في خطبة له يوم الجمعة الموافق 13 نيسان عام 2018 وفي الصحن الحسيني الشريف في كربلاء المقدسة، حذر ممثل المرجعية ، من مغبة انهيار منظومة القييم الاخلاقية ، ونادى باعلى صوته بضرورة الحفاظ عليها ، وان لا تعد الامور الخطيرة على انها مفردة صغيرة،
نعم سييدي المرجع ، وانا استمع الى خطبة ممثلكم ، رجع بي الزمن الى ما كان يطأطأ له الراس في عقد الخمسينات والستينات رغم كونه مفردة صغيرة ، لكن كان نقدها جارحا ، فلقد كانت الرشوة على سبيل المثال رغم افقها الضييق انذاك ،كانت تعد مثلبة اجتماعية يحتقر مرتكبها ، واليوم اصبح نقدها خجولا لان الكثرة تمارسها ، وبالاتجاهين ، الراشي والمترشي ، انها لم تكن من منظومة قييمنا ، حالها حال سرقة المال العام ، الذي كان من الجرائم المخلة بالشرف ، وكان مرتكبها النادر يسير دون ان يرفع رأسه بين الناس، ولا يرتاد المقاهي ولا يدعى الى وليمة ، لقد تغيرت المفردات لقبولنا ان تتحول بالجملة من عيوب الى مسكوت عنها ، ثم تحولت تدريجيا تحت تاثير عامل الانخراط التتابعي بها الى مفردات مقبولة. اخذ في الاونة الاخيرة قسما منها يتحول الى عادة ، لقد استقبلنا ظاهرة الاستحواذ على الارصفة لنجعل قسم منها مأرب للسيارات او حدائق منزلية ، او جعلها اقفاص يتفاخر بها عارضوا الدجاج بعلو اصواتها مبعدين المارة الى بحور الشوارع ليتعرضوا للموت الرخيص، او ان جعلناها معارض لابدان وملحقات السيارات ، او حتى جعلناها مكبات للازبال، هذه سييدي قليل من كثير ، ولا نود ان نذكر فالكل يعلم ان الريف زحف على المدن لا بخصاله الحميدة بل بافعاله المقززة فرائحة الحيوانات تشم من بعيد وهي تلعب وترتع بين ثنايا المحلات السكنية او البيوت ، او ذاك الماهر الذي يرعى ماشيته على الارصفة الوسطية للشوارع او ذاك الذي يذبح ويصلخ الخراف على هذه الارصفة وامام المارة من الاطفال وغيرهم ، او ذاك الذي ينصب خيمة العزاء او سرادق الاحتفال وسط شارع عام ليقطع السير دون واعز او مانع حتى اجتماعي ، ومؤخرا نصب احدهم في اعرض شارع شرق القناة ليقيم محفله الانتخابي، وزحفت ايضا تقاليد العشيرة التي كانت محرمة لتأخذ دورها في تخريب منظومة القييم تحت مسمى انصر اخاك ظالما كان او مظلوما ، او ان تأخذ العشيرة والافخاذ بالدفاع عن ابناءها العابثين يالمجتمع وامنه او المخالقين للقانون ، وسرنا بتطرف نحو الفصول وابعدنا القوانين والاصول ، لقد سرنا عكس الاتجاه بتلك السيارات الفارهة متحدين كل عرف وضاحكين على القانون ، لقد قضينا بالباطل لصالح المتهم مقابل مال قليل لقد قبلنا بالمحتل يغزو بغداد تدريجيا وتوجهنا صوب دوائر دولتنا نسرق منها كل شئ وتركنا وثائقنا تحترق ، او قمنا راكضين لندك اعرق دار للطباعة في الباب المعظم ولنسرق منها كل شئ حتى الشبابيك والطابوق، ولم يوقفنا صراخ طفل ونحن نسرق،حاضنته فرحين ، ومنا من سرق الحاسوب من الجامعة المستنصرية على انها جهاز تلفاز، ومنهم من استقر خلف منضدة وزير او مدير عام ولم يك يمتلك ابجديات الادارة ، او منهم من قاد فرقة عسكرية وهو خريج شوارع دول المنفى او منهم من اخذ مركزا جامعيا وهو قد حمل امامه مبتهجا شهادة عليا مزورة ، او من تحدث بالقييم والمبادئ وهو يرمي اعقاب سكائره من شباك سيارته المستوردة، او منهم من خاض الانتخاب بلا برنامج ولا يعرف حتى كم هي مساحة العراق قبل ان يحكمه صدام وما هي مساحة هذا البلد بعد زوال ذلك الحكم ، او منهم من تصدى للاستثمار وهو جاهل به يبتدع كل طريقة لابتزاز المستثمر وليدفع به خارج الوطن ، نحن من قبل لنفسه المكوث في الدار مقابل راتب مجزي من الدولة او منا من قبل بتعطيل القطاع العام لان امريكا لا تقبل الا بسياسة السوق ، ذلكم السوق الذي انفتح على مصاريعه للمستورد الجييد والرديئ بل وحتى المؤذي صحيا ، ومنهم من تاجر بكل شئ وعيبا نذكرهذا الشئ حتى وصلنا الى المخدرات ، والكل لا يدري انه جزء منفذ بذلة لا نقول مخططات بل نقول على الاقل مأرب الغير المستفيد او الحاقد، ولا نرغب بتقديم المزيد فكل منا قام بدوره مدركا او متجاهلا بضرب نفسه في الصميم وبعملية نرجسية فاقت كل المألوف ، وان الهيئة الاجتماعية على الاقل منذ السقوط كانت متساهلة مع الجديد من الممارسات او ان الكثير من اجزاءها لم يكبح الابناء المنحرفين او ان القسم الاخر رحب خجلا بتلك الافعال ، كما ان النقد الخجول لم يك بمستوى خطورة المرتكب ، فالكل بالتدريج قبل بسرقة المال العام او تغاضى عن التحرش بالعلم والتعدي على درجاته ومحرماته ، والكل المعلم او التلميذ تبادل كل منها الجريمة بكارت موبايل ، او اخذ البعض يضرب المعلم او يتعدى على مديرة المدرسة، هذه الممارسات وكل ذاك السكوت كان وراء ما تطرق اليه ممثلكم بحرقة محذرا من انهيار المنظومة الاخلاقية ،
ان الكثير لم يكن ليذكر بل اكتفينا بالعناوين ، لم نجد ابدا شعبا لايحب حكوماته مثل شعبنا وربما عذره يسبق النتيجة لان حكوماته لم تك لتحبه على الدوام ، لقد تناسى منذ قيام دولتنا عام 1921 المسؤولون او الحكام انهم قبل ساعة من توليهم هذا الحكم انهم كانوا من هذا الشعب واشترك الجميع بهذه الخصلة حتى الاحزاب الدينية، والعذر كل العذر لهذا الشعب ولكن لا عذر له على الاطلاق ان لا يحب دولته (وطنه) لقد اختلط عليه الامر ولم يك لييميز ببن الدولة والسلطة ، الدولة يا ناس هي الدستور والقوانين والابنية والممتلكات والعجلات والاضابير ، هي باختصار الملك العام ، اما السلطة منهم خدام للدولة يمارسون وهم اشخاثص اعمالا تحددها الدولة . فهم اشخاص سياسيين والدولة شخص قانوني ، الدولة هي من اشخاص القانون الدولي والسلطة من اشخاص القانون الدستوري الدولة هي الاصل والسلطة هي الفرع ، الدولة دائمة والسلطة متغييرة ، احبوا دولتكم ولا تعادوها هي ملككم المشترك اما السلطة فهي من يعتدي على الناس والدولة تريد بقوانينها تحقيق امال اؤلئك الناس ، وتريد ان تكبح جماح السلطة،
ان الاختلال الواسع الانتشار لمنظومة هذه القييم بعد كل ما تقدم ، يقف وراءها مجتمع عانى الكثير من الظلم ،كما يقول الكثير من المفكرين ، ونحن نسلم بذلك ولكن نتساءل امام الجميع ، الم تكن لتقاليدنا وعاداتنا ، ومن قبلها ديننا الحنيف تاثير علينا ، الم تكن لنا جميعا كوابح ذاتية تمنعنا من ارتكاب الاخطاء ، الم تبقى لدينا رواسب من ارثنا الغزير لتصرخ بوجه المسيئ ، لقد كان بامكان المعلم وهو المربي ان يصمد بوجه الجيل الذي اخذ يميل تدريجيا للانحراف ، وقد كان بامكان المدير العام ان لا يكون مثلا سييئا يسبق الموظف التابع له بالسرقة ويفتح له الباب ليسرق هو من بعده وليرتشي ، وكذا الوكيل والوزير ، وقد كان على الام ان لا تقبل على ولدها وهو يدخل عليها بما كان قد سرقه من معرض بغداد الدولي ابان الاحتلال ، ولقد كان حري بالاب ان يكون مثلا لابنه مستنكرا حرق الدوائر والعبث بموجوداتها ، او كان الاجدر بشيخ العشيرة ان لايقبل بسرقة معسكرات الجيش ليحول ديوانه الى معسكر للعشيرة يقاتل من خلاله اخوته في العشيرة الاخرى ، وقد كان حري بالكرد ان لا يشتروا اسلحة الجيش الثقيلة لانها ممتلكات بلدهم لا ممتلكات صدام ، لقد ذهب صدام وظلت الدولة ، اذن لم يكن هو الدولة .
سييدي المرجع الاعلى ، لا زال الامر قيد السيطرة لاننا لا زلنا على ديننا ، ولا زال شعبنا فيه الكثير من الخييرين ومن يخافون الله ، ولا زالت فينا عروق تنبض فيها غيرة العربي والمسلم ، والمطلوب هو ان يجنح احدنا ولو للحظة الى ما كانت عليه تقاليدنا قبل ثلاثين عاما ،لا نطالب بالاكثر ولم نكن طماعين ، وان يأخذ كل منا موقفا ناطقا صارخا تجاه كل اساءة او تعد على مال عام ، او مكان حرام او ممتلك عام او رأي عام ، او قانون عام او طريق عام او رصيف عام ، او خلق عام ، وان لا نسفه الصحيح من التوجيه والكلام ، وان نتوجه الى رجال العلم والاعلام ، واخيرا وليس اخرا اين دور رجال الدين البسطاء منهم والاعلام . اين دور المدعي العام ،لنقول لهم هذا يومكم شبابكم انقسم بين مرتكب وبين منتقد ، بين مجدد وبين نادم ، الدور دور الجميع ، كل ما نطلبه هو ان نغادر السكوت المخيف وان نمارس التوجيه والنقد الشديد…