لاشك أن العالم بطبيعته منقسم الى طبقتين ، طبقة منعمة مترفة ، وأخرى فقيرة مقهورة ، كذلك هناك دول تعيش شعوبها في ظروف جيدة ، وهناك دول أخرى تعيش شعوبها أو الغالبية العظمى منهم ظروف أقتصادية صعبة ،ومعظمهم يعيشون دون مستوى خط الفقر، بالأضافة الى أن هناك قارات كاملة تكاد أن تعيش دولها ظروف أقتصادية جيدة ، في حين نجد قارات أخرى يعاني أقتصاد دولها من الركود والتردي ،وترزح تلك الدول تحت قيود الديون المكبِلة ، ناهيك عن هيمنة الدول ذات الأقتصاد القوي على مقدرات الدول ذات الأقتصاد المتدني ،
وفي نفس الوقت نجد أن هناك دول ذات أقتصاد قوي جداً ، وتمتلك مؤهلات قوة أخرى عسكرية وعلمية وأجتماعية ومكانة دولية ، مما جعلها تتزعم العالم كأمريكا مثلآ ،بالأضافة الى أن لها سطوة على المنظمات الدولية التي يفترض أن ترعى السلم الدولي ، وتساهم في تخفيف معاناة شعوب العالم كافة من جراء الكوارث الطبيعية التي تلحق بها بالأضافة الى الحروب والفقر ، وفي ظل هذه الظروف وجدت الشعوب المقهورة أن لامناص لها سوى الأذعان لمنطق القوة ،والتسليم بما يُملى عليها ، أو يرشح من أحداث أغلبها من صناعة تلك الزعامة المتجبرة ،ولم تكتفي هذه الدولة المتسلطة أو من أصطف معها بأن يعيشوا ملوك خارج قوانين العالم ، ويتركوا الآخرين أن يعيشوا وفق الكيفية التي يختاروها ، وأنما راحوا تارةً يتدخلون بشؤونهم الداخلية بأسلوب غير مباشر ، مستغفلين ومستغلين سذاجة تلك الشعوب بأسم الديمقراطية والحرية وحقوق الأنسان ،فأصطنعوا لهم تارةً كذبة الأنتفاضات والثورات والأنقلابات والفوضى الخلاقة ، وتارة بالتدخل المباشرفي شؤونهم لتغيير أنظمة الحكم في تلك الدول ، وتارةً أخرى بصناعة فكر ديني أجرامي متشدد ،يعبث هو الآخر بمقدرات وثروات تلك الشعوب الفقيرة المغلوب على أمرها لزيادة معاناتها ،ولم يكتفوا عند هذا الحد ،فقد تلاعبوا بأقتصادهم ،وبأسعار مبيعات ثرواتهم ، وخربوا برامجهم الأقتصادية ، وقيظوا حساباتهم ، وأفلسوا خزاناتهم وكبلوهم بالديون ،وأفقروا شعوبهم ،وعطلوا خطط تنميتهم ، كما هو جاري الآن في التلاعب بأسعار النفط والغازالتي هبط سعرها الى أرقام غير معقولة ،وربما ماخفي كان أعظم ، مما أنعكس سلباً على أقتصاد تلك الشعوب الفقيرة التي تعتمد بالأساس على أقتصادات ريعية ،وأحبطت تلك الشعوب ، وزادت معاناتها ،وتفاقمت مشاكلها، وبألمقابل أنتعش أقتصاد تلك الدول المتنفذة ،وفق مبدأ ( مصائب قومٍ عند قومٍ فوائدُ) .
وفي ظل كل هذه التناقضات ،ومايجري لشعوب العالم الممثلة بدولها ذات السيادة ، والتبعية الواضحة من تلك الدول المغلوب على أمرها للزعامة المتجبرة التي تتمثل اليوم بأمريكا وبعض حلفائها من الكبار ، وكذلك أرتهان أقتصادها لهيمنة الدولار الأمريكي على السوق العالمية ، وأرتباط أقتصاد معظم دول العالم على الدولار كمقياس لقوة أو ضعف أقتصادها .
وهنا يبرز سؤال كبير بحجم المشكلة وهو ، ألا يوجد منفذ أو وسيلة لخلاص تلك الشعوب المضطَهدة من سطوة الدول المُهيمنة ؟
والجواب كما أرى من وجهة نظري ، أنه لو أفترضنا أن نصف العالم سيُفنى من الكرة الأرضية ، أرضاً وشعوباً ومياه وحضارة وبناء ، أي أن نصف العالم يزول بفعل قادر ، فهل بأستطاعة النصف الآخر أن يعيش حياة طبيعية ..!؟ ، ولنفترض أن النصف الذي يزول هو النصف المتزَعِم ،والنصف الذي سيبقى هو النصف المُضطَهَد ، فهل بأستطاعت هذا النصف المتبقي أن يعيش مكتفياً بذاته بعد زوال النصف المتزعِّم ..!؟ والجواب من وجهة نظري أيضاً هو ، نعم .. أنه يستطيع ، وسيقول قائل ، إن وسائل التكنلوجيا الحديثة ،والصناعات التي أصبح العالم لايستغني عنها ،وكثير من العلوم ستزول مع النصف الزائِل ، وهذا سينعكس سلباً على حياة النصف الآخر الباقي ، وسيؤخر عجلة تقدمه في الحياة وستظهر له مشاكل أقتصادية وأجتماعية هو في غنى عنها ،وهنا أقول ، لابأس أن نتراجع الى الوراء عقداً من السنين أو عدد من العقود ، أو قرناً أو نصف قرن ، مقابل أن نتخلص من هذا الوحش النهم الذي لايشبع من ألتهام قوتنا ،والعبث بثرواتنا ، والتشفي بتجويع وأذلال شعوبنا ، والتدخل بشؤوننا ومقدراتنا ، لنعيش بدونه أسياداً كشعوب متحررة ، بدل أن نعيش عبيداً في أوطاننا .
خلاصة القول.. أستطيع أن أقول بأن العالم بأستطاعته أن ينقسم بوجود الآخر ، فبأمكان الشعوب المضطهَدة أن تتوحَّد وتتفق على العيش بعزلة عن النصف الآخر ، أي تتخيل أنه غير موجود ، فتتفق على أصدار عملة خاصة بها ، وتجد لها أسواق خاصة ،وتخرج من الأتفاقيات الأممية ، وتضع لها قوانين وقواعد عامة تنظم علاقاتها فيما بينها ،وتعتبر نفسها أنها تعيش في كوكب آخر ،ليس له علاقة بالكواكب الأخرى ، كأن الأرض قد أنشطرت الى نصفين ، وهذا من حقهم ، وسيقول قائل أن هذا الذي تدعو اليه كان قائماً منذ عقود من الزمن ، وأنه يشبه (منظمة دول عدم الأنحياز) ، وهنا أقول لا ، لأن دول عدم الأنحياز لم تقطع صلاتها بالعالم وبالدول الأخرى من غير منظمة عدم الأنحياز .
أخيرآ أقول .. نعم ..قد يبدوا أن ماأدعوا اليه هو ضرب من الخيال ، وكلام لاينسجم مع الواقع ، وفيه الكثير من العيوب ، لكن العالم بكل مايمتلك من عقول ،بحاجه الى أن يفكر للخلاص من طغيان الطغاة ، وهذا مادفعني للتفكير بنظرية جديدة تعيد تكوين الخارطة السياسية للعالم ، أسميتها (نظرية نصف العالم ) .