ونعود إلى السؤال الأول الذي يستفهم عن المصدر الأساسي للمعرفة…
وحيث أن المعرفة الحصولية تنقسم إلى معرفة تصورية ومعرفة تصديقية، فهذا يعني أن لكل قسم مصدره الأساسي وقبل الخوض في مصادر التصور والتصديق لابد من التعرض للتصور والتصديق ولو بصورة مختصرة..
ما هو التصور؟
هو أحد قسمي العلم الحصولي.
ما هو العلم الحصولي ؟
هو حضور صورة الشيء عند الذهن.
فالتصور هو علم حصولي.
والتصديق هو علم حصولي أيضا.
ولكن التصور لا يستتبع إذعان النفس وتصديقها.. بمعنى ان الصورة الذهنية لا تكون سببا لإذعان النفس وتصديقها كتصورنا للماء، فإن الصورة الذهنية للماء لا تستلزم تصديق النفس وإذعانها…
أما التصديق فهو يستتبع إذعان النفس وتصديقها، بمعنى أن الصورة الذهنية تكون سببا لإذعان النفس وتصديقها… فإن تسمية هذا النوع من العلم الحصولي بالتصديق هو تسمية الشيء بأسم لازمه، واللازم معلول، فالتصديق هو معلول لهذه الصورة الذهنية..
فالتصديق هو تصور يؤدي إلى تصديق النفس..
أما التصور فهو مجرد تصور ساذج…
اذن التصور الذي يكون سببا لإذعان النفس وتصديقها يسمى اصطلاحا (التصديق)
والتصور الذي لا يكون سببا لإذعان النفس وتصديقها يسمى اصطلاحا (التصور)…
إن التصديق له متعلق واحد وهو النسبة في الخبر عند العلم بمطابقتها للواقع او عدمه؛ مثال ذلك..
بغداد عاصمة العراق..
إن نسبة (عاصمة العراق) إلى (بغداد) تسمى النسبة في الخبر ونحن نتصور هذه النسبة في الذهن وعلى ضوء علمنا بمطابقة هذا التصور للواقع أو عدمه يحصل للنفس إذعان وتصديق بحيث نستطيع أن نؤكد الخبر أو ننفيه فنقول أن هذا الخبر صادق مادامت النسبة في الخبر مطابقة للواقع…
ونستطيع أن نقول أن الخبر كاذب ما دامت النسبة في الخبر لا تطابق الواقع كقولنا بغداد عاصمة الجزائر.
والنسبة في الخبر هي عبارة عن صورة ذهنية قد تطابق الواقع وقد تخالف الواقع…
ما هو المصدر الأساسي للتصور؟
اختلفت أجوبة الفلاسفة عن هذا السؤال فهناك عدة نظريات اذكرها بإختصار:
١- نظرية الاستذكار الافلاطونية: وهي النظرية القائلة بإن الإدراك عملية استذكار للمعلومات السابقة وصاحب هذه النظرية هو أفلاطون.
٢- النظرية العقلية: وهي لعدة من كبار فلاسفة اوربا كديكارت وكانت وغيرهما وتتلخص هذه النظرية في الاعتقاد بوجود منبعين للتصورات: أحدهما الاحساس والآخر الفطرة.
٣- النظرية الحسية: وهي النظرية القائلة: أن الاحساس هو المموّن الوحيد للذهن البشري بالتصورات والمعاني.
٤- نظرية الانتزاع: وهي نظرية الفلاسفة الإسلاميين بصورة عامة. وتتلخص هذه النظرية في تقسيم التصورات الذهنية إلى قسمين: تصورات أولية وتصورات ثانوية.
فالتصورات الأولية هي الأساس التصوري للذهن البشري.
ويليه القسم الثالث والأخير أن شاء الله …