23 ديسمبر، 2024 5:52 ص

نظــام تعليـم داعش: الجيـل الأخطـر قــادم

نظــام تعليـم داعش: الجيـل الأخطـر قــادم

بعد عامين ونصف على سيطرة داعش على مناطق عديدة في العراق، عمدت إلى عمليات تغيير إجباريه كبرى في المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والثقافية في تلك المناطق مستخدمة القوة والإكراه في تطبيق تلك التغييرات. أما واحدة من هذه المجالات التي خضعت للتغيير هو نظام التعليم. فقد أسست داعش ديوان التربية والتعليم الذي انُطيت به مهمات تأسيس نظام تعليمي يتلائم مع أيدلوجية وفكر تلك العصابات الإرهابية، إما الهدف الرئيسي من ذلك النظام هو خلق جيل جديد يحمل أفكار تلك الجماعات.
وعلية اتخذ ديوان التربية والتعليم الداعشي عدة إجراءات لبناء النظام التعليمي منها إخضاع الكوادر التعليمية إلى دورات مكثفة في الشريعة ودعاهم للتوبة وتنقية عقولهم من الممارسات القومية والعلمانية والديمقراطية والتي يعتقد أنها تتعارض مع الشريعة الإسلامية ويجب تصحيحها. وكذلك سرعان ما أدرك داعش أن المرحلة العمرية ما بين 7 إلى 11 سنه هي مرحلة عمرية يمكن تُغرز فيها أيديولوجية داعش بشكل سريع وبالتالي يمكن خلق جيل أخر يعرف “بالجيل الرابع “. ومن اجل تحقيق ذلك بدأت حملات كبرى لتغيير المناهج الدراسة السابقة لتحل محلها مناهج التوحيد والشريعة والفقه وتم الغاء دروس العلوم واللغة واللغة الإنكليزية والرياضة والفن. فقد حلت بدلاً عن الرياضة والفنون, حل التدريب على القتال والدفاع عن النفس واستخدام الأسلحة كما شاهدنا ذلك في منشورات داعش. أما في مرحلة المتوسطة فقد خضع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 إلى 15 سنة إلى دراسة أفكار محمد عبد الوهاب “مؤسس الوهابية” أما المواد الدراسية كالفيزياء، والكيمياء، واللغة الإنكليزية، والإملاء، والتاريخ، والجغرافية، والأدب فقد أهملت بالكامل. أما الرمز الرياضي المعترف بها دوليا (+) تم الاستعاضة عنه مع رمزاً جديداً يمثله حرف ( ⱬ) وذلك اعتقاداً منها أن علامة (+) ترمز إلى الصليب وهو رمزا للمسيحيين. فحسب اعتقاد داعش أن استخدام علامة زائد سيكون تقليداً للكفار، وبالتالي ممنوع استخدامه. كما منعت التدريس الخاص في المنازل وذلك خشية من يخضع الأطفال لتعليم غير التعليم الذي أعدته لهم داعش.
أما على المستوى الجامعي، فقد تم تحويل اسم جامعة الموصل إلى “الجامعة الإسلامية ” وأغلقت عدد من أقسام الجامعة، بما في ذلك القانون، العلوم السياسية، علم الآثار، والتربية البدنية، والفلسفة، وتخصصات الفنادق والسياحة، ودروس الديمقراطية، والثقافة، كم تم إزالة الحريات العامة من المناهج الدراسية والروايات والمسرحيات في أقسام اللغات ونفت التقسيم الجغرافي للدول، مدعية أنها هي اختراع الإمبريالي وأن كل الدول الإسلامية هي واحدة. كما حظرت الأساتذة من طرح أسئلة تتعلق بالربا والفائدة، والمبادئ القومية والعرقية، والحقائق التاريخية.
من الواضح أن داعش قد عمدت إلى بناء نظام تعليمي قوي و شامل والذي يمكنها من خلال هذا النظام أن تنشر أفكارها بين الأطفال والمراهقين وذلك من خلال الترهيب والترغيب من اجل صناعة الجيل الموعود “الجيل الرابع” والذي يمكن أن تستفيد من تجنيدهم مستقبلاً. أن الجيل الرابع سيكون أكثر خطورة على المجتمعات التي يتواجد فيها وسيهدد الأمن المجتمعي والتعايش السلمي وذلك بسبب التأثيرات النفسية والشخصية والاجتماعية التي استطاعت داعش أن تغرزها في نفوس الأطفال والمراهقين. أن اختيار داعش لهذا الفئة من الأطفال والمراهقين بالتأكيد هو ليس ضرباً من الخيال، بل هي عملية ذكية مدروسة وذلك لسهولة تقبل تلك الفئات للأفكار والأيدولوجيات بغض النظر عن سلبيات وإيجابيات تلك الأفكار. فوفقاً لنظريات التعليم، أن التعليم المبرمج في مرحلة الطفولة ينمي خمسة مجالات مهمه وهي: النمو الاجتماعي، والنمو البدني، والنمو الفكري، والنمو العاطفي، والنمو الإبداعي. لو افترضنا أن داعش استطاعت أن تنمي تلك الجوانب في الأطفال عن طريق نظامها التعليمي، فسنحصل على ماياتي: اجتماعياً، فهؤلاء الأطفال أصبحوا أعداء للمجتمع وسيجدون صعوبة في أنشاء علاقات سلمية مع الآخرين. أما بدنياً, فقد استطاعت داعش أن تنمي المهارات الحركية العنيفة وذلك من خلال التدريب البدني العنيف. أما من حيث النمو الفكري فقد استطاعت داعش أن تزرع أفكار التطرف والقتل بين جموع تلك الفئات. إبداعياً، فقد أصبح هؤلاء الأطفال يبدعون في مجالات القتل والتعذيب كما شاهدناهم في مقاطع الفيديو. أما عاطفياً، فمشاعر وادراك هؤلاء الأطفال قد بُنيت على الكراهية والحقد والعنف. أن نتائج هذا التعليم قد شاهدنا مراراً من خلال انضمام المئات من الأطفال إلى تلك العصابات ومشاركتهم لجرائمهم. وفي غضون ذلك قال مدير أبحاث الأنسان في المركز الوطني الفرنسي (سكوت اتران) في كلمة القاها في الأمم المتحدة ” أن هؤلاء الأطفال والمراهقين يمكن أن يشعلوا حرب مستقبلية إذا ما حملوا السلاح” وفي ذات الشأن قال محللون: ” أن قادة داعش يرون في الأطفال أداة أساسية لحماية “نجاح” التنظيم في المستقبل، ويعتبرونهم مقاتلين أفضل وأقوى؛ نظراً لأنهم سيتربّون في أراضي داعش منذ البداية، وسيصبحون عديمي العاطفة، ولن يخضعوا لفكر آخر غير فكره”.
في خضم هذا التهديد الكامن والمستقبلي فماذا على الحكومة العراقية أن تفعل؟ ماهي خطط وزارتي التربية والتعليم العالي لمواجهة هذا الخطر المستقبلي؟ فلابد من وجود تدابير وخطط تسهم في إعادة تأهيل هؤلاء الأفراد. أن محاربة هذا النظام بقوة السلاح لن يكون هو الأسلوب الانجع ما لم يقترن هذا الاسلوب بمحاربة الفكر المتطرف بخطط تربوية ممنهجة ومعدة بشكل علمي, والا سنشهد نفس الخطر بعد سنوات من الأن. إن تعديل الاتجاهات وتصحيح المعتقدات والمفاهيم الخاطئة وتعديل الفكر المنحرف للوصول إلى الوسطية والاعتدال يحتاج إلى جهود كبيرة من قبل الحكومة العراقية بشكل عام و وزارة التربية بشكل
خاص. يمكن اتباع بعض الأساليب الوقائية والطرق العلاجية التي يمكن استخدامها مع أصحاب الانحراف الفكري وذلك لتصحيح انحرافهم وتقويمهم والوقاية من أخطارهم على والمجتمع وذلك من خلال ما يأتي. – يجب أن تتحمل المدرسة الدور المناط بها في تزويد المتعلمين الأفكار السليمة عن المجتمع.
– ربط المدرسة بالمجتمع المحلي وتفعيل دورها في حماية أمن المجتمع المحلي وعدم قصر نشاطها داخل أروقة المدرسة فقط – يمكن إضافة مناهج جديدة حول الوقاية من الجريمة والانحراف توضح كيف يمكن للشباب تحصين أنفسهم من الجريمة، ومعرفة السبل الناجحة للابتعاد عن التطرف والانحراف. – وضع خطة استراتيجية للإرشاد النفسي الجماعي للوقاية من الاضطرابات النفسية توجه على الأخص نحو الوقاية من التورط في التطرف والإرهاب بين تلاميذ المدارس وطلبة الجامعة. – ضرورة انتقاء المعلمين الذين يقومون بالتدريس بكل دقة وحذر، بحيث يتصفون بالفطنة والذكاء والقدرة على إيصال المعلومة الصحيحة للطالب بالإضافة إلى المقدرة الشخصية التي تمكنهم من استيعاب المتغيرات الحضارية التي يعيشونها وعكسها في المناهج الدراسية بشكل جيد، وأن يكونوا قدوات يحتذى بهم علماً وخلقاً وسلوكاً.
– وضع خطط مستعجلة كاملة وشاملة بمشاركة جميع منظمات المجتمع المدني ومنظمة حقوق الأنسان والشرطة المجتمعية و وزارة العمل والشؤون المجتمعية من اجل تحشيد الجهود لإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال ومن ثم دمجهم بالمجتمع.
– فتح قنوات للتواصل مع منظمة اليونسكو للتربية والتعليم ومنظمة اليونيسيف للاستفادة من خبراتهم في هذا الجانب.
– مشاركة الأسرة في مراقبة سلوك أبنائها وذلك من خلال تثقيفها عن طريق ورش العمل حول خطر هؤلاء الأطفال في المستقبل لاسيما الأسر الفقيرة والأسر التي تسكن القرى والأرياف. ربما قد يسعى هؤلاء الأطفال بتجنيد أطفال اخرين لاسيما المعوزين منهم.