ما هو المصدر الأساسي للتصديق ؟
هناك ثلاثة مذاهب اختلفت في الجواب عن هذا السؤال وهذه المذاهب هي :
١- المذهب العقلي: وهو المذهب الذي يؤمن بوجود معارف عقلية ضرورية سابقة للحس والتجربة وابرز فلاسفة هذا المذهب العقلي هم سقراط وافلاطون وارسطو والفلاسفة الإسلاميون كلهم هم من اتباع هذا المذهب وقد ساهموا مساهمة عظيمة في تطوير هذا المذهب العقلي..
إن المنطق الأرسطي هو من أهم ركائز هذا المذهب العقلي بل من المستطاع القول أن المنطق الأرسطي هو المذهب العقلي بعينه…
إن المذهب العقلي في جوابه عن المصدر الأساسي للتصديق يرى أن المقياس الأول للتفكير البشري بصورة عامة هو المعارف العقلية الضرورية فهي الركيزة الأساسية التي لا يستغنى عنها في كل مجال ويجب أن تقاس صحة كل فكرة وخطأها على ضوئها.
ويرى المذهب العقلي أيضا أن السير الفكري يتدرج من القضايا العامة إلى قضايا أخص منها، من الكليات إلى الجزئيات…
٢- المذهب التجريبي: هو المذهب القائل بأن التجربة هي المصدر الأول لجميع المعارف البشرية، ويستند في ذلك إلى أن الانسان حين يكون مجردا عن التجارب بمختلف ألوانها لا يعرف اي حقيقة من الحقائق مهما كانت واضحة، ولذا يولد الانسان خاليا من كل معرفة فطرية!!!
فالتجريبيون لا يعترفون بمعارف عقلية ضرورية سابقة على التجربة!!
٣- المذهب الذاتي: ومؤسس هذا المذهب هو السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس الله سره) حيث استطاع أن يتناول قضايا ومسائل نظرية المعرفة و قد فسرها على ضوء المذهب الذاتي للمعرفة وهذا ما تكفله القسم الرابع من كتابه الأسس المنطقية للاستقراء وقد تكفل القسم الثالث من الكتاب صياغة المذهب الذاتي للمعرفة…
لقد أشار السيد الصدر في بداية الستينات من القرن الماضي لهذا المذهب الذاتي من خلال ابحاث الخارج في علم أصول الفقه ومن خلال مجموعة مقالات نشرت في ذلك الوقت..
وكان يعبر عن هذا المذهب بالمنطق الذاتي في مقابل المنطق الأرسطي والمنطق التجريبي…
ومن نافلة القول التي ينبغي ذكرها في هذا المقال هو أن السيد محمد باقر الصدر قد تناول مسائل نظرية المعرفة وقضاياها من خلال مؤلفاته على ضوء مذهبين هما المذهب العقلي كما هو الحال في كتاب فلسفتنا..
والمذهب الذاتي من خلال كتاب الأسس المنطقية للاستقراء…
فالشهيد محمد باقر الصدر بالرغم من تبنيه للمذهب الذاتي من خلال مقالاته وأبحاث الخارج في الأصول الدورة الأولى إلا أنه كان يدافع عن المذهب العقلي في ذلك الوقت!!
وبعد أن نجح في التصدي للتحدي العظيم الذي تعرض له المذهب العقلي من قبل أنصار المذهب التجريبي المادي والذي لم ينجح الكثير من فلاسفة المذهب العقلي في الرد الحاسم على مزاعم المذهب التجريبي الذي تجسد بالشيوعية والاشتراكية التي هيمنت على العالم سياسيا وثقافيا واقتصاديا وقد شاركتها في الهيمنة ايضا الرأسمالية وكلاهما اي الشيوعية والرأسمالية هما من أنصار المذهب التجريبي…
فكانت محاولة السيد محمد باقر الصدر الناجحة بكل ما تعنيه الكلمة من خلال فلسفتنا هو انتصار للمذهب العقلي الذي يمثل الفلاسفة الإسلاميون سواده الأعظم..
فالسيد محمد باقر الصدر لم يرغب في أن يهتم في إظهار مذهبه الذاتي بل صبر طويلا على ذلك…
وبعد أن تصدى بنجاح لذلك التحدي العالمي الخطير سمح لنفسه أن يكشف النقاب بصورة كاملة عن مذهبه الذاتي من خلال كتابه الرائع البديع الأسس المنطقية للاستقراء في سنة ١٩٧٢ وهذا يدل على مدى الموضوعية ونكران الذات والحكمة التي كان يتحلى بها الشهيد محمد باقر الصدر…
يقول السيد محمد باقر الصدر في أحد مقالاته التي نشرت سنة ١٩٦٤ واصفا المنطق الذاتي:
(( إن وظيفة المنطق الذاتي بالنسبة إلى المنطق الأرسطي هي وظيفة التكميل بينما وظيفته بالنسبة إلى المنطق التجريبي هي التأسيس العقلي والفلسفي)) أنتهى
فهذا الكلام خير شاهد على أن السيد محمد باقر الصدر قد أسس المذهب الذاتي قبل سنة ١٩٧٢ بسنوات عديدة…