23 نوفمبر، 2024 4:08 ص
Search
Close this search box.

نظرة في الشذوذ الجنسي

نظرة في الشذوذ الجنسي

تقديم:
ما زالت المثلية الجنسية لدى الغالبية، هي وحدها التي تمثل الشواذ الجنسي، ومازالت الغالبية تنظر إليها كطاعون إنساني يفتك بالأخلاق والدين، متجاهلةً أشكال الشذوذ الأخرى، رافضةً حتى مجرد التلميح إليها أو الخوض فيها، رغم عواقبها الوخيمة على الإنسانية ومنظومة الأخلاق والصحة عموماً، أما لماذا تُعد المثلية شذوذاً، ولماذا لا تثير أشكال الشذوذ الأخرى حساسية تلك الغالبية، فهذا ما ستحاول المقالة معالجته باختصار.

وأنا هنا لستُ بصدد التطرق للمثلية من ناحية دينية، ولمن أراد أن يستطلع موقف شيوخ اليقين ومنهم القرضاوي، وهم يكلموننا عن كل أنواع التلذذ الرجولي بالصغيرة والغُلام والبهيمة والمثيل، فعليه بالفضائيات الدينية والفتاوى المنتشرة بكل موقع تقريباً، كما أن قراءة آراء الجاحظ وشروح ابن قيّم الجوزية للمسألة، يمكنها أن تضع القارئ، في أسباب وجود هذا النوع من الممارسات الجنسية، وفق مفاهيم وتصورات رواد القرون الأولى للإسلام، كما أنني لست بصدد مناقشة آلام المثليين جنسياً وتبعات رفضهم في مجتمعاتنا، لأنهم أقدر وأولى بالتعبير عن ذلك مني، لكنني أرغب بالبحث في أسباب اعتبار المثلية الجنسية، هي النموذج الوحيد للشذوذ الجنسي عبر التاريخ، من خلال البحث في حمولات الكراهية والإحتقار لهذه الفئة من الناس تحديداً.

الموضوع:

تُعد المثلية الجنسية موضوعاً مُعقداً ومُلتهباً للغاية، حتى بالمجتمعات التي منحت حقوقاً واسعةً للمثليين، فهم لا يحظون فيها بقبولٍ مطلق، كالذي يحظى به غيرهم، هذا لأن المثلية لطالما شكلّت في العقل الجمعي، خروجاً غير مغتفر على قاعدة التنظيم البشري، التي تتمسك بها الديانات الإبراهيمية، وقد صمدت هذه النظرية لعشرات القرون، حتى تبرمجت الشعوب عبر التاريخ، على التمسك بها وحدها كفهم للحياة الإنسانية، فقاعدة الخلق من صلصال، تطرح هرميةً صارمة في الخلق النوعي للكائنات، من خلال ذكر فقط وأنثى فقط، الذكر سيد ووصي، والأنثى خادم ناعم ومطيع، الذكر فوق والأنثى تحت، ومجرد وجود أي مثليّ أو مثليّة بالمجتمع، يعني أن كل التقاليد الإجتماعية ستكون في خطر، ونظرية الخلق وكل ما يستتبعها بالضرورة هي خاطئة، وباقي التفاصيل الدينية لن تصمد لحظةً واحدةً بعدها.

القاعدة إذاً هي وجود قطبين للحياة الإنسانية لا غير، ولا كلام مطلقاً عن مساحة قلقة بينهما، أو العبور من واحدٍ لأخر، بسبب جينات وراثية أو هرمونات لا يمكن عمل شيء معها، كما لا يمكن عمل شيء لعلاج شخص من لون بشرته، أو من زُرقة عينيه، فمن منا لم يولد ومعه مزيجٌ من الميول وخليطٌ من الذكورة والأنوثة جينياً وهرمونياً أيضاً؟!

والمثلية الجنسية، تعني في جانبٍ ما منها، محبة واشتهاء طرف من نفس المرتبة الجنسية، أي حب واشتهاء رجل لرجل، أو امرأة لإمرأة، ويتحد موقف الرفض المطلق للمثلية بنوعيها، مع اختلاف أسباب ومنسوب هذا الرفض فقط.

أولاً: المثلية بين الرجال وتُسمى في العربية اللواطة

إنها الحالة الأكثر إزعاجاً واستفزازاً للمجتمع على الإطلاق، ففيها تعدٍ واضحٍ على الصورة النمطية المهيمنة للجنس بين الذكر والأنثى، وحتى داخل هذه الحالة، ثمة اختلاف في منسوب نظرة الاحتقار لمن يُمثل الطرف الإيجابي (الفاعل) ولمن يمثل الطرف السلبي (المفعول به) والأخيرة مصطلحٌ شائعٌ جداً بليبيا.

بالنسبة للـ “الفاعل” فهو مرفوضٌ اجتماعياً، لأنه ينأى بنفسه عن دوره الطبيعي في التلقيح، مقرراً بطيش تبديد بذاره الثمينة في أرضٍ قاحلةٍ غير ذات زرع، ولأنه بهذا يستغني عن المرأة في سلسلة التكاثر، ويستغنى طواعيةً عن دوره المهيمن على أنثى، ليجعل من هيمنته مُنصبة على مثيله الذكر، ليحيله إلى جسدٍ للإمتطاء والركوب، إنه باختصار “أنثنة” ذكر آخر كان جديراً بالبقاء في ذكورته.

في ليبيا يحدث أن تلتقي بالبعض ممن يفاخر بأنه “فاسد”، والفاسد هو ذلك الذي يفعل في الآخرين ولا يُفعل به، إنه يُحيل العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة إلى أفعال سيادة وتراتبية، فالرجل سيد على المرأة، والرجل فوق “لأنه الفاعل” دائماً والمرأة تحت “لأنها المفعول بها” دائماً، مع ما تحمله هذه الكلمات من حمولات مُهينة للذات الأنثوية، باعتبارها مهيئةً طبيعياً لأن تكون موضوع اختراق، لهذا يزدري المجتمع المثلي الفاعل، لأنه يكون قد حوّل مثيله الذكر إلى موطوء ومفعولٍ به، وحَرَف السيادة الذكورية عن مجالها، وخلخل التراتبية الجنسانية برمتها.

أما “المفعول به” فهو الذي سيذهب بكل الإحتقار والكراهية المتوفرة، لأنه سيكون قد “مرمط” شرف الرجولة في الوحل وحوّلها إلى موضوعٍ للوطأ، في مجتمعات تُعلّي من شأن الذكورة وتربطها بالفروسية (لاحظ أن كلمة فروسية تعني ركوب الدابة والغزو ..الخ) ويكون المفعول به في هذه الحالة، قد أخرج نفسه طواعيةً من “الإيجابية”، وصار قيمةً “سلبيةً” لا يُعتمد عليها، لا في حربٍ ولا في جهادٍ أو تبشير، لأنه ببساطة صار أنثى.

ثانياً: المثلية بين النساء وتُسمى السحاق

هذه الحالة هي أقل استفزازاً للمجتمع من المثلية الذكورية بكثير، لكنها مرفوضةٌ أيضاً.

المثلية هنا تُقابل باستفزازٍ أقل، لأن المرأة المثلية تظل مرصودةً للولادة والإضطلاع بدور الزوجية، عدا عن أن استمتاعها الجنسي يشبه ـ في المخيال الجمعي ـ ممارسة العادة السرية، أي لا يوجد جماعٌ بالمعنى الإصطلاحي المتمثل في أفعال الإيلاج، كل ما في الأمر أن المرأة إنما تُمارسها عن طريق الإحتكاك بامرأة أخرى، عكس الحال في اللواطة، ففي كل حالة لواط، ثمة رجلان يُسقِطان قيمتهما الذكورية، ويتخليان عن السيادة التي أنعم الله عليهما بها، وفي كل حالة لواط هناك جماعٌ يركب فيه ذكرٌ

ذكراً آخر مثيلٌ له، وبسبب ذلك الفعل الشنيع، سيتم ضرب نظرية القوامة في العمق، إذ كيف للرجل المفعول به في عملية الإستمتاع الجنسي، أن يُمارس الهيمنة على المرأة وهو ذاته مُهيمنٌ عليه، وكيف يُفهم الغرض الإلهي من خلق الإنسان بسببه، وماذا سيحل بالعمران البشري، الذي جعله الله ضرورةً لعبادته ورفع اسمه على الأرض، وماذا سيحل بصورة الله التي خلق آدم عليها، كما جاء بالكتاب المقدس وبالتراث الإسلامي ؟!

لكن السحاق رغم ذلك، يُعد أمراً مرفوضاً مجتمعياً وبالمطلق، لأن المرأة فيه تستولي على وظيفة الرجل الجنسية، وتستقل عنه في حصولها على المتعة، فتصبح قادرةً على التمتع بجسدها مثلما يتمتع هو بجسده، إذ يحدث كثيراً في ـ الحالات الإعتيادية ـ ألا تستمتع المرأة مع الرجل جنسياً، فينتهي هو إلى الإنتشاء وهي إلى الحسرة، واستمتاع المرأة بجسدها من خلال السحاق، هو أمر مرعبٌ للدين وللمجتمع، لأنه سيُخِرج النساء من دور الحريم “المفعول بهن” إلى دور السادة “الفاعلين”، وبهذا فهي تقلب التصور التقليدي للجنس القائم على الجزم بأن الرجل فقط هو الذي يتمتع به، وهو المخوّل بمنحه للمرأة، إلى أن تكون المرأة قادرةً لوحدها على التمتع به والوصول إلى الذروة عن طريق الإستغناء عنه بالذات.

إن ما يجعل المجتمع قلقاً ورافضاً للسحاق، هو أن المرأة تستقل بتدبير متعتها الجنسية، ولكونه ينطوي بطريقة أو بأخرى، على “ثورة” على المفاهيم الرجولية للجنس، من خلال الإكتفاء بالمثيلة، وغالباً ما تكون المثليات نسوةٌ استقلاليات جداً، يعشن نمطاً من الحياة يستغنين فيه عن الرجال، ولا شك أن هذا عاملٌ مقلقٌ، فالسحاقية ستعبّر للرجل عن فشله في القيام بدروه في مشروع اللذة المشترك، وأنانيته وعدم ذكائه في إرضاء شريكته.

الشواذ الحقيقي:

المثلية الجنسية اليوم بحاجة لدراسة علمية ونفسيه، بعيداً عن دائرة الحرام والحلال، وبعيداً عن تنظيرات رجال القرن السابع الميلادي من المسلمين وغيرهم، والعالم العربي بحاجة أكثر للتعرف على هذا النوع من الهويات، التي لا تقتصر على الرغبة والميل والشهوة الجنسية فحسب، بل تعني نظرة الواحد منهم إلى نفسه، وكيف يشعر حيال جسده، وكيف يريد أن يقدمه للمجتمع والعائلة من حوله، وهل يرى نفسه ذكراً فقطـ أم أنثى فقط، أم بين بين، أم يرى نفسه عابراً من أحد القطبين إلى الآخر، أم أنه يشعر بأن لا جنس له بالمرة، عدا عن ضرورة موضعة المثلية الجنسية في النظام الطبيعي ككل، فقد برزت المثلية بوضوح على مدى التاريخ الإنساني، وفي الكثير من فصائل الثديات والزواحف والطيور، كآلية من آليات الطبيعة لحفظ التوازن الطبيعي في البشر والحيوانات معاً.

إن مفهوم الشذوذ الجنسي بعصرنا الحالي قد اتسع كثيراً اليوم، فلم يعد يعني اشتهاء المثيل في المرتبة الجنسية، بل يعني اشتهاء الطفلات والتلذذ الجنسي بهن، رغم أنهن لم يغادرن طور الطفولة بعد، ولا فارقت خيالاتهن الدمى والأراجيح والجري خلف الفراشات، عن طريق تلبيس المسألة بالزواج، كما يحدث بالسعودية والسودان واليمن والمغرب وأفغانستان والصومال والباكستان على سنة الله ورسوله الكريم، كما

أنه يشمل التلذذ الجنسي عن طريق أخذ النساء عنوةً بالحروب من رجالهن، وعدم التحرج من افتراس امرأة تزعق وتقاوم وهي تحفر بأظافرها في الأرض تريد أن تدفن نفسها حيةً من العار والذل، كما فعل رجال داعش بالأزيديات، تطبيقاً لآيات قرآنية كثيرة، استحلّت أعراضهن كغنائم حرب لكسر إرادة الرجال، وهذا ما أخبرنا به التاريخ الإسلامي نفسه، حين فعله النبي والصحابة وآل البيت والفاتحين الأوائل من كل القوميات، وكما فعل الأب الكاثوليكي فاتسلاف مونشياكاه، حين قام باستدراج الآلاف من قومية التوتسي للكنيسة في كيغالي، وشارك بنفسه في اغتصاب وذبح العديد منهم برواندا، في تسعينات القرن الماضي، وهو ما تفعله المليشيات والجيوش في الحروب، لدواعي الإنتقام العرقي والطائفي والجهوي، كما حدث في ليبيا والعراق وسوريا ويوغسلافيا السابقة، وبروندي وروسيا وبأوربا أثناء الحروب العالمية، كما يشمل الشواذ التلذذ الجنسي بعدة زوجات كما في الإسلام واليهودية وبعض الطوائف المسيحية.

إن الرجل الذي يُعدد الزوجات مهما كانت الأسباب، هو رجلٌ لا يعرف معنى الحب، لأنه لو كان قد خبر التواصل الروحي والجسدي العميقين مع إنسانة تعني له شيئاً، لما استطاع لمس غيرها مهما حدث، إنه رجلٌ بخيلٌ وفقير العواطف مُنساق خلف شهوته غير المضبوطة، لم يأخذه عمق خياله لرحلة ذوبان مع امرأة، لحد الإنحلال والموت والقيامة من جديد، إن اقتران رجل ما بالمرأة، هو نوع من أنواع اللجوء العاطفي والجسدى إليها، فكما يلجأ أحدنا لوطن يبحث فيه عن حماية، يلجأ الرجل للمرأة والمرأة للرجل بالزواج، فكيف تشعر المرأة يا ترى حين يخونها الوطن، ويطعنها فى الصميم، بعد أن يهدر لها عمراً كاملاً من الاستثمار والوفاء، ويكتب اسمها في لائحة نكاح ليلية تُعلق على سريرها، ليوزع خيانته وشذوذه بعدالة بينها وبين ثلاثة أجسادٍ أخرى؟

حقيقة أجد أنه من غير المفهوم، كيف أن السماح بنكاح أربعة نساء، ونكح مالا يُحصى من ملك اليمين، والقبول بنكح الطفلات، يمكن أن يخلّص المسلم من شهوة الجنس، ويجعل منه رجلاً سوياً.

إن الشواذ الجنسي اليوم، لهو أكبر بكثير من مجرد المثلية الجنسية، خصوصاً عندما يكون محروساً بنصوص دينية، ما عادت تصلح لهذا الزمن ولا لأي زمنِ آخر، فالبشرية تزحف ببطءٍ للأمام نحو التحضر، وتناضل من أجل التخلي عن أخلاق الغزاة والمستعمرين والشواذ جنسياً من كل الملل والقوميات عبر التاريخ.

أحدث المقالات

أحدث المقالات