23 ديسمبر، 2024 12:10 ص

نظرة عامة عن النسيج المجتمعي في محافظة نينوى

نظرة عامة عن النسيج المجتمعي في محافظة نينوى

التوزيع الديموغرافي في محافظة نينوى لم يأت من فراغ،
التوزيع جاء لعدم تقبل طائفة للطائفة الاخرى وقومية للقومية الاخرى على مدى العصور.
لم يستقر وضع نينوى الاجتماعي الا في فترة السبعينات،
هذا الاستقرار لم يأت بفضل حكمة وحنكة حزب البعث، ولكن جاء بفضل قوة القانون التي فرضها وطبقها على الجميع،
فالكلام عن التجانس والانصهار العرقي والقومي في المدينة لا اساس له وعار عن الصحة.
فالتوتر الديني والقومي يزداد كلما ضعف القانون ويتلاشى كلما قوي القانون،
اي هذا الاحتقان لا يموت حتى وان فرض القانون، وانما يكون في سبات يعود عندما تنهار الدولة او يضعف القانون فيها فيظهر التمرد والانفلات الامني والاجتماعي وتحاول كل طائفة وقومية ابراز نفسها والدفاع عن كيانها ووجودها.

وهذا الامر اصبح جلياً للعيان بعد انهيار الدولة العراقية في 2003 وسقوط النظام، فبغياب القانون عاد التخندق الطائفي والقومي والعرقي في العراق ككل.
برزت الجماعات المسلحة حتى اصبحت كل شريحة في هذا المجتمع تمتلك قوة مسلحة خاصة بها، اندلعت الحرب الاهلية فالصراع لم يكن شيعي وسني فقط، بل جميع مكونات المجتمع دخلت في هذا الصراع ولكن بروز الصراع الشيعي السني اخذ الحيز الاكبر كون هاتين الطائفتين هما اكبر الطوائف في المجتمع، اضافة الى وجود دوافع اقليمية ودولية عززت تنامي هذا الصراع، وبالعودة الى السابق واخذ نظرة عن معتقدات وافكار الجماعات المتطرفة في الديانات الاخرى نرى ان الفكر التكفيري ونبذ الاخر يشترك فيه جميع المتطرفين من الاديان السماوية والوضعية غير ان الانظار اليوم تتوجه نحو جماعة معينة قد برزت في وقتنا الحالي وهم تنظيم الدولة الذي فعل ما فعل من عمليات ارهابية وتفجير في المدن والاسواق العامة.

الديانة الايزيدية هي ديانة مغلقة ولا تسمح بالانفتاح على الاخرين لها طقوسها وعاداتها الخاصة يعيش معضمهم في الجبال منزوين كان اختلاطهم في المجتمع ليس بالبعيد، بدأ منذ ان تم توطينهم في مجمعات خاصة لهم وفتح المدارس والمراكز الصحية واصبح البعض منهم يصل الى المعاهد والجامعات ولكن بقي اختلاطهم مع باقي المجتمع حذر ومحدود.

وكذلك هم المسيحيون، يحدثني احد الاصدقاء قبل 6 سنوات ذهبت للعيش في قضاء الحمدانية وحاولت ان استأجر منزلاً وكلما ذهبت الى مكتب للعقار فيعلمون اني مسلماً يرفضون التعامل معي.
يضيف قائلاً: واخيراً حصلت على منزلٍ من شخص مسلم وعندما ذهب لصاحب المولد لكي اسحب خطاً للكهرباء، يقول قال لي لا نعط المسلمين كهرباء وطردني وبصق في وجهي.
وكذلك هم يرفضون بيع المسلمين او التعامل معهم ويحاولون شراء اراضي وعقارات المسلمين في هذا القضاء بهدف افراغه منهم.

اما المسلمون فما ظهر منهم من جماعات اعطت نموذجاً واضحاً للتطرف ورفض الاخر بحسب ايدلوجية وافكار تلك الجماعات.

وخير مثال تنظيم الدولة “داعش” وهم مسلمون من اهل القبلة لا احد يشك باسلامهم يصومون ويصلون ويعبدون الله ليلاً ونهاراً.
قامت هذه الجماعة بعمليات قتل مروعة ضد كل من يخالف نهجهم واجنداتهم،
والى جانب المفخخات التي كانت تنفجر في الاحياء الشيعية والتصفيات الجماعية ضد مخالفيهم من السنة ودفنهم في المقابر الجماعية و “الخسفة” خير شاهد وغيرها.

كانت عمليات التصفية التي لحقت بالايزيديين ليست بالسابقة ولا بالجديدة، فعلى مر العصور كانت تحدث عمليات القتل والسبي والتهجير بين جميع الاديان والقوميات، ولكن توقيت هذه الحادثة جاء في عصر الكاميرا الرقمية والانترنت فاحدث هذه الضجة،
فكانت عمليات القتل الجماعي ضدهم وسبي نسائهم لابد له ان يوقظ كل ضمير حي وانسان حر.
نعم، لقد سالت دمائهم واهتكت اعراضهم وهذا وحده كفيل بان تكون للانسانية وقفة جادة توقف تمدد وتمادي هذه الجماعة المتطرفة التي لم تراعي بكاء طفلة ونياح امرأة وكان شعارها القتل او القتل.
وايضاً المسيحيون لم يسلموا من بطش هذه الجماعة فقد نالوا من القتل والتهجير ونهب ممتلكاتهم بما فيه الكثير.

هذه الاحداث حصلت في زمن التكنلوجيا وما حصل خلال العصور السابقة والتي لم تدونه السجلات ربما يفوق بكثير ما حصل في عصرنا.
فهذا جعل كل ديانة وقومية تأخذ جانباً نائياً من المحافظة لتعيش فيها، فالايزيديون اتخذوا من جبال غرب المدينة ملاذاً لهم واصبحت تلك المناطق محمية لهم لا احد يستطيع الدخول اليها،
والمسيحيون اتخذوا من سهول شرق المدينة وطناً لهم، وكذلك المسلمون والقوميات الاخرى كالكرد والشبك والتركمان اتخذوا مناطق المدينة الاخرى محميات لهم.

كثير من التركمان جاءوا الى الموصل وعاشوا فيها وتركهم مدينتهم تلعفر خلال الحرب الطائفية،
الذي حصل لم يحصل انسجاماً بينهم وبين عرب المدينة، وبقي هذا الحال حتى دخول التنظيم المدينة.

وايضاً الكرد معروفة هي مناطقهم التي يسكنونها في المدينة، فمجرد ان تعرف اسم الحي الذي يعيش فيه الشخص تعرف من اي قومية ينتمي.
اذن على اي انسجام وانصهار نتكلم وكل هذا يحدث في محافظة مثل نينوى؟

فالخلاصة ان هذا النسيج المجتمعي ليس فقط في نينوى، بل في جميع دول العالم لايمكن السيطرة عليه الا بفرض قوة القانون وان يكون الجميع فيه سواسية ووضع قوانين تجرم وتحاسب كل من يدعو الى العنصرية او اضطهاد وقمع القوميات والديانات الاخرى.

صحافي عراقي مستقل
[email protected]