22 ديسمبر، 2024 6:55 م

نظرة … الى الوراء

نظرة … الى الوراء

يتعرض الأنسان أحياناً الى الغبن دون مقدرته على ردّ الغبن أو تحديد المسبب شخصياً ، ولكن علمه بالجهة المسببة للغبن يجعله يمقت على تلك الجهة . وقد إنتشرت في الآونة الأخيرة ، وضمن مظاهر التطور التي شملت معظم مفاصل الحياة ، مكائن البيع الذاتي ( Vending Machine ) التي تقدم خدمات بيع المأكولات الخفيفة من البسكويت والكيك والمكسرات والمشروبات ، وكذلك تقدم المشروبات الباردة والساخنة وأنواع القهوة ضمن مساحة أقل من متر مربع واحد ، محققة السرعة في الخدمة وتوفير الضائعات من المصادر من المياه والكهرباء والأيدي العاملة والمخلفات ، والمحافظة على النوعية عند تكرار الخدمة لمرات عديدة .

ويختبيء خلف هذا الجهاز جهات عديدة من أجل تقديم الخدمة ( الجهة المجهزة للمأكولات والمشروبات ، والجهة التي تقوم بتجهيز الجهاز وتشغيله وصيانته ، والجهة التي تقوم بتأجير المكان الذي يتم نصب الجهاز فيه ) . وقد شهد أستخدام هذه الأجهزة في بعض الدول إنتشاراً واسعاً مثل أمريكا واليابان وأخذت تتنوع في تقديم الخدمات ، بل وصل عدد الأجهزة الى الملايين . ولم تترك هذه الأجهزة أية أماكن ينتشر فيها الزخم البشري إلا وإقتحمتها ( مثل المطارات والمولات والمستشفيات والجامعات ومحطات المترو …الخ ).

وخلاف الجوانب الأيجابية هناك أيضاً جوانب سلبية في الموضوع . فعندما تتعرض هذه الأجهزة الى عطل جهاز التبريد أو تتكاسل الجهة المسؤولة عن صيانة وتنظيف هذه الأجهزة ، فتتعرض المأكولات الى التعفن ، أو سوء نوعية السلعة المعروضة أو سوء نوعية الخدمة المقدمة ، والأسوء عندما يبتلع الجهاز نقودك من دون أن يقوم بتقديم الخدمة المطلوبة . بل يمتنع الجهاز حتى عن الأستجابة لك ، رغم أن الجهاز يدخل معك في حوار دافيء بمجرد وقوفك أمامه ، ويقوم بتقديم رسائل الترحيب والشكر . وعندما يبتلع الجهاز نقودك ويطبق في الصمت المقيت ، تشعر أنك أصبحت موضع سخرية من الجهاز ، بل من نفسك أيضاً ، ولكن ليست لك المقدرة في تحديد من من الجهات التي تكمن خلف هذا الجهاز قد جعلت منك الضحية ، فيتحول جام غضبك الى جميع تلك الجهات !!!

هنا نترك الجانب القانوني والأقتصادي والأجتماعي للقضية ، ونؤكد على الجانب الأخلاقي . لأن الجانب الأخلاقي يدعوك الى ( خصوصاً إن كنت راغباً في أن تكون عنصراً إيجابياً في المجتمع ) أن تقوم بحماية الآخرين بأن لا يكونوا ضحايا جدد مثلك ، بل أن الجانب الأخلاقي يحتم عليك ( إن كنت صاحب رسالة في المجتمع ) أن تقوم بتنبيه الآخرين من الوقوع في نفس الخطأ الذي وقعت أنت فيه . فتقوم بإلصاق ورقة على الجهاز وتكتب ( الجهاز عاطل ) .

هكذا هي الحياة ، قد يمر الأنسان بفترة ما ، يعشق خلالها شيئاً ما ، وقد يتعلق به تعلّقاً شديداً ، وقد يرهن سنين عمره شغفاً به ، وقد يأتي هذا الشغف نتيجة قناعته أو إيمانه أو عقيدته أو … أو … الخ ( مثل قناعته بأحد الأحزاب ) .

ولكن ( دوام الحال … من المحال ) فقد يعطل الجهاز ، أو قد تسوء نوعية الخدمة ، أو قد تتعفن البضاعة ، وبسبب الأهمال أو القصور . فلا تتناسب نوع الخدمة المقدمة مع أسم الماركة الذي يحمله الجهاز ، والذي كان سبباً في شهرته وإكتساحه الأسواق ( وتسلمه القيادة ) ، ولا يمكننا الدفاع عن هذا الجهاز ، لأنه يملك تأريخاً عريقاً !!!

ولا يمكننا نفي أو تجاهل سوء الخدمة المقدمة ، لأن التغاضي عن الغبن ، يجعل منا أضحوكة !!!!

ولا يمكننا تنسيب الخلل الى جهات أخرى ، لأن مصدر الخلل واضح ، وسوء التدبير جليّ !!

ولا يمكننا تجزئة الخلل ، بأن نقوم بتنسيب الخلل الى الجهة المجهزة للأغذية حصراً ، أو الى الجهة التي تقوم بتشغيل الجهاز أو الى الجهة التي قامت بأستئجار المكان !!!

لأن الضحية أمام خلل ناتج من جهة تحمل الأسم الفلاني !!!!

لذا … على المرء أن يتحلى بالشجاعة ، وأقوى درجات الشجاعة ، أن يبادر الى إصلاح الخلل ، ومحاربة الجهة التي أنتجت الخلل ، طبعاً إن كان ذا بصيرة على معرفة الخلل !!! وإن تحقيق التغيير ليس مقياساً لشجاعته ، وإنما تداركه الموقف وتراجعه عن الأستمرار في الخطأ هو المقياس في الشجاعة .

وثاني درجات الشجاعة أن يتبرّأ من الجهة التي تسببت بالخلل ( إن كان عاجزاً عن تحقيق التغيير ) وهذا موقف لن يُسيء الى تأريخه السابق ، بل سيُشْكر عليه . وثالث درجات الشجاعة وهي ( المروءة ) ، بأن يقوم بتحذير الآخرين وتنبيههم من الأبتعاد عن هذه الجهات . لأن الواجب الأخلاقي يحتم عليه أن يقوم بلصق عبارة ( الجهاز عاطل ) على أي حزب قد تسبب في معاناة العراقيين ، حتى وإن كان قد رهن سنين عمره الطوال من أجل هذا الحزب !!!

—————————-

Sent from my iPhone