نحن نكتب اليوم كما كتب من قبلنا الفيلسوف الفرنسي جارودي في تاريخ الفكر السياسي الاسلامي الذي يكمن في جعل الدين أداة للسياسة بأضفاء القداسة عن طريق قراءة حرفية وانتقائية للنص المقدس ، وهنا تكمن نكبة المسلمين في حكم الدولة .
مؤسس الدعوة الاسلامية بغض النظر عن كونه رسولاً ،لكنه كان يدرك بثاقب بصرة حالة ونفسية العرب في الصراع على السلطة لذ ما كان يريد ان يكون الصراع بأسم الدين أزلياً .. وهو يعلم كيف قتل هابيل اخاه قابيل من اجلها..واستمرت الحالة عبر الزمن كما روته لنا القصص القرآنية..لذا قاتل في جبهتين : هما الدعوة الآلهية والتضحية في نجاحها من جهة ،وكيفية حمايتها وحماية وحدة المسلمين المستقبلية من جهة اخرى. فكان جهاده (ص) منصباً بالوعظ والارشاد ،وبالتكافل بين مؤيدها..وبتحقيق العدل و المساواة ومسئولية الامن بين معتقديها في الحقوق والواجبات والحفاظ عليها . لذا جاءت الوثيقة المكتوبة تمثل القانون الحقيقي في التطبيق..ومع الاسف فقد أخفيت الوثيقة من بعده والى اليوم..من هنا كانت بداية النكبة في حكم المسلمين .
لكن واقع التطبيق للسلطة من بعده ، كانوا من المؤمنين بالدعوة قدر ايمانهم بمكاسبها المستقبلية فالطبيعة العربية سلطوية .. كما هم اليوم من كانوا يدعون بالعدل والوطن وحقوق الأنسان قبل 2003 فصدقهم الناس أملا بالتغيير ..لكن الثابت ان غالبيتهم لا يؤمنون بما كانوا به يدعون…وحين تمكنوا منها تمردوا على الدعوة والحقوق والأنسان فالعِرق دساس..ولو كان اصحاب الدعوة المحمدية يؤمنون به وبدعوته حقاً لما تنصلوا عنه وعن مبادئه وعقيدته..بمجرد وفاته فقلبوا له ظهر المَجن وتركوه مسجى وهم يتخاصمون على السلطة قبل ان يجف دمه..فنادوا “منا امير ومنكم أمير” حتى تم نقل الخلافة من قضية فروع الى قضية عقيدة..بمؤامرة لادينية بين المهاجرين والأنصار ” فبات نظام الحكم عند المسلمين منذ ذلك الوقت يعالج كعقيدة لاكمنهج سياسي خلافا لمبادىء محمد(ص) وأمته التي اراد لها العدل اولا…
وكما هم اليوم ما ان استولوا على السلطة قلبوا ظهر المَجن للشعب وأنفردوا في مكاسبها دون الناس فنسوا الله والقسم وحقوق الوطن والناس فسرقوا اموالها وقتلوا علمائها ومفكريها وباعوها للأخرين بأسم المذهبية والطائفية التي حاربها الأسلام ..وأستمر هذا النهج الخاطىء حتى سقوط دولة الخلافة عام 656 للهجرة على يد المغول وبتأمر منهم (أبن العلقمي وزير المستعصم العباسي مثالاً) والى اليوم..ولا أعتقد سيتغير الأمر في ظل قيادات الدين الساكتة عن الحق التي ترى نفسها فوق الناس حين خانوا الوطن مع المحتل الاجنبي بغض النظر عن دكتاتورية السلطة لحكم المتعنتين..هذه هي طبيعة القيادات التي اتخذت من الدين وسيلة للوصول الى السلطة.
من هنا بدأت أشكالية الحكم في الاسلام فتوقف التقدم الحضاري عند العرب،لا بل زادت الخلافات حتى مزقت جسد الوحدة بينهم..وانا اعتقد لو بقي العرب على حالهم قبل الاسلام يحكمهم مجلس الملأ القبلي بقوانينه الصارمة والمخلص لوحدتهم القبلية والفكرية لتقدموا عبر الزمن مثل الامم الاخرى. ولبقي معالم المشروع الاسلامي الذي جاءهم فيما بعد قابل للفعل في ظروف العصر..لان مفهوم الدعوة الآلهية لا يعتبر مفهوما في النظر او العمل فحسب..بل فيهما معاً لتحديد المسار للدعوة في المنطلقات والتوجات والتطبيق ، وهي مكونات التشريع . ..ولأصبح الوعي والايمان بها وبمفرداتها وعياً تاريخيا مستوعبا لها وبشموليتها أملاً في التحقيق..وهذا لم يتحقق منذ البداية.
لكن حين تغلبت المصلحة الشخصية والقبلية على المصلحة العامة عاد التأسيس القرآني لنفس مواصفات ما قبل الاسلام ولم يعد للمتغير الاجتماعي من اهمية وفق جدلية التاريخ الجديدة ، ووفقا لقوانينها المحددة الملتزمة بالنص الديني المقدس ،فعادوا يحكمون بنظرية عقيدة السلطة لا كمنهج سياسي رباني جديد ..وانما منهج سلطة ورياسة ولا غير..وما دروا ان العودة عبر الزمن مستحيلة.. خاصة في متطلبات دعوة ربانية جاءت لتحقيق المساواة والحقوق بين البشر في مجتمع لا يعرفها من قبل ابدا في التطبيق.
من هنا كانت أهمية التجديد ..على مستوى الرؤية التاريخية ومن هنا أيضاً ان يكون مشروع الدولة الجديدة قابلاً للفعل في ظروف العصر ..وأوضاع العصرالجديد المستمر باعتبارها دعوة دينية سماوية دائمة الحضور مقبولة التنفيذ… لا تُخرق.
في ظل السلطة والفقهاء الجدد وتفسير النص المقدس حسب أراءهم وأجتهاداتهم القديمة والمختلفة والمتخالفة التي تتحكم فيها طبيعة السلطة البدوية ..واللغة عندهم لم تستكمل تجريداتها اللغوية بعد وفق معايير الاسلام..أخترع التفسير للنص الذي ليس له من أصل في القرآن بل كان التاويل “وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم،آل عمران آية 7 “..مما أفرز ظهور الخلاف في الرأي والمعنى الذي استغلهما العهد الاموي لينقل السلطةالى مُلك عضوض ..ومن بعدهم العباسيون ليحولوه الى نظرية حكم الهي يمثلون الله في التطبيق يقول المنصور العباسي :” انما اناسلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقة ..أطيعوني ما أطعت الله”. حتى جاءت القرون التالية ليؤسس الفرس والاتراك في عهد الدولتين البويهية “334-447 للهجرة ” . السلجوقية “447-547 للهجرة” وفقهائهما حكم الكائفة والمذهب خلافاً لمبادىء الدعوة …وانعكست تلك الأراء فيما بعدعلى أسس التدريس ، الذي غذى عقول الطلبة بالطائفية والخطأ المقصود الذي شق المعتقدين بالدعوة من امة واحدة ” ان هذه امتكم أمة واحدة وانا ربكم فأعبدون،الانبياء 92″الى أمم متخاصمة فيما بينها..فلم يعد بالأمكان نزع الفكر الخاطىء من معتقدية..نظرية صعبة لا يمكن مقاومتها في ظل الفكرالسياسي والديني المتقاطع اليوم..
أما كان الأصلح لهم ان يكونوا على دين واحد بدلاً من ان يكونوا متخاصمين على مذاهب دينية مخترعة ليس لها في الدين من أصل..أم انهم أستغلوا الدين لأثبات العنصرية..؟ أم استغلوه لصالح أنفسهم في حكم السلطة ؟ كما في نظريات الفقهاء من امثال الكليني (ت447 للهجرة) والماوردي (ت364 للهجرة) كما في قول قول المعمم الصافي ممثل السستاني في كربلاء حين يقول:” ليس المهم ان تكون متمكنا في الدنيا ،المهم ان تكون عابداً لتكون غنيا في الأخرة..فكر متخلف ومتحجر قتلوا به التقدم والتحضر والحقوق..أما هم فلهم حق سرقة اموال المواطنين والرفاه الاجتماعي ..والأديان؟
فكراسلامي جديد مخترع من الفقهاء البارحة و اليوم يقاوم التقدم ويلغى نظريات الحرية في الاختيار، والصدق وصفاء النية والبعد عن الخداع وقتل النفس الأنسانية بلا ضمير كما هو سائد في قوانين منظماتهم اللانسانية ،ومذاهبهم الباطلة ، التي بها قتلوا كل العلماء والمفكرين ومن له رأي صحيح ، وكل من يُشم منه رائحة الاخلاص لوطنه ودينه وأنسانية الأنسان ، دون تحديد كما في فكر حزب الله ومليشيات الغدر والتنفيذ ..عوضاً عن فكرٍ أنساني موحد يحمي الحدود من الغاصبين المخربين للوطن والانسان بلا حدود كما في فكر المصلحين ..بعد ان جسد الفكر الديني المذهبي المتزمت المعتمد على النص الثابت دون الأصول..فهل لنا من محاولة جادة في العصر الحديث لتحويل عصر النصوص الى الأصول لأرتباطه بتطور الفكر الفقهي ونمو الاستنباط ، نظرية قالها..محمد باقر الصدر في كتابه”المعالم الجديدة ص54″ حين رأى فيها ،انها حاجة تاريخية للأبتعاد عن عصر النصوص التي جعلت السلطة او الخلافة عقيدة مذهبية تجنبهم معارضة الأخرين ، التي استمسك بها الحاكمون الى اليوم..ويقف قادة حزب الدعوة الجدد.. والحزب الاسلامي.. والاخوان المسلمين ..في المقدمة..؟
هكذا كان الاحساس عند اهل الشورى الحقيقية منذ البداية خوفا من ان يتحول المرض الى نظرية جبرية حتمية لاشفاء منها ابداً ،وهذا ما حدث، وهكذا قالها الصحابي سعد بن عبادة وأنسحب من الخلافة فقُتل فقالوا عنه “قتلهُ الجن” “عمر والتشيع،ص169″،كما قتلوا المفكر هشام الهاشمي فقلوا قتله مجهول.. منذ ذلك الوقت هي نفس التبريرات لمن يريدون قتله سياسياً..، وهذا ما نواجهه اليوم دون أمل في الاصلاح ممن أمسكوا بسلطة الدولة والدين النصي المغاير للصيرورة الزمنية معاً.ورغم ان الفقه أوسع نطاقاً من القانون في التشريعات المعاصرة ، لكن هذا الفقه الأصولي قد تمت أزاحته من التعامل..حين حل محله فقه السلطة في التطبيق حتى استطاعوا ابعاد نظريات التطور لتحل محلها نظرية الخليفة القيصرأو ولي الفقيه ليحولوه الى نصوص دينية يصعب التعامل معها في ظل التطور الفكري والتكنولوجي اليوم.. فادخلوا في الدساتير نصا يطالب بتطبيق الشريعة في حكم الناس كما في الدستور العراقي الهجيني بعد التغيير في 2003 الذي ولد الفرقة بين المواطنين ..”المادة الثانية منه”..فكان لهم ما أرادوا..لكنهم ما دروا انهم قتلوا العقيدة والوطن وأنفسهم ..والدين ..معاً.
ان نقل الرئاسة من قضية فروع الى قضية عقيدة كانت الضربة القاضية التي حلت بالاسلام السياسي فمات من زمن ..من هنا فقدت الأمة بوصلة التقدم. وخاصة بعد الغاء الشورى كنظرية استقامة وحقوق ما جعل النظام الاستبدادي بؤرة الازمة السياسية عند المسلمين والى اليوم..فحل السيف محل العقل في التطبيق..لدرجة ان حتى اعلامهم الرسمية اليوم رُسمَ عليها السيف أشارة للعنف والظلم ….وهذا ما ورثوه من الفتوحات الأسلامية الخائبة الظالمة للشعوب الاخرى التي نهى عنها الدين الاسلامي وعن اسلمتها بالقوة “لكم دينكم ولي دين”…رغم ان النص لم يطبق منذ البداية حين حلت الغزوات والقتل والتهجيرلمن خالفهم في الرأي والحواروهو خير شاهد على ما اقول….فخلقوا لنا القاعدة وداعش والاخوان المسلمين .
ان تحول هذا الخطأ الذي يكمن في الرئاسة الفردية الى نظرية مطبقة في حكم المسلمين ، انهى حكم القيادة الجماعية في ظل الشورى(الديمقراطية) الملزمة فتحول الامر الى الملك العضوض الذي بقيت السلطة فيه مقدسة لا يجرؤ احد ان يمسها بسوء فظلت الدولة تسبح في بحور الظلم والظلام وتخلف الامة طيلة كل هذه القرون الطويلة رغم ظهور بوادر للأصلاح كما في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز (99-101 للهجرة) والخليفة المآمون العباسي (ت198 للهجرة) الذي أحتضن فكر المعتزلة الراقي في التطور والتغيير.. لكن الفقهاء الذين وقفوا ضده استطاعوا من افشاله..والابتعاد عن عصر التطور والحضارة معتقدين انها هي عقيدة الدين فحسب،بينما هي في ذاتها قواعد سياسية ،فالدين معناه منهج الحياة المتكامل عقيدة وشريعة وأسلوب حياة. وليس أحتكارا فكريا وتمايزا بين الناس محتجين بأهل البيت والصحابة البعيدين عن مغانم السلطة ..فأضافوا اليها العصمة والشورى والمهدي المنتظر وولي الفقيه في التفضيل..وكلها ليس لها من أصل في نظرية الدين الجديد “ان أكرمكم عند الله أتقاكم،الحجرات 13″ ..فجرت محاولات أخرى جادة لانهاء هذا التيار الخاطىء في حكم الدولة تزعم التيار مجددون منهم رشيد رضا وجمال الدين الأفغاني وغيرهم كثير…الذين نادوا بالقيادة الجماعية والغاء فلسفة القيادة الفردية فذهبت جهودهم هباءً.
بعد هذا الزمن الطويل على ممارسة نظريات الخطأ في قدسية الخلافة وولاية الفقيه وما افرزته الحركة الفقهية وخاصة فقهاء الفارسية ابتداءً بالكليني(ت329 للهجرة)وكتابه الكافي مرورا بالشيخ المفيد (ـ431 للهجرة ) وكتابه الأرشاد ، واستمراراً بالطوسي (ت460 للهجرة) وكتابيه الاستبصار وتهذيب الأحكام ومن جاء من بعدهم ،الذين دمروا نظام الامة بالكامل حتى اقنعوا الناس بالاحاديث النبوية الوهمية كما جاء في بحار الانوار للمجلسي واحاديث مسلم والبخاري المخترعة منهم .. وتفسير الايات القرانية تفسيرا ترادفيا اقنعوا البعض بانهم ظل الله في الارض مقدسين لا يجوز انتقادهم كما في نظرية (قدس الله سره الشريف)حين بلشفوا حتى اعدائهم الذين اصبحوا هم ضحاياهم.
وحين دخلوا مرحلة التحدي علميا وفكريا للمذهب والمقالة والمدرسة في ظل البويهيين المناصرين للمذهب الوهمي على حساب الفكر الاسلامي الموحد الرصين..حتى اصبح الحكم الفردي دينا يمارس،وطقوسا تؤدى،”البكاء واللطم والزنجيل” ولا ندري على من يلطمون..؟ على فقيه مات قبل 1400 سنه وهم اول من ابتعدوا عن مبادئه واهدافه الانسانية ..وكأنه هو الدين.,فأقنعوا المجتمع المغفل بصدق اقوالهم ولا زالوا الى اليوم يستغله المترفون ..هذا التوجه الذي حاولوا به ان ينتقلون من مؤسسة فكرية لقيادة جماعية تحكم بديمقراطية الشورى الى مؤسسة معادية تماما للشورى لضمان مصالحهم دون مصالح المسلمين الأخرين ..فضربوا بحد السيف كل من خالفهم ولا يزالون لاحلال فكرة المذهبية الاحادية كما في مطاردة الزيدية والحركات الباطنية والاسماعلية سابقاً..وموقف المرجع كاظم االيزدي في النجف حين وقف مع الانكليز ضد ما يطلبه الشعب العراقي في التحريروكل من له فكرمستقل رصين ..تتزعمه اليوم قيادة ولي الفقيه..
مما حدى بصاحب حزب الدعوة السيد محمد باقر الصدر (أعدم سنة 1980) ان يعلن بأرائه الجريئة في قول الحقيقة ..الى مهاجمة فكرة عصر النصوص والعودة لعصر الاصول..ان استشهاده حال دون اصلاح الخطأ الكبيرفأنتقل حزب الدعوة الى عدو للفكر الاسلامي الأصيل كما مثلته اليوم القيادات الدينية الباطلة المرافقة للأحتلال الامريكي الباطل الجديد من وجهة نظر عقيدة الدين ..و حين ورث الوارثون من حزب الدعوة قيادته في غفلة الزمن اليوم حولوا كل ما جاء به وفي كتابيه فلسفتنا وأقتصادنا..الى فكر ديني بحت مخالف لما طرحه من فكر جدلي صحيح..وهكذا استبدوا في المال والانسان والحقوق والسلطة معاً…ولم يعودوا الا ناكري دين..وقادة حزب الدعوة اليوم مثالاً..
فكيف نفهم طبيعة العلاقة بين النهضة الفكرية الحقيقية وبين من يدعون بها اليوم..؟نفهما ان همهم الوحيد هو أهتمامهم الفقهي المنغلق المباشر بمسألة شرعية السلطة دون الشورى او ديمقراطية الاسلام الصحيح.
وحين جاء دور فقهاءالسلاجقة من امثال الماوردي (ت450 للهجرة) والغزالي (ت505 للهجرة) وأبن تيميه (ـ 728 للهجرة) نظريته في فصل لدين عن الدولة يعني الفوضى والوهابية المنغلقة على افكار المجددين . على مجاراة الحال بغية استخدام الرصيد المعنوي والذي ملكته مؤسسة الخلافة في الوعي الجماعي لما سمي بأهل السُنة ..فالماوردي مثلا (ت 450 للهجرة) حاول التوفيق بين الرأي المذهبي ومؤسسة الخلافة. والطرح الذي قدمه الغزالي لتكوين علاقة قوية بين الفقيه والسلطان وهو صاحب النظرية الميكافيلية “الضرورات تبيح المحظورات ..لذا بقيت العلاقة بينهما قوية لكنها معقدة افرزت بمرور الزمن بما لايتفق ونظرية الاسلام السياسي في وحدة المسلمين..ومثلت التجربة الصفوية والتجربة العثمانية في القرن الثاني عشر الميلادي وما بعده مثالاً سيئاً لما حدث حين لم تمنعهم تطبيقاتهم الفكرية من الانحراف والظلم بحق انفسهم والأخرين..واليوم يحاولون التكرار في مجتمعات مزقتها المذهبية والولائية الباطلة .
ان المشكلة الاساس بين علم الكلام واراء الفقهاء..أصبحت مشكلة مستعصية ..هذا العلم الذي ظل حبيسا في رأي الفقهاء لذا لم يتمكن من ان يرى النور ليكون تيارا قويا لمنهج مدرسي تتداوله الامة مما افقده افكاره الرائعة التي كان من الممكن ان يفرز نظاما سياسيا مقبولا مثل الديانات الاخرى ..فظلت الشورى لفظا لا تطبيق ، وبقيت الفردية هي السائدة اليوم تغذيها الجماعات المناوئه للاسلام والعرب مذهبيا معاً..
يقول باحث اخر في التاريخ الاسلامي :”ان ما يحيرني هو ان الاسلام جاء لتغيير حال العرب بعد ان تدخل في كل التفاصيل،فكيف اهمل المؤرخون الآوَل دراسة هذه الفجوة وتشخيصها التي تتعلق بمصير الاسلام وتركته طعمة للعواصف بعد ان تفرقوا الى 73 فرقة متناحرة كل منها تدعي انها صاحبة الراي والحق الصحيح.. حتى استهلكت اجيال ولازالت المشكلة شاخصة بينهم دون حل..والى متى ؟ واليوم ترفع ايران راية المقاومة الاسلامية التي زادت من شرذمة المسلمين حتى حولت المستقبل الى أظلم بعد ان ساهمت في الفرقة وافتقار الشعوب وتوظيف الاقتصاد لصالح الحرب والتدمير بمقاومة كل فكر نير جديد ..فكيف الخروج من النفق المظلم..الجديد ؟
يقول المرجع الحيدري في النجف الاشرف اليوم:لا يوجد عالم او مرجع جعفري أثنا عشري الا وقال: دون استثناء بتكفير.. المسلم الأخر ودون دليل سوى خزعبلات فقهاؤهم من المتعصبين. “أنظرالشيخ البحراني صاحب كتاب الحدائق الناظرة ” فكيف تتفق هذه الاراء ووحدة المسلمين.
بينما نلاحظ ان نهضة الفكر العلمي هي القوة التي حركة المجتمعات غير الاسلامية الى حركة التاريخ والحضارة ودفعتها الى السير في طريق مستقيم يتجه الى الامام بدلا من الدوران في الدائرة المفرغة العقيمة. بعد ان نبهتهم الحركات الفكرية التي وضعت الدساتير والقوانين الى حفظ حقوق الناس والوطن فأحترموها طواعية حتى ساد الامن على النفس والمال،فتحقق لشعوبها ما أرادت..فأصبحت النظريات العقلية الواعية للتطور الزمني المبتكرة من علماء الفكر هي الاساس في سعادة البشر وتقدم الشعوب ..فمتى نلحق بهم..؟ هذا مستحيل في ظل فلسفة مؤسسة ….. الدين الحالية التي لا تؤمن بتطور الفكر الجديد..
أما يستحق التاريخ منا اليوم اعادة نظر فيما كتب فيه ..لتفحص الثوابت في مواجهة ما كتب..حين خالط تدوينها ما لم تفطن اليه..حتى طمست حقائق..واخترعت حقائق..ومشى الناس تحت سيف السلطة على أخذ ما وجدوا، فأذا بالحقائق تدفن وبالآكاذيب تدون ويضاف اليها ما ليس لها..كفاية ضحكاً علينا يا مرجعيات الدين..
لن تقوم للامة من قائمة الا بفصل الدين عن السياسة وتشريع القوانين التي تضمن استقلال القوانين عن التشريع .ومنهج دراسي جديد قائم على علمية التدريس..
ولنا لقاء أخر..
[email protected]