إن المراد من المعرفة هنا في نظرية المعرفة التي يبحثها الفلاسفة والمناطقة هي خصوص المعرفة الحصولية أي العلم الحصولي..
فنظرية المعرفة تهتم بالعلم الحصولي من حيث تحديد مصدره الأساسي وقيمته..
إن نظرية المعرفة تتكفل الجواب عن سؤالين:
السؤال الأول: ما هي مصادر المعرفة(العلم الحصولي) ؟
السؤال الثاني: هل للمعرفة قيمة؟ بمعنى هل تستطيع المعرفة أن تكشف عن واقع موضوعي مستقل عن الاحساس والذات؟
أما بالنسبة للسؤال الأول فهو عبارة عن سؤالين، لأن العلم الحصولي ينقسم إلى تصور وتصديق وبالتالي فإن السؤال سوف يكون عن :
أ – ما هو المصدر الأساسي للتصور؟
ب – ما هو المصدر الأساسي للتصديق ؟
وأما بالنسبة للسؤال الثاني الذي يستفهم عن قيمة المعرفة فقد كان الجواب عنه سببا في انقسام الفلسفة إلى فلسفة مثالية وفلسفة واقعية..
فالفلسفة المثالية أنكرت الواقع الموضوعي على ضوء إنكارها لقيمة المعرفة في الكشف عن واقع موضوعي مستقل عن الاحساس والذات…
وقد اختلفت الفلسفة المثالية في درجة هذا الإنكار..، فهناك من الفلاسفة المثاليين من شكك وهناك من أنكر بصورة جازمة وهناك من قال بالنسبية اي أنه لم يؤمن بصورة مطلقة بالواقع الموضوعي وفي نفس الوقت لم ينكر بصورة مطلقة الواقع الموضوعي…
أما الفلسفة الواقعية فهي لم تنكر قيمة المعرفة بل آمنت بقيمة المعرفة وقدرتها على الكشف عن الواقع الموضوعي، فهي آمنت بوجود واقع موضوعي مستقل عن الاحساس والشعور ولكنها أيضا اختلفت في هذا الواقع الموضوعي فالمادية التأريخية الديالكتيكية اقتصرت في إيمانها بالواقع الموضوعي على الوجود المادي فقط بينما تخطت الفلسفة العقلية والالهية في إيمانها بالواقع الموضوعي حدود المادة ليشمل الروح وما فوقها…
وعلى أساس هذه الأجوبة المختلفة عن السؤال الثاني الذي يستفهم عن قيمة المعرفة صار لدينا ثلاثة مفاهيم للعالم:
١- المفهوم المثالي للعالم: هذا المفهوم الذي لا يؤمن بحقائق موجودة بصورة مستقلة عن الشعور والإدراك بل هي ليست إلا الواناً من تفكيرنا وتصورنا بمعنى أن الفكر والادراك هو الحقيقة وكل شيء يرجع في نهاية المطاف إلى التصورات الذهنية فإذا أسقطنا الشعور أو ال(أنا) فإن الواقع كله يزول.
٢- المفهوم الواقعي المادي للعالم: وهذا المفهوم يؤمن بالواقع في حدود المادة المحسوسة، فالمادة هي القاعدة الأساسية للوجود.
٣- المفهوم الواقعي الإلهي للعالم: وهذا المفهوم يؤمن بالواقع الموضوعي ولا يقف عند حدود المادة المحسوسة بل يتخطاها إلى سبب فوق الروح والطبيعة.
ويليه القسم الثاني إن شاء الله….