22 ديسمبر، 2024 7:10 م

نظرة تحليلية على مسودة قانون مناهضة العنف الاسري

نظرة تحليلية على مسودة قانون مناهضة العنف الاسري

ارسلت رئاسة الجمهورية الى مجلس النواب مسودة قانون مناهضة العنف الاسري لغرض التصويت عليه من قبل مجلس النواب باعتبره جزء من التزامات العراقية الواردة في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة باسم (سيداو ) ، ومن خلال نظرة تحليلية للمسودة المرسلة يمكن ان نخرج بالملاحظات التالية .
لو اخذنا اسم القانون المقترح وهو ( قانون مناهضة العنف الاسري ) ولو نظرنا الى كلمة ” مناهضة ” في قواميس اللغة لوجدناها تعني اسم المفعول من ناهض ومناهضة الشيء تعني مقاومته ومحاربته ولاتعطي معنى القضاء عليه في حين ان كلمة ” مكافحة ” تعني المقاومة والقضاء لذلك فيكون الاسم الافضل للقانون هو (مكافحة العنف الاسري ) .
لو انتقلنا الى الاسباب الموجبة نرى المسودة تنص على ” بغية الحد من مظاهر العنف الأسري، والقضاء على أسبابه، وحماية للأسرة وأفرادها، وتحمل الدولة لمسؤولياتها، ووقاية المرأة من الأفعال التي تشكل عنفاً بأشكاله المختلفة، مما يستوجب السعي الحثيث لتجريم تلك الأفعال وملاحقة مرتكبيها، وتوفير الخدمات اللازمة، ونظراً لكون العنف ضد المرأة يعد شكلا من اشكال التمييز، وانتهاكاً لحقوق الانسان، والتزاما بالصكوك والمعاهدات والمواثيق الدولية، التي صادق عليها العراق، وانسجاماً مع ميثاق الأمم المتحدة والقرارات الأممية، وسيرا على خطى مبادئ المجتمع الدولي، وتنفيذاً لأحكام المادة (29) من الدستور”. ونلاحظ انه بالرغم من ان العنوان يتحدث عن العنف الاسري الا ان الاسباب الموجبة تحصر العنف بالعنف الموجه ضد المرأة فقط وكأن الاسرة تنحصر فقط في المرأة وهذا مايستدعي اعادة الصياغة ليتضمن كافة افراد الاسرة كما ورد في تعريف الاسرة في المسودة .
بالنسبة لمتن مسودة القانون المقترح نجده يتكون من سبعة فصول و (27) مادة بالاضافة الى الى الاسباب الموجبة تم تخصيص الفصل الاول للتعاريف ، الفصل الثاني لتشكيل لجنة عليا ، الفصل الثالث تشكيل مديرية حماية الاسرة ، الفصل الرابع للاخبار عن الجريمة والفصل الخامس للمراكز الامنة اما الفصل السادس تم تخصيصه لتشكيل محاكم مختصة ، الفصل السابع تم تخصيصه للاحكام العامة .
في الفصل الاول ناخذ التعاريف والتي تبداء بتعريف ” العنف الاسري : كل فعل أو امتناع عن فعل أو التهديد باي منهما، يرتكب داخل الاسرة، يترتب عليه ضرر مادي أو معنوي” . وهنا المشرع وضع نفسه في مازق هو في غنى عنه لانه مهما اجتهد فلن يستطيع ان ياتي بتعريـف يـشمل جميع ما يمكن ان يستجد من وقائع في المستقبل فيظهر بذلك قصور هذا التعريف . النقطة الثانية ذكر المشرع ” الامتناع عن الفعل ” ضمن ما يمكن ارتكابه في حين ان الامتناع عن الفعل لا يمكن ارتكابه فالمشرع يخلط بين الفعل والسلوك ، كما ان جــرائم الامتنــاع تعرف بانها تلــك الجـرائم الــتي يــستلزم القــانون فيهـا وجــود نتيجــة إجراميـة تعقــب الامتنــاع. فالنتيجــة عنـصر أساســي في الــركن المــادي لمثل هذه الجرائم .لذلك يجب ان تكون الصياغة هي ( كل فعل يرتكب داخل الاسرة او امتناع عن فعل يترتب عليه ضرر مادي او معنوي ) .
في تعريف الاسرة اوردت المسودة التعريف التالي “الاسرة: مجموعة من الاشخاص الطبيعيين وتشمل:أ- الزوج والزوجة/ الزوجات وأبناؤهم وأحفادهم أو أبناء أحد الزوجين من زوج آخر.ب- والدا أي من الزوجين.جـ- الاخوة والاخوات لكلا الزوجين.د- الشخص المشمول بالوصاية أو القيمومة أو الضم، ومن كان في كنف الاسرة.” وهنا المشرع دخل في تعريف جديد في حين ان المادتين 38 و39 من القانون المدني العراقي قد فصلت في مووضوع تحديد الاسرة لذلك يعتبر ذكر تعريف جديد نوع من التقاطع ، خصوصا ان هناك تعريف اخر للاسرة في الفقرة (الخامسة عشر) من المادة (1) من قانون البطاقة الوطنية رقم (3) لسنة 2016 .
الفصل الثاني يبداء بالمادة (3) من القانون والذي يختص بتشكيل (اللجنة العليا لمناهضة العنف الاسري) يرأسها وزير العمل والشؤون الاجتماعية وتضم في عضويتها ممثل عن مجلس القضاء الاعلى والوزارات ذات العلاقة في حين نرى ان مهامها لاتحتاج الى مثل هذه الحلقة الزائدة فجميع المهام تقع ضمن اختصاص مديرية حماية البيئة في وزارة الداخلية دون خلق حلقة اضافية خصوصا ان الفصل الثالث من المسودة تتحدث عن مديرية حماية الاسرة في وزارة الداخلية . يتناول الفصل الرابع موضوع الاخبار عن الجرائم واناط التحقيق في قضايا العنف الاسري الى محكمة مختصة يتم تشكيلها من قبل مجلس القضاء الاعلى في المناطق الاستئنافية .
فيما يتعلق بتحريك الشكوى فالمسودة نصت في المادة (11) ” لكل من تعرض للعنف الاسري، أو من ينوب عنه قانوناً التقدم بشكوى الى أي من:أولاً- قاضي التحقيق المختص.ثانياً-الادعاء العام.ثالثاً-مديرية حماية الاسرة .رابعاً المفوضية العليا لحقوق الانسان” . واوجبت المادة (12) على الموظف أو المكلف بخدمة عامة، أو كل من قدم خدمة طبية أو تعليمية أو اجتماعية أو المنظمات غير الحكومية المختصة، في حال يشتبه معها، وقوع جريمة عنف أسري، الاخبار الى أي من الجهات المنصوص عليها في المادة (11) يلاحظ من هذا النص ان المسودة استخدم تعبير “التقدم بالشكوى ” وحصرها بالمجنى عليه او من ينوب عنه قانونا وهذا يدل على الخلط بين الاخبار والشكوى ،ففي الوقت الذي يكون تحريك الدعوى الجزائية من قبل المتضرر من الجريمة عن طريق الشكوى او باخبار من شخص عالم بالجريمة،بمعنى ان الشكوى يفتـرض ان تقدم من قبل المتضرر او المجنى عليه فقط او من يقوم مقامهما قانونا.والاخبار يقدم من شـخص اخر علم بوقوع الجريمة،فانه يلاحظ ان المسودة قد جعـل مـن تحريـك الـدعوى الجزائية في جرائم العنف الاسري يتم عن طريق الاخبار وهذا الاخبار يقدم من المتـضرر مـن الجريمة. وبذلك يكون قد اعطى للمتضرر او المجنى عليه مفهوما مزدوجا بموجب قانون اصول المحاكمات الجزائية وقانون مناهضة العنف الاسري او بمعنى ادق قد تم الخلـط بـين دوره فـي تحريك الدعوى الجزائية بموجب القانونين وبهذا لايشمل الادعاء العام بحق تحريك الشكوى المسودة وهذا يختلف عن ماجاء في المادة (1) من قانون اصول محاكمات العراقي على انه ” تحرك الدعوى الجزائية بشكوى شفوية او تحريرية تقدم الى قاضي التحقيق او المحقق او أي مسؤول في مركز الشرطة او اي من اعضاء الضبط القضائي من المتضرر من الجريمة او من يقوم مقامه قانونا او اي شخص علم بوقوعها او بإخبار يقدم الى اي منهم من الادعاء العام مالم ينص القانون على خلاف ذلك. ويجوز تقديم الشكوى في حالة الجرم المشهود الى من يكون حاضرا من ضباط الشرطة ومفوضيها”. كذلك يجب ملاحظة ان الاطفال هو اول ضحايا العنف الاسري ولكن النص لم يشرح لنا كيف يكون هناك من ينوب عن الطفل قانونا اذا كان الوالدين او احدهما هما الجناة لان الوكالة القانونية تكون اما وكالة نسب اي يكون الوالدي او احدهما او تكون وكالة مصدقة وهذه لايمكن ان يمنحها القاصر .
منحت المادة (15) من المسودة لمن تعرض للعنف الاسري، أو من ينوب عنه قانوناً، تقديم طلب الى القاضي المختص لغرض إصدار قرار الحماية وايداعه في المركز الآمن. لو رجعنا الى المادة (1) التعاريف لنبحث عن تعريف “الحماية ” لنجد ان المسودة تعرفها بما يلي ” قرار الحماية: قرار يصدر من محكمة الاسرة وفقا لإحكام هذا القانون”. كما هو واضح فان القانون لم يعطي تعريف للحماية ولكن في المادة 18 ذكر الافعال التي يتضمنها قرار الحماية والتي تشمل: أولاً: عدم التعرض للضحية وعدم التحريض عليها، أو على أي فرد من أفراد الأسرة أو على مقدم الإخبار.ثانياً- منع المشكو منه من دخول منزل الضحية او الاقتراب من أماكن تواجده.ثالثاً- تمكين الضحية، أو من يمثلها من دخول بيت الأسرة بوجود الموظف المكلف، لأخذ ممتلكاته الشخصية بموجب محضر اصولي. رابعاً- ضبط أي سلاح بحيازة المشكو منه إذا كان ذلك ضرورياً.خامساً-عدم الاتصال بالضحية سواء في المنزل، أو في مكان العمل، إلا إذا قصد منه الصلح الأسري بأشراف المديرية .سادساً-اشعار الجهات ذات العلاقة، بإيقاف العمل بالوكالة العامة أو الخاصة الممنوحة من الضحية للمشكو منه من تاريخ تقديم طلب الحماية.سابعاً- إلزام مرتكب العنف بالخضوع لدورات تأهيل من السلوك العنيف في مراكز متخصصة. اذا المسودة لم تعرف حكم الحماية بل ذكرت افعال تدخل ضمن اطاره وهنا يجب ان يتدخل الفقه لتعريف الحماية . وفي المادة 21 من المسودة ذكرت عقوبات مالية بالغرامة على مخالفة قرار الحماية .
من ملاحظة نصوص القانون نجد انه لم ياخذ في عين الاعتبار نص المادة (2) من الدستور العراقي لسنة 2005 التي ذكرت في في ا” لفقرة أولاً:- الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ أساس للتشريع:أ- لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام ” . وهنا لو رجعنا الى المذاهب الاسلامية المختلفة لوجدنا ان فإن الفقهاء يقولون بجواز ضرب الأب أو الأم أولادهما للتأديب، ولهم على ذلك أدلة منها: قوله صلى الله عليه وسلم: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع” رواه أبو داود.فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربهم لترك الصلاة، وفي هذا الضرب تأديب لهم. كما ذكروا ان تأديب الرجل ابنته ولو كانت متزوجة كبيرة خارجة عن بيته، ويلحق بذلك تأديب من له تأديبه ولو لم يأذن له الإمام.
من جهة اخرى نجد المسودة تتعارض مع نص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 الذي نص في المادة 41-1 ” لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالاً للحق: (1- تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً او قانوناً او عرفاً). أي أن افعال الضرب والعنف التي يمارسها الزوج اتجاه زوجته والاباء اتجاه أبنائهم استناداً للمادة المذكورة تعد من قبيل استعمال الحق والذي يعد بدوره سببا من أسباب الإباحة، والتي بمقتضاها لا يمكن مساءلة الزوج أو الأبوين جزائياً ولا مدنيا عما يقع من تصرف في حدود المقرر عرفا وشرعاً وقانوناً استخداماً لحقهم المنصوص عليه قانوناً, أي وفق ذلك فإن استعمال هذا الحق في العائلة العراقية لا يعني اضطهاد أحد أفرادها, بل يعد كجزء من التربية.
مما تقدم يتبين ان المسودة بحاجة الى مراجعة دقيقة لانها تتعارض مع الدستور والقوانين الاجرائية والجنائية .