23 ديسمبر، 2024 3:49 م

من القصص التي اعتادت الوالدة اطال الله بقائها ان ترويها لنا قصة جابر رحمة الله وهو واحد من اهلنا الطيبين الذين اضطرتهم مصاعب الحياة في الريف بداية عقد الخمسينيات من القرن الماضي الى الهجرة من العمارة الى العاصمة بغداد بحثا عن لقمة العيش وفرصة لتربية اولاده وقبل مغادرته لقريته وضع مايملك من نعاج قليلة (نعيجات بلهجتنا العمارتليه الجميله) امانة لدى اخ له طالبا منه بيعها وارسال ثمنها له في بغداد لتعينه على العيش في مستقره الجديد وبعد وصول جابر وعائلته الى بغداد بقي ينتظر ثمن النعاج وعندما تاخر عنه الخبر بدا يدور على اقاربه ممن يعرفون القراءة والكتابة وهم قله في ذلك الحين طالبا منه كتابة مكتوب لاخيه فيه سؤال واحد ظل يكرره في كل مره (نعيجات جابر ياهو الباعهن ياهو الكلاهن ؟) اي من باعهن ومن اكل ثمنهن واستمر في ذلك حتى جائه الجواب (خويه اني الي بعتهن اني الي اكلتهن) ليصبح جابر واخيه ونعجاته حديث العشيره .

هذه القصة اجدها تعبر اجمل تعبير عما يجري في عراق اليوم فاذا كان جابر قد وجد من يكتب له المكتوب وحصل في نهاية الامر على جواب فان الشعب العراقي لم يجد حتى من يكتب له سؤاله عن نفطات العراق (ياهو الي باعهن وياهو الي كلاهن؟) . منذ عام 2006 والعراق يعلن عن ميزانيات انفجارية بلغت لحد الان ثمان مائة مليار دولار امريكي وبحسب قوانين الموازنه في كل دول العالم من الولايات المتحدة الامريكية الى مملكة سوايزلاند العظمى تقوم الحكومات في نهاية السنة المالية بتقديم كشف حساب عن المبالع التي صرفتها والانجازات التي حققتها وماهي احتياجاتها للسنة القادمة الافي العراق فلا كشف حساب ولا سائل ولا مسؤول بل حصانات تمنح من المسالة وحماية تفرض على الفاسدين وسارقي المال العام وعقارات تتناهبها عوائل المسؤولين وبرلماننا العتيد يتم اسكاته بالمنح والهدايا والعقود فيقر الموازنة الجديده دون ان يطالب الحكومة بكشف الحساب عن السنة الماضية .

واذا فتحنا الملفات واحدا واحد نجد ان الحكومات المتعاقبة قد صرفت اكثر من مائة مليار دولار على تطوير وتسليح الجيش العراقي وهو مبلغ خرافي قياسا بحجم الجيوش في المنطقة ولا اعتراض لدينا على المبلغ ان كان قد صرف لتحقيق فائدة ولكن تبين بعد احداث حزيران ان الجيش الذي تم صرف كل هذه المليارات على تطويره قد تحول الى جيش من الفضائيين والمراسلين الذين تنحصر مهمتهم في التسوق لزوجات الضباط وتوصيل الاولاد الى المدارس اما الابطال الشجعان من جنود جيش العراق الباسل الذين يضحون بارواحهم من اجل العراق فهم محرومون من الذخيره الجيده والغذاء المناسب ويضطرون لشراء ملابسهم العسكريه من بالات ساحة الطيران وان المليارات التي كان من المفروض توجيهها لشراء اسلحة حديثة قد تحولت الى عقارات في خارج العراق للسادة القادة والسياسيين والمحاسيب والعشيقات والصديقات اليس من حق الجندي العراقي الذي تحاصره داعش وهو محروم من المدد ان يسئل هل يقبل القادة بان يرسل احد اولاده ليعيش عيشة الجندي البسيط ثم اموال التخصيصات (ياهو الي باعهن وياهو الكلاهن).

اما اذا اتجهنا الى ملف الكهرباء فهنا تسكب العبرات ففي لبنان البلد الصغير الفقير استطاع رفيق الحريري ان يعيد الكهرباء الى لبنان بكامل طاقتها بعد اسبوع واحد من قيام اسرائيل بقصف اكبر محطة كهرباء في بيروت ودون ان يكلف الميزانية اللبنانية مبالغ خيالية اما في عراق النفط والخيرات فبعد ان صرفت الحكومات المتعاقبة اكثر من ثلاثين مليار دولار على اصلاح الكهرباء مازال العراقيون يعانون من انقطاع الكهرباء في هجير الصيف القائض وكل انجازات وزارة الكهرباء حفل زواج اسطوري (لافضل وزير كهرباء في تاريخ العراق) الذي تحول بعد ان استقال بفعل الضغط الشعبي الى المستشار المسؤول عن مشاريع اعمار الكهرباء ومقره الولايات المتحدة وكيلوات من الذهب تطوق عنق وجيد زوجة ابن وزير الكهرباء الذي حل محله . ويبقى المواطن العراقي منتظرا رحمة صاحب المولدة ولسان حاله يقول (ياهو الي باعهن وياهو الي كلاهن ).

وملف لعنة العراق الابدية وهو ملف النفط مما تتقرح له الاجفان فبعد ان وعدنا بان بيع التراخيص النفطية للشركات العملاقة سيرفع انتاج العراق من النفط الى 10 مليون برميل يوميا نجد اننا الان على ابواب 2015 وانتاج العراق لم يصل حتى الى حصته المقررة من نفط الاوبك وهي ثلاثة ملايين برميل يوميا في حين ان انتاج العراق حاليا في احسن الاحوال لايتجاوز مليون ونصف المليون برميل يوميا في حين ان اي زائر للبصرة يشاهد بام العين اللنجات وهي تغادر الميناء محملة بالنفط المهرب لحساب الاحزاب والشخصيات التي تعتلي سدة الحكم وشوارع البصرة تغرق بمياه المجاري والمواطن يتسائل ياهو الي باعهن وياهو الكلاهن ؟؟؟؟.

اما سفاراتنا في الخارج فان الارقام المهولة من الموظفين فيها لاتتغلب عليها سوى عدد موظفي السفارة الامريكية في بغداد ولكن اذا قدك سوء الطالع الى مراجعة اي من تلك السفارات ستجد الابواب موصدة لان معظم موظفي السفارة هم من ابناء وبنات المسؤولين الذين لاعمل لهم سوى ان يعدوا اياما ويقبضوا راتبا والنجيب منهم يستغل الفرصة للحصول على شهادة جامعية من البلد الذي يعمل به لان الوقت لم يتسع له لاكمال دراسته في العراق وانا لااقصد الدراسات العليا ولكن الدراسات الاولية في حين انهم يفضلون الحصول على شهاداتهم العليا في العراق دون ان يدخلوا باب الكلية مثل المسؤول الذي حصل ولده على شهادة الدكتوراه من جامعة بغداد دون ان يدخل العراق حتى لحضور مراسم منح الشهادة ويبقى المراجع المسكين اما باب السفارة الموصد ولامن مجيب .

ثم قالوا تغيير وتم التغيير فلم يلمس المواطن من التغيير سوى العناوين ولم نشهد محاسبة ولا حتى نية للمسالة بل حماية وحصانة فاذا كان كل المسؤولين سابقين وحاليين وكافة النواب سابقين وحاليين وكافة القادة العسكريين والامنيين بريئون من كل هذا الفشل فمن باع نعجات جابر ومن اكلهن ؟