حقاً لابد من الإعتراف أن البعض من ساسة الإقليم الكردي في شمال العراق أصبحوا متمرسين ومتميزين في مادة التاريخ بدليل إستيعابهم وإجادتهم تطبيق نظرية غوبلز في الشروع بأفعال متناقضة يتّسترون عليها بالكذب والتضليل والإنكار لكي يُصدّق الآخر مايقولونه.
وغوبلز لمن لايعرفه هو وزير الدعاية الألماني في عهد هتلر صاحب المقولة الشهيرة (إكذب…إكذب…ثم إكذب حتى يًصدّقك الناس) في منهاج عمل وإستراتيجية سياسية أصبحت واقعاً للفعل السياسي الكردي في إدارة شؤونه ومتطلبات العمل في مساحات الإقليم الجغرافية بالإنكار والتضليل والخداع وإيجاد مبررات يُصدّقها الآخر لإقناعه بصحة النوايا وسلامة الإدارة مستغلين حجم الثقب الذي إتسع في ذاكرة العراقيين إلى درجة أنها لم تعد تستوعب كمية الأحداث والقصص التي تحدث في البلاد، لكن في المقابل فإن هؤلاء ينسون أو يتناسون أن ذاكرة البعض لازالت تحتفظ بسلامة قواها العقلية.
ماحدث من قصف إيراني لمراكز يُعتقد أنها للموساد الإسرائيلي في كردستان العراق وإنكار سلطات الإقليم لوجود أي محطات تجسسية على أراضيها ليس بجديد عن هذه السلطة فقد سبق أن تبرأ الإقليم من مؤتمر أُقيم على أراضيه في شهر أيلول من العام الماضي برعاية منظمة أمريكية عنوانها (مركز إتصالات السلام) يترأسها الأمريكي جوزيف براودي صاحب العلاقات القوية مع إسرائيل ومقرها في مدينة نيويورك غايتها العلنية العمل مع الإسلام والمدارس الأخرى في الشرق الأوسط في دحر الأيديولوجيات والمشاركة الجماعية.
وبالرغم من الرفض الشعبي في بغداد لهذا المؤتمر الذي كانت أهدافه التطبيع مع إسرائيل وإصدار القضاء العراقي مذكرات قبض بحق عدد من الشخصيات العشائرية ونائب سابق في البرلمان العراقي وعناوين وظيفية أخرى من الذين شاركوا في هذا المؤتمر الذي أُقيم في أربيل وتحت أنظار ومسامع السلطات الكردية وأجهزتها الأمنية، إلا أن الساسة الكرد أنكروا علمهم وجود مثل هكذا مؤتمرات على أرضهم حتى بعد أن أصبح قضية رأي عام ببغداد في محاولات البعض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأُثيرت أسئلة حينها لم تجد أجوبة لغاية كتابة هذه السطور عن جدوى هذا المؤتمر الذي حضره أكثر من (300) شخصية من مختلف محافظات العراق وعن كيفية إقامته تحت أنظار سلطات الإقليم وأجهزتها الأمنية دون علمها.
وفي حين تؤكد إتهامات برلمانية وتقارير حكومية عراقية وغربية متطابقة عن تصدير كردستان نفطها مايلبي نسبته 70% من حاجة إسرائيل من هذا النفط، إلا أن الإقليم مازال مُصّراً على إنكاره تصدير النفط الذي يصدره عبر شركات وسيطة بين الطرفين لإبعاد شبهة التعامل المباشر مع الطرف الآخر.
مفاعيل السياسة وعالمها الخفيّ لم يعدّ خافياً للعالم الذي أصبح قرية صغيرة بل تحول إلى حيّ صغير يتبادل ساكنيه أحاديثهم وهم يسيرون في طرقاته.
خفايا السياسة ودهاليز أسرارها لم تعد مستترة واللعب أصبح على المكشوف بعد أن أصبحت بوصلة الإتجاهات تُشير إلى تغيير في مراكز القوى وإختلال في أقطاب التوازن ولم تعد سياسة الإنكار والتنصل تليق بمن يريد تأسيس عمل سياسي يضع له أساس في النظام العالمي الجديد حيث تكون المواجهة والفعل الصريح.
بالمحصلة الساسة الكرد لازالوا يمتهنون سياسة بالية وقديمة أصبحت لاتنفع في ظل كل هذه المتغيرات لأن نفيهم هو تأكيد للفعل الذي ينفونه وهو مايؤكد في قِدم نظريات الإنكار هذه ووجوب البحث عن نظريات جديدة بديل نظرية غوبلز التي لم تعد تتوافق مع عالم السياسة الحديثة.
مشكلة الساسة الكرد هو عدم قدرتهم على المواجهة والصراحة في سياستهم مع الآخرين وهم الذين دائماً مايطالبون بدولة إنفصالية للإستقلال عن العراق والسؤال الذي يطرح نفسه هل يستطيع هؤلاء إقامة دولة في ظل هذا التناقض في سياساتهم وعدم الوضوح في توجهاتهم؟.