22 ديسمبر، 2024 7:10 م

نظرة الى كتاب (( مقال عن المنهج )) للفيلسوف رينيه ديكارت

نظرة الى كتاب (( مقال عن المنهج )) للفيلسوف رينيه ديكارت

أولاً :- الخلاصة
آمن ديكارت بأن لكل إنسان لديه ما يكفي من العقل بما يؤهّله لتمشية أموره ويجعله قادراً على التمييز بين الخطأ والصواب . وأختلاف آراء بعضنا عن البعض الآخر لا يعني بتاتاً بأن البعض أعقل من البعض الاخر ، وإنما هناك إختلاف تنشأ نتيجة طريقة توجيه أفكارنا وإختلاف نظرتنا الى الأشياء .

وحسب رأي ديكارت بأن العقل هو الشيء الوحيد الذي يجعل من الإنسان إنساناً ، ويميزه عن باقي المخلوقات وخصوصاً الحيوانات .

حاول ديكارت الوصول الى المنهج أو الطريق الذي يؤهله في البحث عن الحقيقة ، وأن يكون دائماً ( عند الأحكام التي يكوِّنها ) أن يميل الى جهة الحذر أكثر من ميله الى جهة الغرور . وأن الغرض الرئيسي من هذا المنهج الذي تبنّاه هو من أجل تحديد الأتجاه الصحيح للعقل .

درس ديكارت في مدرسة ( لافلش الملكية ) التي كانت تعتبر من أرقى المدارس آنذاك ، وتبيّن له فيما بعد بأنه كلّما إزداد أكتسابه للعلم خبرةً وأجتهاداً في التعليم تبيّن جهالته أكثر فأكثر ، مما يدلّ على عدم كفاية العلم الذي تلقّاه . ولم يكن السبب في وجود قصور في المدرسة التي درس بها ، ولا في الأساتذة الذين تلقّى على أيديهم الدروس ، ولا تقصيـرٍ في نفسه . وتأكّد لديه بأن عليه أن يتصفّح كل ما توصّلت إليه يداه من كتب العلوم ، وقد وصل الى قناعة بانه لأجل إستكشاف العلوم علينا الرجوع الى التفكير الحرّ المستقل ، وأن الحقيقة تقوى في النفوس ، مثلما يفعل الشعراء الذين يستخرجون الحقائق من خلال إلهامهم وعقولهم لا من خلال دراستهم للشعر ، لان الشعر عبارة عن إلهام . وليس من الضروري في نظر ديكارت أن يكون الإنسان شاعراً أو بليغاً في فنّ الخطابة لكي يتمكن من إقناع الآخرين .

أُعجب ديكارت بعلم الرياضيات كثيراً لانه وجد الوثاقة والوضوح في براهينها ، ولكنه توصّل الى أن هذا العلم تقتصر فائدته في الصناعات الميكانيكية فقط . أما نظرته الى الدين فقد توصّل بان الطريق الى الجنة يكون من خلال الإيمان ، والإيمان ليس من عمل العقل . ورغم تطوّر الفلسفة على مرّ التاريخ من خلال وجود فلاسفة عظام ، ولكن حسب نظرة ديكارت لا يوجد أمر ليس مشكوكاً فيه ، وقد يكون هناك مسألة واحدة فيها آراء كثيرة ومختلفة ، وقد يؤيّدها رجال علماء ولكنه في نظر ديكارت يُعتبر باطلاً إنْ لم يكن معتمداً على البرهان الصحيح الذي يقود الى درجة اليقين .

حاول ديكارت من الوصول الى القوة اللازمة التي تؤهّله للتمييز بين الحقّ والباطل ، ورأى أنه من المفيد أن يتعرّف الإنسان على ثقافة وأخلاق الأمم المختلفة حتى نستطيع أن نحكم على أخلاقنا وسلوكنا بشكل صحيح ، وحتى لا نظن بأن كل ما يخالف عاداتنا وتقاليدنا هو مصدر للسخرية أو مخالف للعقل . وقد ساعد ديكارت سفره الى البلدان الأخرى وإطلاعه على الثقافات الأخرى للوصول الى المنهج الذي كان يبحث عنه .

ثانياً :- التحليل

عند قراءتي لكتاب رينيه ديكارت ( مقال عن المنهج ) المترجم من قبل الكاتب( محمود محمد الخضيري ) وجدت صعوبة في فهم محتواه وفي تفسير جمل عديدة ، لربما يكون بسبب كون الكتاب مترجماً إلى أكثر

من لغة ، مما أضطررت الى قراءة ترجمة الكتاب باللغات الأخرى ، ووجدت أن ديكارت قد حاول في الوصول الى المنهج في البحث عن الحقيقة ، وكان هدفه الأساسي هو التوصل الى القوة اللازمة التي تمكّـنه من التمييز بين الحق والباطل ، وتوصّل بأن هذه الحقيقة تقوى في النفوس من خلال التفكير الحرّ المستقل . وتوصّل الى أن المنهج الذي يعلّم المرء هو أتّـباع الترتيب الصحيح وإحصاء كل الظروف بدقّة في الموضوع الذي يعتزم التحرّي عنه . والأستعانة بالتحليل للوصول الى الأستنتاجات والحقائق .

عندما وضع ديكارت قواعد للأخلاق كان هدفه الوصول الى فلسفة تجعل من الأنسان سيّداً في الطبيعة ، وأن يكون الأجتهاد المستمر في الحياة هدفاً أساسياً للتعلّم ، أما الشكّ عند ديكارت المنهجي ، يجب أن ينتهي عند الوصول الى اليقين . وهكذا توصل ديكارت الى المبدأ الأول في فلسفته ( أنا أفكر ، إذن أنا موجود ) . ووصل الى الأستنتاج بالتفكير في وجود شيء أكمل منه ، إستنبطه من شكّـه في أنه غير كامل . وتوصّل الى نتيجة أن فكرة الكمال تنحصر في ذهنه وفي الوجود هو الله .

وأن جميع المخلوقات في الطبيعة لا بد أن تكون من نتيجة صنع صانع أكثر كمالاً ودقة .

وقد تطرّق الفيلسوف ديكارت في القسم الخامس من كتابه الى تفاصيل دقيقة عن عمل جسم الأنسان ووظائف أعضاءه الداخلية بشكل لا يستوجب الإشارة بشكل مطوّل ، كون الكتاب يتناول مواضيع تخص الفلسفة وليس الطب ، ولكن المغزى من هذا التفصيل كان بسبب توضيح دقّة المصنوع من أجل تبيان كمال الصانع . وتوصل ديكارت بأن النفس ليست مقيمة في البدن ، ولكن متّصلة معها إتصالاً وثيقاً ، بحيث تشكّلان وحدة مترابطة تعملان معاً . وأن التفكير هو نتيجة لهذه الوحدة المترابطة . وأن الأساس في الوصول الى اليقين في فلسفة ديكارت هو العقل .

إن هذا الكتاب وما فيه من إجتهادات قد وضعه ديكارت من أجل إستفادة الآخرين بعد مماته ، ولم يقتنع بنشره في حياته ، لأنه كان عازما أن يقضي حياته في الأجتهاد لتحصيل العلوم من أجل الوصول الى الحقائق ، مع عدم رغبته في الدخول في سجالات مع الفلاسفة ، وقد تجنّب ذلك بل وإعتبرها مضيعة للوقت ، مع عدم أهتمامه بالشهرة . ولا نشاطر الكاتب هذا الرأي ، لأن عدم نشر هكذا إبداع فلسفي في زمانه يضع في ذهن القاريء أسئلة كثيرة .

ونودّ أن نشير الى أن كتابه يعتبر بمثابة إبداع فلسفي وأدبي رائع وخالي من التكرار ، ولكن فيه بعض العبارات والجمل الغامضة التي يصعب فهمه من قبل القاريء .