضمن البريد جاء فيها (( ورد الى مصادرنا بان 400 عميل مسلح من عملاء ايران دخلوا الاهوار واستقروا في منطقة هور البغدادية وتحديدا في بداية منبع نهر ابو صوباط )) . وهنا قلت : عاشت ايدك جميلة .
واليوم اقول عاشت ايدك صدام كامل حيث كان مصدر معلوماته الارملة المسكينة جميلة وامثالها كثر كنا نستخدمهم للتمويه ولتزييف المعلومات لدى النظام ومن بين هذه الشائعات هي امتلاك المجاهدين اسلحة كيمياوية وهي شائعة تسببت بهروب وهزيمة الفرقة (51) والمسماة سارية الجبل خلال تقدمها نحو مستنقع صغير يقع مابين ناحية الدير واهوار صلين في البصرة ولهذه الطرفة قصة طويله .